سامي الجميّل : نفكّر كل يوم في جدوى بقائنا في الحكومة

 

كل من يراقب خطاب “#حزب_الكتائب” منذ تسلم الشيخ سامي الجميّل رئاسته يلحظ تمايزاً ونقدية متوغلة في القضايا المثارة، ولعل أبرزها الفراغ الرئاسي وأزمة النفايات، وإن كانت النبرة العالية لم توصل بعد الى تعليق المشاركة في الحكومة أو الاستقالة منها على الرغم من أنه “أمر نفكر فيه يومياً في نقاشاتنا الحزبية”، كما يفصح الجميّل في حديثه الى “النهار”.

يحاول “الشيخ” نقل طبائعه “الثورية” الى الحزب العريق الذي أُلبسَ “عن غير وجه حق” في سني الحرب الأهلية الثوب اليميني بينما طروحاته ونهجه منحازة في الخطاب والمسار الى العمال وحقوق الفئات المهمشة في المجتمع، وفق ما يحسم رئيسه الحالي.

يوم الأحد الماضي، سارَ مئاتٌ من طلاب الحزب في تظاهرة انطلقت من بيت الحزب المركزي في الصيفي الى السرايا الحكومية وهتفوا بالقرب من أبواب “مجلس الانماء والاعمار” ضد الفساد والفاسدين. مشهدٌ على محدودية عدد المشاركين في صنعه ورمزيته، تماهى مع تصعيد الجميّل في هذا الملف والذي وصل حدّ مباشرة المدعي العام المالي التحقيق في الدعوى المرفوعة ضد “سوكلين” بتهمة الإهدار.

ولمشاركة الشباب في العمل التغييري، ولا سيما المشاركة المنطلقة من الجامعات أهمية قصوى توثّق علاقة الشباب بدولتهم وفق رؤية يتمسك بها #الجميّل في معرض تلخيصه عبرة تجربته السياسية المكثفة يوم كان طالباً في جامعة القديس يوسف “#هوفلان”.

الجميّل تحدث عن تلك التجربة رداً على سؤالي اياه عن المحطات التي تحضره من تلك الفترة في إطار حوار معه مساء الثلثاء الماضي في مركز الحزب بالصيفي في ختام يوم طويل من اللقاءات والمشاغل ابرزها المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس التي ارجئت كالعادة.

في الواقع، لم يتوقف هاتف الجميّل عن الرن وكانت مواعيده مزدحمة، لكننا نجحنا في التطرق خلال نصف ساعة الى العديد من الأمور المتعلقة بالشباب وأسئلة الساعة السياسية.

الحنين الى “هوفلان”

أوّل ما يحضر رئيس الحزب عن سامي الشاب الذي كان يشارك في الاعتصامات والتظاهرات في عهد الوصاية السورية عند سؤاله عن تلك المرحلة هو تردده الى “هوفلان” مذ كان تلميذاً في المدرسة، “كنت أهرب منها لانضمّ الى شباب هوفلان”، ويستذكر سنته الجامعية الأولى في العام 1998 حين كان لا يزال يدرس الاقتصاد و”هذا قبل أن أعود لأتخصص في الحقوق، أوقفت للمرة الأولى مع ألبر كوستانيان ونقلنا الى الـRing فثكنة الجيش في السوديكو على أثر المشاركة في اعتصام.

واستمرت هذه الحال على مدى 8 سنوات، كانت الاعتصامات تخفت فيها حيناً وتشتد في أحيان أخرى. ولكننا كنّا نعتبر أننا نحن الاحرار الوحيدون في الوطن في ذاك الوقت الذي كان يخشى فيه الجميع التعبير عن رأيه”.

في تلك الفترة، كان والدا سامي في المنفى بينما هو يعيش في لبنان مع شقيقه بيار وشقيقته نيكول، وكان قلق العائلة عليه يتناهى اليه من خلال اتصال هاتفي ابوي يحمل طلباً بالهدوء. وتسهل ملاحظة قوة النزعة الفردية لدى الشاب في بداية تكوينه الفكري، بحيث نجح في النظر الى “الكتائب” من إطار خارجي فرأى فيه مثالاً في التضحية والعطاء والتاريخ لكن الامر لم يثنه لاحقاً عن محاولة خلق مجموعته السياسية بحكم من الظروف السياسية السائدة.

