في اليوم العالمي للمرأة أردنا الحديث مع امرأة كانت ولا تزال قدوة لكثير من اللبنانيين، ولا سيّما النساء منهم. هي السيّدة رندة بدير، مديرة دائرة البطاقات وحلول الدفع الإلكترونيّة لمجموعة عوده. وطئت قدماها عالم الرجال بكلّ ثقة وإصرار عام 1994 في فرنسبنك، فأبدعت في مواجهة أبرز الصعاب والتحديّات. نافسها الرجال تارة ولم يأخذوها على محمل الجدّ تارة أخرى، ولكنها تمكنت من إثبات جدارتها وقوّتها بكلّ أنوثة وذكاء. في اليوم العالمي لحقوق المرأة، تتحدّث بدير عن مسيرتها المشوّقة التي لا مثيل لها.
بدايات رندة بدير
في مجتمعاتنا التي تدّعي الديموقراطية، بعض القوانين يعود للانتداب الفرنسي والسلطنة العثمانية غير منصفة في مجال حقوق المرأة. وحده العلم سلاح بإمكان اللبنانية الاحتماء به لتحصيل حقوقها وتحقيق ذاتها. هذا ما حصل فعلاً مع رندة بدير التي روت لـ “النهار” عن طفولتها المزيّنة بإلمامها بالدراسة وحبّ المعرفة وشغف العلم. لم تكتفِ بدير بالشهادات التي حصّلتها، إذ تستمرّ حتى اليوم في طلب العلم عبر سفرها إلى جامعة ستانفورد الأميركية وحضور Executive Program الذي يغطي كل المجال.
تتحدّث رندة بدير عن ماضيها قائلة ” طلب زوجي يدي عندما كنت في السابعة عشرة، ولكنني رفضت حينها لأنني كنت أرغب في متابعة دراستي. إلاّ أنّ زوجي الذي عاد إلى لبنان بعدما أنهى دراسته في الولايات المتحدة الأميركية ، كان منفتحاً، فطمأنني بأنه بإمكاني أن أتابع دراستي وأنا زوجته. وهذا ما حصل فعلاً: أنجبت بناتي الأربعة وأنا أدرس في الجامعة متخصصة في مجالين في الماجستير، أحدهما إدارة البنوك في الجامعة الأميركية في بيروت. إذ إن وقت الدراسة المرن هو من سمح لي بإنجاب الأولاد وتربيتهنّ والدراسة في الوقت نفسه والاعتناء بالمنزل”.
لم تدخل بدير مجال العمل إلاّ بعدما كبرت بناتها، فكانت هنا بداية مغامرتها في عالم الذكور، وعالم المصارف. تستذكر بدير أنّها “كلّفت بالعمل على النقد الالكتروني الذي لم يكن موجوداً يومذاك أي في عام 1994 ليعتمده لبنان. لم أشعر يومها بمنافسة زملائي الرجال لي لأنهم لم ياخذوا المشروع على محمل الجد، في حين كان لدي تصوّر في شأنه”. شقّت بدير طريق النجاح ، من دون أن تستسلم على الرغم من الصعوبات والتحديات التي اعترضتها، غير أنها آمنت بنفسها وبقدراتها وانطلقت.
أهميّة الدفع الالكتروني واللمسة الأنثوية
تتحدّث لنا بدير عن أهميّة الدفع الالكتروني قائلة “إنّ الخبرة التي اكتسبتها على مرّ السنين في مجال الدفع الالكتروني لا يتمّ تعليمها في الجامعات ولا الكتب إنما من خلال ممارسة المهنة عبر الوقت. فثمة الكثير من العاملين في القطاع المصرفي، ولكن الذين يعملون في الدفع الالكتروني قليلين جداً نسبياً، فلهذا المجال خصوصياته كأيّ قطاع آخر”. وتضيف “دخل الكثير اليوم في مجال الـ Mobile Payment (الدفع عبر الهاتف الخليوي) من دون أن يكون لهؤلاء خبرة في كيفية تشغيل البطاقة من الأساس، إذ كلّه يعتمد على الـ virtual number، فإدارة الرقم تحتاج إلى خبرة في هذا الموضوع.
وتطلعنا بدير عن سرّ نجاحها في هذا المجال الذي يكمن في لمستها الأنثوية وأحاسيسها المرهفة: “استخدم نظرتي كامرأة في طريقة عرض المنتوج واختيار الألوان، طريقة تسويق الغرض، الدعاية، مستخدمة كلّ ما تحبه المرأة. فأثناء تحضير الهدايا لزبائني، ألحق الموضة بالـ packaging.هناك بطاقة أطلقت عليها اسم Shine من ماستر كارد، وهي عبارة عن مرآة وهي الوحيدة الموجودة في العالم. لوضع أحمر الشفاه مثلاً، تنظر المرأة إلى نفسها في البطاقة قبل أن تعطيها للنادل. وقد حزنا جوائز عدة عن هذه البطاقة لأننا ربطنا بين البطاقة والمرآة، ولكونها صديقة المرأة.
