أسرار الصبوحة و أبو سليم إلى العلن ثورتكم فشلت

 

إنتفض “أبو سليم” وحكى، بعد سنوات من العزلة وهو الذي لم يعتزل.. حسناً فعل الممثل القدير الذي لا يتكرر صلاح تيزاني (88 عاماً) وأعلنها ثورة في وجه الدولة ونقابة الممثلين والمنتجين والإعلام والمنظومة الفنية بأكملها. وإن كانت صورته ارتجّت أمام البعض لأنه ظهر في برنامج فضائحي، خفيف، هزلي أو لأن صورته كقيمة فنية لا تحتمل أن يظهر بمظهر من يستعطي أمام آلاف المشاهدين، فحقاً هُزلت، وحقاً ضاعت البوصلة.

بإجماع النقاد، لا نقاش حول قيمة برنامج “بلا تشفير” الذي يعرض على قناة “الجديد”. هو برنامج يستجلبُ شهرةً من العدم، الفضائح، العبثية، الفراغ، مع اصطناع خضة إعلامية في كل حلقة. لكن مهلاً، فما لم يتجرأ أحد من الإختصاصيين في عالم الإعلام والبرامج الحوارية الإجتماعية الإعتراف به، أن شروط العرض “الناجحة” تبدلت، إعلام هؤلاء: القضاء على إمكانية تكوين فكر مثقف عند الشعب عبر بث ثقافة الجنس والدعارة والإغتصاب وجرائم القتل المروعة.. إلخ. المطلوب فقط حس المفاجأة وكسب “الزبون”، أي المشاهد ونسبة المشاهدة.

إذاً، لا ترموا السهام في الوجهة المعاكسة للحقيقة لتطهروا ذنوبكم وتخفوا فظاعة ما إقترفتموه في الحقل الإعلامي المدمر فكرياً. فلو منح أبو سليم فرصة الإختيار للظهور في برنامج آخر، يقدره وأمثاله لسارع دون تردد، هو أخطأ فقط حين تمرد وواجه علناً ظناً منه أن الحال قد يتبدل. نعم، ما زال أبو سليم يعيش في زمن الفن الجميل، زمن “سيارة الجمعية” و”كل يوم حكاية” و”الأبواب السبعة” و”المليونير المزيف” و”أبو سليم 2000″، وبطبيعة الحال، لا يدرك أن “إعلام الرسالة” في بلاده تغبّر جراء الفساد.. وأنه أصبح يسمى إعلام “تشهير وافتراء”.

مؤلم جداً أن تشاهد هذا العملاق يرتجف من غدر الزمن وينزف دمعاً، والأكثر ألماً حقيقة مخزية كشفها عن صديقه الممثل العريق “صلاح صبح” المعروف بـ”شكري شكرالله”، حين قال أنه “في إحدى المرات استدان مني شكري خمسين ألف ليرة ليطل عبر مقابلة غير مدفوعة!”.. “لن نأخذ زمننا وزمن غيرنا”، يقول أبو سليم.

هي ليست قضية أبو سليم فقط بل قضية الفنانين الكبار الذين خدموا الفن، وصانوا صورة الوطن.. زرعوا ولم يحصدوا إلا محبة الناس. ليس أبو سليم وحده من كسر حاجز الصمت، قبله جانيت جرجس فغالي المعروفة جماهرياً بإسم “الصبوحة”، التي مكثت في آخر سنواتها في فندق “برازيليا” قبل أن تغيب، وقبلهما محمود مبسوط المعروف بـ” فهمان” حين اعترف صديقه في إحدى الحوارات الصحافية بأنه “ما في ألف ليرة في جيبه”.

لا قانون يحمي الفنان المخضرم بعد إنتهاء خدماته، ولا تكريمات تمنح إلا لمن يدفع الأموال والتنازلات سلفاً، لا دولة تحسب ألف حساب قبل أن يكشف الآخرون عورتها، لا إنصاف أو ميزان حق يزن قيمة النجوم الحقيقيين ويعطيهم أبسط حقوقهم في العيش بكرامة، والإلتفاف حولهم في محنتهم بعد نصف قرن من العطاء.

هذه التقديمات تعطى فقط لنجوم من نوع ثان، نجوم التعري موهبةً وشكلاً ومضموناً، وضعوا السينما اللبنانية في مستوى متدنٍ جداً من الإبداع وبعيد كل البعد عن قيم المنافسة، وراء هؤلاء يلهث المنتجون، تجار الفن، لاستثمارهم في أعمال فنية بغية الربح المادي فقط لا غير، بينما طوابير الموهوبين يطمحون إلى فرصة حقيقية لهم وللسينما وللفن وللثقافة بشكل عام، ليعيدوا إحياءه، تمثيلاً أو غناءً أو عزفاً او رسماً أو نحتاً، بما يتيح للبنان الإرتقاء عربياً وعالمياً وإنسانياً بعيداً عن عري الساقين ومساحيق تجميل المخرج والمنتج والذي بفضله أضحت السينما اللبنانية لا تشبه اللبناني ولا مجتمعه ولا معاناته.

بعد كل هذه العورات المتفشية وراء الشاشات، ألا يليق بأبو سليم أن يفتقد الفن في لبنان، ويدعو إلى ثورة ضد النظام الفني الحالي المفتقر لموهبة تعيد له أمجاده؟

“حزنت انو في حياتي لم أستطع ان أؤمن بيت.. رح نصفي بالشارع!.. “اطلب بيتاً وتكريماً من الدولة”.. “ما معي إلا 35 ألف ليرة في جيبي”، هذ هي أبرز المواقف الصادمة التي خدشت حياء البعض، فراح ينتقد هذا العملاق اللبناني، بدل أن نخجل جميعاً من إساءتنا إليه. عذراً لكم ومنكم، وعذراً أبو سليم فثورتك فشلت قبل أن تبدأ دون أن يصفق أحد لك، وطلباتك البسيطة لن يستجب لها احد، لا مسؤول ولا منتج ولا فنان أو جمعية أو أفراد.. هذا زمن الانحدار وهذه معاييره.

التعليقات مغلقة.