الأردن في مرمى داعش

 

أعلنت عمان إحباط مخطّط لمجموعة مرتبطة بتنظيم “#داعش” ضد مواقع عسكرية ومدنية في الأردن، ما يثير مخاوف من توسع الخطر الجهادي الى المملكة المشاركة في الحرب ضد التنظيم في العراق وسوريا المجاورين، والتي كانت تعتبر نفسها في منأى عن هذا الخطر.

ويأتي هذا الاعلان بعد مواجهات وقعت مساء الثلثاء اثر عمليات دهم نفّذتها قوات الأمن في اربد بحثًا عن مسلحين مرتبطين بالتنظيم المتطرف، وانتهت باعتقالات ومقتل سبعة مسلحين ورجل أمن.

وتقع اربد على مقربة من الحدود السورية التي غالبا ما تشهد عمليات تسلّل سواء بقصد الالتحاق بالجماعات المسلّحة في سوريا او تهريب المخدرات. وتعتبر هذه العملية الأمنية الاكبر والاعنف منذ بدء مشاركة الأردن صيف عام 2014 بالائتلاف الدولي الذي يحارب “داعش” في العراق وسوريا.

ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن الباحث المتخصّص في شؤون الجماعات الاسلامية محمد ابو رمان ان “ما حدث يشكل نقطة تثير المخاوف”. وقال: “هذه العملية تشكل نقطة تحوّل مهمة. فقبلها كان التحدّي هو نمو تيار متعاطف مع تنظيم داعش في الأردن وجهته الاساسية كانت سوريا والعراق”، مشيرًا الى ان “الوجهة الآن اختلفت”.

واعتبر ان الاعلان عن ارتباط المجموعة بتنظيم “الدولة الاسلامية” يشكل “تطورًا في نمط العلاقة بين الموالين للتيار السلفي الجهادي في الأردن وبين التنظيم الرئيسي داعش”.

فهل بات “داعش” يشكل تهديدًا حقيقيًّا للأردن في ظل التهديدات المتواصلة التي يطلقها ضده٬ وما هو حجمها وطبيعتها؟ وهل ثمّة حاضنة اجتماعية في الأردن لـ”داعش”، بمعنى آخر هل المملكة محصّنة من خطر داعش؟!

منذ اشهر تجاوز المسؤولون الأردنيّون حالة الإنكار والتجاهل لصعود التيار المتطرف والمجموعة المؤيدة لـ”داعش” في الأردن، وباتوا يدركون أنّ هذا التيار يتضاعف في حجمه. وعلى رغم ان احدًا لا يملك إجابة واضحة عن حجم التيار الجهادي، لا سيما انصار “داعش” في الأردن، إلا ان ثمة إجماع على ان المملكة أمام تيار لا ينمو فقط في أحشاء المجتمع، بل يتضاعف بصورة ملحوظة، خصوصا ان اكثر من ثلاثة آلاف أردني يقاتلون في سوريا، لا سيما في تنظيم “داعش” و”جبهة “النصرة”، فضلاً عن آلاف الفاعلين في التيار على الاراضي الأردنية.

والخطورة لا تقف عند حدود هذه الزيادة الملحوظة في أعداد الانصار والملتزمين، بل تظهر أيضا في أنّ الظروف الإقليمية والمحلية، لا سيما مع احتدام الصراعات المذهبية وتراجع التيار الاسلامي المعتدل لمصلحة المتطرفين.

وبحسب التقديرات الاستخبارية فان الأردن وُضِع في رأس قائمة أهداف زعيم التنظيم ابو بكر #البغدادي البغدادي، ويُفترض أن تكون هدفًا تاليا لهجمات تنظيمه، لا بل فإن المواقع الالكترونية المرتبطة بالتنظيم حملت بشدة على العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، ووصفته بأنه كافر يستحق الموت بسبب ذلك.