خفوت النبض

“هوفلان” بما تمثّل من ثقلٍ في الوجدان الطالبي السياسي لا يشبُه حاضرُها ماضيها بالنسبة الى كثير من المراقبين يعتقدون ان بوصلة
القضية تترنح وان زخم الانتفاض مفقود وخصوصاً أن مقومات التمرد قائمة مع ازمة فراغ رئاسي مستشر ودولة يتآكل سوس الفساد مؤسساتها وكارثة نفايات بأبعاد صحية وبيئية لم يشهدها لبنان في تاريخه، وهنا لا يلوم الشيخ سامي الشباب على هذا الخفوت او التلكؤ، “فاليوم نرى الأحزاب في حالة ضياع ومن الطبيعي أن ينعكس الأمر على الطلاب، كما من البديهي القول ان القضيّة كانت في السابق واضحة والهدف واحد والعدو واحد أيضاً… وعلى رغم ذلك أدعو الشباب دائماً الى أن يتحرّكوا من أجل وطنهم”.

لكن أليس مستغرباً خفوت هذا النبض في “هوفلان” تحديداً؟

لست أدري لأني تركت الجامعة منذ مدة طويلة، لم أعد على علم بتفاصيل الأجواء فيها، انما بالنسبة اليّ تبقى هوفلان تاريخاً ورمزية فجدرانها تتكلم وكل ما فيها يروي عن زمن النضالات… في اختصار أجمل أيّام حياتي أمضيتها في تلك الجامعة. وأرى ان على الشباب ان يشعروا بمسؤوليتهم، في اليسوعية وكل الجامعات وأن يعوا قدرتهم على تغيير الواقع. فهم رأي عام وازن… نحن كنّا “نهزّ البلد” عندما كنّا نتحرّك، لذا أتمنّى أن يعود هذا النبض الى الجامعات، لأنّ هناك ما هو ناقص من دونه.

في موازاة خفوت العمل الطالبي لتصحيح الخلل في الدولة، نرى انحيازاً واضحاً للشباب اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً الى القطاع الخاص او الهجرة وابتعاداً عن مؤسسات الدولة، ما ولّد خللاً في الادارات، فما رأيك؟

ثمة غياب مسيحي عن الادارات منذ سنة 1990 لأن المسيحيين غابوا عن الدولة فترة طويلة، وهم اليوم يدفعون الثمن. ومن جهة اخرى، يبدو واضحا ان استشراء الفساد في الادارة “يهشل الناس” لأن صيت الادارة والدوائر الرسمية اليوم لا يحمس الناس، اذاً هناك تقصير من الناس، فهم لا يتقدمون الى وظائف الدولة لأنها لم تعد تجذبهم فيفضلون التوجه نحو القطاع الخاص. ومن جهة ثانية، نشأ خلل في التوازن. لذا وجب معالجة هذا الخلل المتراكم، ولحزب الكتائب مبادرات عدة يعمل عليها في هذا السياق.

الحراك المدني

من المعروف تأييدك الحراك المدني بشكل عام، لكن لوحظ في زخم تظاهرات الحراك غياب تمثيلي لبيئات معينة، هل “الكتائب” مستعد لقبول أفكار يسارية مناهضة للنظام؟

أؤيد الحراك، انما ثمة من الأفكار والشعارات والأخطاء المرتكبة ما لا أوافق عليها. مبدأ الحراك هو خيِّر لأنّه من الضروري ان يبقى هناك نبض في المجتمع ليشعر المسؤول أنّه تحت الرقابة.

نحن أيضاً ضد النظام وهذا الامر لا يزعجنا، فنحن لسنا بعيدين من اليسار. الجزء الأكبر من عملنا كحزب هو اجتماعي، لذا لا نرى أنفسنا بعيدين من هذا التفكير. نحن ندافع عن حقوق المواطن في كل يوم، ونحن ضد فكرة أن تحكم الطبقة الغنية البلد. نعتبر انفسنا الى جانب الطبقة الفقيرة والطبقة العاملة، نحن حزب العمّال بالدرجة الأولى، ومن هنا نجدنا أقرب من النمط اليساري مما الى التفكير الليبرالي بشكل مطلق.

