“تبييض الأموال” لبنان يسابق الوقت قبل وضعه على اللائحة السوداء

بدأ التمدد السريع والكبير للمنظمات الارهابية يرخي بظلاله على الدول كافة، بعد النشاط المالي الكبير لهذه المنظمات الذي اخترق حدود الدول وسيادتها، مما استدعى سن تشريعات مالية جديدة في مختلف الدول لضبط هذه الحركات ومراقبتها، وبالتالي تجفيف منابع تمويلها وضبط توسعها.

تتولى “الغافي” (مجموعة العمل المالي من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل #الارهاب) وضع لائحة بالتشريعات الجديدة التي على الدول التزامها لمواكبة هذه المرحلة، تحت طائلة ادراجها على قائمة الدول غير المتعاونة في مهلة نهائية. وبما ان معظم الدول وقعت هذه التشريعات، وبقي لبنان وجزر القمر وبعض الدول الصغيرة من غير الموقعين، فقد وجهت “الغافي” رسائل تحذيرية عدة الى وزارة المال والمصرف المركزي تنبه فيها من مغبة عدم توقيع قوانينها. وحددت تاريخ 15-12 2015 موعدا نهائيا، قبل وضع لبنان على اللائحة السوداء، مع ما يتأتى ذلك من عقوبات كارثية على البلد.

 

لجنة مطلقة الصلاحية
في المبدأ، تجاوب لبنان مع هذه المطالب، وانجزت لجنة المال والموازنة التعديلات المطلوبة على القانون 318 المتعلق بمكافحة تبييض الاول، واحالتها على الهيئة العامة لمجلس النواب لاقرارها. الا ان رحلة التعديلات ومواءمتها مع القوانين اللبنانية وشموليتها واحترام نظام السرية المصرفية المعتمد في لبنان لم تكن سهلة، واستلزمت جهداً مضنياً وعملاً متواصلاً على مدى ثمانية أشهر بين وزارة العدل ووزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف ولجنة المال والموازنة، على قول رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان لـ”النهار”، متحدثاً عن “عقد ثماني جلسات للجنة المال والموازنة، اضافة الى اللجنة الفرعية المصغرة من آذار الماضي، للوصول الى مشروع قانون يرضي الكتل كافة وتتفق عليه الوزارت والادارات المعنية”.

ووفقا لمشروع القانون، تم تشكيل هيئة قضائية مالية ادارية مشتركة خاصة، يتمثل فيها مصرف لبنان، وتكون مطلقة الصلاحيات، وتتولى عمليات المراقبة والتدقيق في الملفات المالية، ولها الصلاحية في طلب المعلومات من اي مصرف، وبالتالي تسقط امامها السرية المصرفية، كما تتولى التنسيق وتبادل المعلومات مع الجهات الدولية المختصة، ويحق لها ايضاً اخذ القرارات في ما يخصّ تجميد الاموال والاصول العقارية وغيرها من الامور.

حددت المادة الأولى من القانون 318 على 2001 الجرائم التي يمكن ان تكون اساس المراقبة، وقسمت 18 بنداً ينص عليها القانون الجزائي اللبناني، وتتعلق بالارهاب وتمويل الارهاب والمنظمات الارهابية، الرشوة وصرف النفوذ في الوظيفة العامة والتزوير بمختلف اشكاله واساءة استعمال السلطة، الحض على الفجور عن طريق شبكات منظمة وتقليد الاختام والبيانات الرسمية والسرقة والتهويل واساءة الائتمان والافلاس الاحتيالي والملكية الفكرية والادبية… اضافة الى 11 بنداً تنص عليها قوانين اخرى، كالاثراء غير المشروع وتجارة الاسلحة والبشر، وتهريب المهاجرين وزراعة واتجار المواد المخدرة وغيرها.
طرق مراجعة شمولية المواد القانونية ووسعها أوجدت هواجس لدى وزارة العدل ومصرف لبنان ووزارة المال وجمعية المصارف. وسعى كنعان، بالتعاون معها، الى ايجاد حل يخفف حدتها، لاسيما في القانون المعدل، عبر الافساح في المجال امام الطعن بقرارات هذه الهيئة وايجاد اطار قضائي للمراجعة في حال شعر اي معني بالقضية بانه مظلوم.

واوضح ان “هناك اقتراحين في هذا المجال، الاول تكون فيه المراجعة عبر النيابة العامة التمييزية، والآخر يقترح انشاء محكمة خاصة تكون مهمتها محددة عبر النظر في قرارت لجنة الرقابة، وتتألف من خبراء وقضاة. وفي هذا الاطار، لفت الى “تشابك بين الخلفيات السياسية والاقتصادية، مما دفعه الى تضمين الاقتراحين في تقريره، ورفعه الى هيئة المجلس لتقره كما ترتأي”.

 

اهمية مصيرية
من جهة اخرى، رأى كنعان “ان لهذا القانون اهمية كبيرة ومصيرية على مستوى حماية لبنان. ويشكل الفرصة الاخيرة قبل الدخول في المحظور”، محذرا من ان “وضع لبنان على اللائحة السوداء يعني توقيف التحويلات منه واليه، ووقف التعاملات مع المصارف اللبنانية، وحجب المساعدات والهبات والقروض عن الدولة، مما ينتج وضعا اقتصاديا كارثيا يصعب على اي دولة تجاوزه. فكيف اذا كانت الدولة مثل لبنان؟”.

واعتبر ان “الصيغة النهائية التي توصل اليها القانون تمثل انجازاً مهماً، اذ انه حافظ على التوازن الموجود في القانون اللبناني”. وقال: “حمينا موقع لبنان في الخارج… ولبنان بأمس الحاجة الى تحصين نظامه المصرفي والمالي في وجه الهجمة التكفيرية المتصاعدة اخيراً”.

وردا على سؤال عن حقيقة تلقي الدولة ضغوطا وانذارات بالنسبة الى تحويلات يشتبه انها تستعمل في تمويل انشطة ارهابية او تدعم انشطة لـ”حزب الله”، رفض كنعان الدخول في تفاصيل هذه القضايا والتسميات الفردية، مشدداً على ان “هذه التشريعات تطاول الجميع وتحمي النظام اللبناني”.

وفي انتظار الاقرار، اعلن ان “مشروع القانون وضع على جدول اعمال الجلسة المقبلة في 12 تشرين الثاني”، مشيراً الى ان “اقراره يتعلق باجتماع مجلس النواب الذي اصبح قضية سياسية لها بحث آخر”. وتدارك: “في المحصلة، ومع العقم السياسي الذي يضرب المؤسسات السياسية والتشريعية، ومع اقتراب موعد 15 كانون الاول، يبدو اننا امام كارثة جديدة ستضاف الى كوارثه الحالية، وتكون بمثابة مسمار جديد يدق في نعش النظام السياسي المتهالك”.

التعليقات مغلقة.