الحاجة تمدني بالأفكار، فكنت أرى أن ثمة نساء يستعملن سكين قطع الأجبان لوضع أحمر الشفاه في المطاعم، فقلت لمَ استخدام السكين؟ فلنستخدم البطاقة لتكون رفيقة المرأة. هذه البطاقة موجودة منذ عام 2006. هناك البطاقة اللبناني أيضاً، وهو اختراع هام جداً إذ تفوح رائحة الأرز من الشريط الممغنط عند حكّه، وقد أطلق ضمن حملة “خلي الليرة ترجع تحكي”، وقد صممت هذا المشروع لتذكير الشباب المغتربين بأنّ رائحة بلادهم تفوح من هذه البطاقة. وهذا ما جعل البطاقات تأخذ جوائز، لاحتوائها الرسائل الفلسفية. هي، إذاً، ليست عبارة عن بطاقة بلاستيك للدفع فقط. فما جعلني أنجح أكثر هو كوني امرأة ذات إحساس، وغالباً ما تكون أحاسيس المرأة مرهفة أكثر من الرجل”.
مسيرة رندة بدير
بدير اليوم عضو مجلس إدارة في شركة ماستر كارد منذ عام 2000، وهي أوّل مرأة عربية تدخل مجلس إدارة شركة : “لهذا المنصب يختارون عادة أصحاب المصارف، ولكنهم اختاروني لكوني أملك مهارات في هذا القطاع “. ينظر الجميع لبدير في القطاع المصرفي كإنسان ناجح وليس “كامرأة” ناجحة. يشعر الرجل أنه أقوى من المرأة ولكن في حال تمكنت المرأة من إثبات نفسها، سينظر إليها الرجل نظرة إعجاب حتى لو كان يحاربها. وهنا لا بدّ له أن يحترمها”. وتشير إلى أنّه، إضافة إلى أمها وعائلتها وبناتها الذين دعموها خلال مسيرتها، لم يتركها زوجها يوماً فكان “من الأشخاص الذين ساندوني لأنه أعطاني حريتي ولم يضغط عليّ، وبفضل الحرية التي أعطاني إيّاها برعت هو من كان يحب التقدم”.
وقد وجدت هذه الحريّة أيضاً لدى مديرها في فرنسبنك ومديرها في بنك عوده اللذين آمنا بها، وهي تتحدّث عن التحديات التي تواجهها يومياً “أعيش في التحديات وعلى الرغم من ذلك تمكنت من النجاح، فنجاحي لم يصلني على طبق من فضة. فمثلاً، عندما دخلت السوق اللبنانية، كنت أدخل بنفسي المتاجر لأقنع التاجر بوضع الماكينة. وفي السوق السورية أيضاً كان صعباً عليّ الشرح لإقناع التجار بالأمر، ولكننا أخذنا حصة كبيرة من السوق السورية قبل الحرب”. تقول بدير إن لها مركزها اليوم في عالم الدفع الالكتروني “وأنا سباقة، اعدّ من السباقين. فالتنفيذ أهم من التخطيط”. برأي بدير، تبرع المرأة في تعدد المهمات ” في تربية الأولاد والطبخ وإدارة المنزل… المرأة طاقة من العمل. وكما تعطي المرأة منزلها وأولادها من وقتها وجهدها عليها أن تعطي مجتمعها ومحيطها.
وأنا أحض النساء أن يكن مثالاً لأولادهم، لأنه يجب تربية الأولاد على مبدأ القدوة أكثر من أسلوب “بصير وما بصير”. فعندما تكون الأم متعلمة وذات نجاحات في حياتها، تؤثر في الآخرين وهذا ما لاحظته شخصياً في أولادي إذ تجلى ذلك في نجاحهن. فإضافة إلى تحقيق ذاتها كمسؤولة وعاملة أعتبر أنني حققت نفسي كأم لأنني تمكنت من تربية أولاد بارعين وناجحين”.
رندة بدير اليوم مثال يحتذى به، هي رمز للتفوّق والنجاح. لا تنافس المرأة في نجاحها الرجل ولا تهدد مكانته أو نفوذه أو رجوليته، فلكلّ دوره في المجتمع وخصوصياته ومميزاته. ولا تعني المساواة بين الرجل والمرأة تهميش الرجل لأنه ركن أساسي في الحياة والمجتمع، والفاعل والمساعد في تحصيل حقوق المرأة. يجب فقط إعطاء المرأة حيّزاً من الاهتمام و بعض الحرية لتبرع وتتميّز مهنياً واجتماعياً، ودعمها ومساعدتها للنهوض بالوطن، فلبنان يرتقي بنسائه أيضاً.
التعليقات مغلقة.