سنة 2001 صدَر قانونٌ في كَنَدا يخوّل رئيس مجلس الشيوخ (الهيئة العُليا في الـﭙـرلُـمان) ومجلس العموم (مجلس النواب) تسميةَ “شاعر الـبرلُـمان” بناءً على ترشيحات يتقدَّم بها الشعراء لاختيار أَحدِهم مدّة سنتين إِلى هذا المنصب الرسمي الذي يتولاه اليوم الشاعر الشهير جورج إليوت كلارك بعد ستةٍ قبلَه من كبار الشعراء الكَنَديين.
تداوُلًا مرةً شاعر فرنكوفوني والأُخرى أُنكلوفوني. والشاعر “المختار” يتقاضى راتبًا محترمًا ونفقات انتقال وترجمة وتنظيم أَنشطة وإِنفاذِ مَهامَّ واضحةٍ حدّدها القانون، بينها: تشجيعُ القراءة والأَدب والثقافة واللغة في المجتمع الكَـنَدي، لفْتُ الكَنَديين إِلى الشعر المكتوب والمحكيّ وإِلى دور الشعر في حياتهم الخاصة والعامة،
كتابةُ نصوص شعرية أَو نثرية لمناسباتٍ كبرى تجري تحت قبّة الـﭙـرلُـمان، الإِشرافُ على احتفالاتٍ أَدبية وندوات وقراءات شعرية في حَرَم الـﭙـرلُـمان، تقديم اقتراح دوريّ إِلى مدير مكتبة الـﭙـرلُـمان بكتُبٍ صادرة حديثًا لاقتنائها في المكتبة وإِغناء مجموعاتها بمؤلّفاتٍ ثقافية وأَدبية وفنية، كتابةُ نصوص الخُطَب عند الحاجة لرئيس مجلس الشيوخ أَو مجلس النواب في مناسباتٍ ذات طابع ثقافي أَو أَدبي أَو فني.
أَكتفي بهذه الـمهمّات (وسواها كثير) لأَتوقّف عند أَمرين: قيمةٌ سامية يعطيها الـﭙـرلُـمان الكَنَديّ للشعر والأَدب والثقافة، وتغذية مكتبة الـﭙـرلُـمان بنتاج الشعر والأَدب فلا تقتصر على الـمُجلّدات القانونية والسياسية.
هذا ﭘـرلُـمانٌ في دولة كبرى يعتمِد في صُلْب هيكليته الإِدارية شاعرًا “رسميًّا”، فلا سياسيَّ بعدُ يستصغر دورَ الأَدب، ولا آخر حين يريد الهُزء من موضوع أَو نص ينعتُه بأَنه “كلام شِعر”. الشِعر في الـﭙـرلُـمان الكَنَدي “كلامٌ رسميٌّ” تعتمد عليه الدولة قيمةً مضافةً لها عبر شاعرٍ واحد مقابل 105 أَعضاء في مجلس الشيوخ و338 نائبًا: هو يعمل للقيمة المضافة المطلوبة منه أَدبًا وشِعرًا وكتُـبًا، وهم ينصرفون إِلى التشريع والبحث في أُمور ناخبيهم.
إِنه إِذًا “الشاعر الرسميّ” للـبرلُـمان لا للحاكم. لذا ليس متكسّبًا ولا شحّادًا ولا متزلِّــفًا ولا مدّاحًا ولا واقفًا بِــباب الوالي أَو في بلاطه، بل هو مَـنـارٌ مـحترَمٌ ذو دورٍ رائدٍ نبيلٍ لتثقيف شعبه، يُـجِـلُّه السياسيون لـحضوره الإِبداعي بينهم، ويتطلّع إِليه المواطنون لرسالته فاتحًا آفاقَ الثقافة لتطويرهم بالشِعر والأَدب، وباسطًا رِحابَ الكتاب والقراءة في مجتمعٍ تحضنُه دولةٌ فيحضنُها بالرِفعة الأَسمى.
هنا مجدُ الشاعر: ملِكٌ متوَّجٌ على عرش الشعر في شعبه وزمانه، رصَّعَ مجدَه ﭬــيكتور هوغو في قصيدته “رسالة الشاعر” (1848) مخاطبًا إِياه باعتزاز: “الزمنُ للعباقرة، يَسِمُون عصرهم وكلّ عصر. الشاعر يهزّ الضمائر في كل عصر ومكان. وكما الرُسُل والأَنبياء: يحمل في يده المشعلَ يضيْءُ به لشعبه طريق المستقبل”.
هنري زغيب
التعليقات مغلقة.