لكن التصنيف اليميني لا بل القومي يكاد يكون ملتصقاً بالحزب؟

هذا تصنيف الحرب. يومها اعتبرت الاحزاب المسيحية يمينية والمسلمة يساريّة. وبقيت التسمية منذ تلك المرحلة من دون الاستناد الى
معطيات فكرية او ايديولوجية.

الاستشهاد والمسؤولية

لاشك في أن استشهاد بيار عُدّ نقطة تحوّل في حياة الشيخ سامي، ووضعه امام مسؤولية الارث “الكتائبي”، فبدا في وقت ما للمراقبين ان عليه التخلي عن بعض الخصائص التي التصقت به في مرحلة “لبناننا”، ذلك ان العمل السياسي اليومي يلزم بنوع من التسوية او مسايرة الواقع…

أحاول نقل الثورة الى “الكتائب”، أرى انّ الحزب في أساسه “ثورجي”. وعودة الثورة الى حزب الكتائب هي عودة حزب الكتائب الى ذاته. لذا أتمنّى أن أنجح في جعل الحزب حزباً نضالياً ومطلبياً يتكلّم باسم كل المجتمع اللبناني.

 لعل هذا الأمر ملاحظ في خطابكم والنبرة العالية، لكن هل يمكن ان يترجم هذا الصوت العالي والغضب بتجميد المشاركة في الحكومة او الاستقالة مثلاً؟

تراودنا الفكرة في كل يوم، والاشكالية المطروحة تعكس التخبط بين ضرورة بقاء الشرعية اللبنانية وقناعتنا بفشل هذه الحكومة في الاستمرار وايجاد الحلول للازمات الراهنة. من جهة، نحن مقتنعون بضرورة زوال هذه الحكومة لأنها قدمت كل ما تستطيعه ومن جهة أخرى المشكلة أنه من الواضح عدم القدرة على تشكيل غيرها في الوقت الحالي. ولكن من الممكن ان تحين ساعة نقول فيها ان غيابها افضل من وجودها، وهذا أمر نناقشه دائماً في اجتماعاتنا الحزبية.

اتفاق عون- جعجع

في الانتقال الى تمدد الاتفاق بين “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” في المجتمع اللبناني والمسيحي تحديداً، هل يجد “الكتائب” نفسه الى جانب تحالف انتخابي في الجامعات مثلاً يضم “القوات” و”التيار”؟

نحن مع المصالحة، وهي ضرورية لمستقبل شبابنا، انما على التحالف السياسي ان يكون مبنيّاً على رؤية سياسية، وهذه الأخيرة غير واضحة في الاتفاق المذكور حتى الآن لأنها لا تشكل رؤية واضحة بالنسبة الى مستقبل لبنان، لذا ندعوهم الى التوضيح والتفصيل والتثبيت أكثر في اتفاقهما لنستطيع ان نعطي رأينا أكثر.

العماد عون والدكتور جعجع اتفقا ولكنهما لم يستطيعا أن يغيّرا في المعادلة الرئاسية، مَن الرابح ومَن الخاسر بنظركم؟ وماذا تقولون لمن يعتبر أنّ موقفكم أضعفَ الموقف المسيحي؟

الجميع خاسر طالما اننا عاجزون عن انتخاب رئيس للجمهوريّة. موقفنا دائماً داعم للوحدة بشرط ان تكون بنّاءة وذات هدف واتجاه ومشروع واحد. فالاتفاقات الهشّة غير المبنية على اسس متينة ومشاريع مشتركة لا تبني بلداً برأينا. وكل ما لا يُبنى على أسس صلبة معرّض للوقوع. لذا، وحرصاً منّا على هذه المصالحة طالبنا مرّات عدة بأن تثبّت بمشروع مشترك. وهذا ما لا نراه اليوم. لذا نحن نخشى أن تعود وتتفكك لغياب الدعائم.

حاجز وفرصة

ينتهي اللقاء مع الشيخ سامي بسؤال شخصي: عائلة الجميّل كانت فرصة أم حاجزاً بالنسبة اليك؟

في مواقع معيّنة كانت حاجزاً وفي مواقع اخرى شكّلت دافعاً لي. وفي جميع الاحوال، أفتخر بعائلتي كثيراً وأتحمل مسؤولية هذا الاسم بحسناته وملاحظات الناس عليه.

التعليقات مغلقة.