وأقام متطرّفون مراسم “إعدام” رمزية عُرضت فيها صورة الملك مقتولا في شوارع عمان. ويعتقد “داعش” أن الأردن أفضل وليمة يمكن أن يحصل عليها، فهذا البلد أكثريّة سكانه الساحقة هم من السنّة٬ وهو مجاور لإسرائيل٬ ويكمّل جغرافيًّا خط “تنظيم الدولة” الجنوبي٬ حيث يوجد حاليا جنوب غربي العراق٬ ويهدّد السعودية بشكل مباشر.

وليس خافيًا على احد ان الحضور الجهادي في الأردن فعال جدا منذ أكثر من عقد، وإن كان غير كبير قياسًا بوجوده في العراق وسوريا وليبيا. وقد دأب انصار الارهابي الأردني الشهير أبو مصعب الزرقاوي، الاب الروحي لـ “داعش”، على التحريض على النظام الأردني بعد موته، وأنشأوا خلايا متفرعة عن “القاعدة”، كشفت الاستخبارات الأردنية بعضها، لكن جهات استخبارية غربية تُقدر أنه لا زالت توجد خلايا نائمة في المملكة، ويفترض أن تعمل في اللحظة التي تصدر فيها الاشارة مع بدء هجوم “داعش” على الأردن (على رغم أن الصلة الرسمية بين داعش والقاعدة قُطعت فعلا منذ مدة). والى الحضور الاسلامي الكبير في المملكة، يفترض أن تُسهّل الحدود المشتركة بين العراق وسوريا والأردن على الارهابيين التسلّل الى داخل أراضي المملكة الأردنية.

ويقول ابو رمان ان “ما يدفع إلى مضاعفة حجم القلق لدينا، هو أنّ نوعية الشباب الذين ينتمون إلى التيار السلفي الجهادي، قد اختلفت، وأصبحت أفضل من الناحية العلمية والاجتماعية؛ فهناك اليوم أساتذة جامعات ومعلمو مدارس متميّزون وطلبة جامعات ومهندسون وأطباء ومحامون وسياسيون ينشطون مع هذا التيار ويؤمنون بأفكاره”.

ويضيف: “بالضرورة، تساهم الأحداث في العراق وسوريا في تحسين شروط البيئة المنتجة لهذا التيار في الأردن، وقد شهدنا قفزات كبيرة في حجمه بسبب هذه الأحداث. لكن البيئة الداخلية هي التي تمثّل المفتاح الحقيقي له، وخصوصا حالة الإحباط واليأس والاحتقان الاجتماعي، وانهيار الطبقة الوسطى، وتراجع مشروع الإصلاح السياسي الذي يتيح للتيار الإسلامي المعتدل المشاركة الفاعلة وبناء حالة من التوازن والردّ العملي على خطاب التيار السلفي الجهادي وحججه الفكرية”.

وتنتشر الجماعات المتطرفة في الأردن بشكل رئيسي في خمس مناطق ومدن أساسية٬ هي: ضواحي العاصمة عّمان ولا سيما المناطق الشرقية٬ والمدن ذات الصفة الشعبية٬ مثل الزرقاء والرصيفة ¬التي سكنها ابو مصعب الزرقاوي، والسلط ومعان وإربد٬ حيث كان ينتمي معظم الذين اعتقلوا على خلفية الانتماء لهذه الجماعات إلى هذه المناطق أو المدن.

وفي حال نجح “داعش” في البقاء والاستمرار في سوريا والعراق، فإنّ خطورته الرئيسة لا تكمن في القلق من محاولات اقتحامه الحدود، أو القلق من استهدافه للمصالح الوطنية الأردنية، بل مما يقدمه من “نموذج”، مع مداعبة خيال الشباب الراديكالي، ما يخلق مجالاً أوسع للتجنيد واستقطاب الغاضبين والمحبطين واليائسين من الشباب الأردني، وسحب البساط ليس من تحت أقدام الإسلاميين “المعتدلين” فحسب، بل وحتى شيوخ التيار السلفي الذين يؤيدون “النصرة” ويقفون ضد “داعش”.

التعليقات مغلقة.