عن أزمة النفايات و المؤتمر التأسيسي

 

لقائل أن يقول إن أزمة النفايات تعكس بشكل “نظيف” عقم النظام السياسي في لبنان، ذلك أن رائحة صفقاتها وتداعياتها الكارثية على البيئة والصحة العامة من جهة، وعجز الحكومة ومن ورائها الطبقة السياسية عن إيجاد حلول بعد 8 أشهر من خارج الصفقات والسمسرات؛ كل ذلك يعطي صورة بالغة الدلالة عن الترهل الذي بلغه “النظام” في لبنان. المشكلة أنه في الوقت الذي تشتعل فيه المنطقة بأكملها تمهيداً لإعادة تركيبها، يعيش ساسة لبنان ترفاً زائداً في الاهتمامات الهامشية!!

أزمة النفايات التي باتت الحكومة عالقة في مستوعبها، والمجتمع في أوبئتها، والسماسرة في ملايينها، استعصت على حل المطامر غير المتفق عليه، وعلى حل الترحيل الذي كشفت الصدف أن عقد الحكومة عليه إنما جرى مع شركة وهمية، وعلى حل المحارق الذي يهدد بحرق ما بقي من نظام بيئي. الواقع أن هذه الأزمة ليس سوى رأس جبل الزبالة، فالفراغ في موقع رئاسة الجمهورية منذ سنتين تقريباً من دون وجود آليات في النظام تعاقب النواب المتخلفين عن تأدية واجبهم الدستوري هو أيضاً دليل على عقم النظام، والعجز عن معاقبة موظف فاسد أو تقصير وزير وغياب الرقابة بحجة الطوائفية هو عقم في النظام، ومنع تجديد الحياة في الإدارات والمؤسسات، حتى في المستويات الدنيا للوظيفة العامة، للحجج الطوائفية عينها دليل آخر أيضاً، أما أن يضع مشهد كاريكاتور في محطة تلفزيونية أمن واستقرار الوطن على المحك فذلك دليل على فساد النظام والطبقة السياسية معاً.

لأزمنة طويلة، رُمي نظام الوصاية السورية بعيوب النظام اللبناني، باعتبار أن دمشق منعت تطبيق أو استكمال تطبيق اتفاق الطائف. لكن سوريا خرجت من لبنان منذ عقد من الزمن، لكن الحاصل هو أن النظام ورموزه ما زادوا إلا سوءاً على سوئهم، وإمعاناً في تفكيك ما بقي من بنية الدولة، ومن قال أصلاً أنهم كانوا زمن الوصاية منشغلون بالدفاع عن الحريات والممارسة الديمقراطية وتعزيز المؤسسات عوضاً من انتهاب المال العام واقتسامه مع قوى التأثير؟!

خِفَّةٌ التعاطي اللبناني مع الأزمات، ما صَغُرَ منها وما عَظُم، من النفايات إلى التوتر مع دول الخليج، وقبلها غياب السياسة الرسمية المتكاملة للتعامل مع موضوع النازحين وتداعياته، والانجرار إلى لهيب الأزمة السورية، وقبلها جميعاً الفساد النافر في جسم الإدارة، هو ليس شذوذاً عابراً بل هو “سياسات” مستقرة تتحكم بأداء الطبقة السياسية منذ عقود، من زمن القناصل الى عهد الوصاية إلى انغماسات المحاور واستقطابات السفارات. الأزمات المتلاحقة ليست وليدة حسابات سياسية تفرض هيمنتها على الإدارة العامة؛ بل بسبب طبقة سياسية اعتادت التلذذ بالوصاية وانتظار تدخل الخارج أو العمل لديه أو معه أو استجلابه ضد المصالح الوطنية، وهي أصلاً تستند إلى نقاط قوة بنيوية في جسم توليفة النظام القائم.

الحديث عن إعادة النظر بطبيعة النظام وآليات عمله والذي يبدو اليوم ترفاً كلامياً هو – بفعل تخبط السلطة- ضرورة عاجلة، أما المخاوف التي تطرح حول هذا الأمر، سوءاً منها ما كان متصلاً بحرص البعض على مغانمه أو آمال البعض الآخر بتعزيز حصصه أو أحلام آخرين باستعادة أمجاد زائلة.. كل ذلك في غير محله، ذلك أن تعديل أو تطوير النظام – إن حصل- فلتجاوز العجز وليس لاختلاق ذرائع تفجير جديدة، لأنه متى سقط إرث الميثاق، وعطّل منطق التسويات، كان لزاماً البحث عن آفاق جديدة تصون التجربة اللبنانية وتضمن استمراريتها.

للأمم والشعوب والدول في العصر الحديث تجارب رائدة بتطوير أنظمتها السياسية، لتعميق الممارسة الديموقراطية، أو لتطوير بنية النظام عبر تعديل الدساتير، فالدستور في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً جرى تعديله 27 مرة ما بين العام 1791 والعام 1992، كذاك تحولت أعرق مَلكيات العالم إلى ملكيات دستورية أو فتحت المجال لوجود مجالس استشارية وتمثيلية، ذلك أن الدساتير والأنظمة والمؤسسات إنما وجدت لتخدم المجتمع وترتقي بالشعوب وتزيد من انفتاحها ومشاركتها وشعورها بالانتماء والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وهي أمور ما عادت متوفرة في لبنان حيث النظام مأزوم، والدولة مأزومة، والحكومة مأزومة، والطوائف مأزومة، والمجتمع مأزوم، والمؤسسات مأزومة، والحراكات المدنية مأزومة، والنخب مأزومة.. وقلة قليلة تعيش وتراكم مكتسباتها على أزمات لنظام باتت كل المؤشرات تَشي بسيره السريع نحو الافلاس والفشل. العالم تغير كثيراً.. فالنفكر معاً بانفتاح في التغيير المنشود، نظاماً وسياسات عامة.

التعليقات مغلقة.