قد يكون الفنّ في لبنان غير حائز على قيمته الحقيقية، فالضوء لم يعد مسلّطًا على الإبداع والثقافة، بل اختَصَرَ ما في الوطن بسياسة لا حقّ ولا باطل فيها، وبسياسة ممدّدة لم تستطع انتخاب رئيس ولا إزالة النفايات المكدّسة في الشوارع. الأضواء مهما حارت ومهما دارت، تعود إلى الوضع الاقتصادي والبيئي والسياسي المتأزم، بعيدًا عمّا يرفع مستوى الحضارة ورُقيّها.
في لبنان، فنّانون كثيرون، لم يمتهنوا الفنّ فقط، بل عاشوه بثناياه كافّة، لينقلوا الصورة المثالية بريشة الواقع التي ما عَدَلَت يومًا بحقّ رسّامين لم يحصلوا على دعم جديّ. ففي أيلول الماضي، أي منذ حوالى 6 أشهر، تلقّى عدد من الرسامين في لبنان دعوة للمشاركة بمعرض في فرنسا، برعاية كلّ من وزارة الاقتصاد والسياحة والثقافة. هذه الدعوة التي أرست الحماس في نفوس فنّانين انتظروا طويلًا فرصة مميّزة لتقديم مواهبهم، تمّ دعمها بالتعاون مع جمعية الفنانين اللبنانيين، فتبنّت المشروع واهتمت ببعض الإجراءات لإتمام المعرض بشكل ناجح وإبراز المواهب اللبنانية. ولكن للأسف، الأمور لم تجرِ على خير ما يُرام.
وفي التفاصيل، أنه تمّ تحديد اللوحات التي سيتمّ إرسالها إلى المعرض، وقامت شركة الشحن بالكشف عليها، واستلامها، لتوضيبها ونقلها إلى باريس، وهذا ما جرى. فوصلت اللوحات إلى باريس غير أن الرحلة التي كان من المفترض أن تكون مؤمنة، أي أن تذاكر السفر حاضرة، لم تعد متوافرة بشكل مفاجئ، بسبب التغيّر في عدد المسافرين بحسب ما أفاد أحد أعضاء جمعية الفنانين اللبنانيين “لبنان 24”. وبما أن الرسومات كانت قد شُحنت قبل وقت إلى باريس حيث المعرض، فاضطر الرسامون إلى السفر على نفقتهم الخاصّة بمبالغ كبيرة، كما أُجبروا على البحث على فندق للإقامة، بسبب التعديلات التي حصلت.
في السياق نفسه، بعد وصول الفنانين إلى قصر المؤتمرات في باريس (Palais des congres)، حيث يجري المعرض، وجدوا أن لا معرض هناك، وقيل إنه نُقل إلى مكان آخر، ليتبيّن أن الصالة الجديدة غير مخصّصة لهكذا نوع من المعارض، إذ لا يمكن عرض اللوحات على الارض مثلًا. وبعيدًا عن كلّ المشاكل التي حصلت حينها، انتهى المعرض، وتمّ توضيب اللوحات، لإعادتها إلى لبنان، ولكن بعد حوالى الستة أشهر، اللوحات أصبحت في لبنان، من دون أن يتمكن الرسامون من استلام أعمالهم حتى اللحظة.
والمشكلة، بحسب شركة الشحن فالأعمال التي أُرسلت إلى لبنان، كان عليها جمرك، مع العلم أن مصدرّا مطلعًا على الموضوع أفاد “لبنان 24” أن اللوحات عبرت الجمارك من دون أي مشاكل. كما ادّعت الشركة أيضًا أن بعض اللوحات من صُنع الصين، مع العلم أن كلّ اللوحات مرسومة بمواهب الفنانين اللبنانيين.
وأوضح المصدر ذاته أن المشكلة الأساسية هي مع صاحب الشركة الذي طالب برقم مبالغ به للإفراج عن اللوحات، من دون أي تفسير أو توضيح، ولا حتى معلومات تفصيلية. كذلك، تمّ توجيه “كتاب مكشوف” لصاحب الشركة، وهو بمثابة استفسار قانوني وليس إنذارًا، إلّا أن الجمعية لم تتلقَ أي ردّ.
في هذا الصدد، علم “لبنان 24” أن المبلغ المطلوب لتسليم اللوحات تخطّى الـ25 ألف يورو، وسط أنباء عن أن الشخص المسؤول عن تنظيم المعرض في فرنسا، قال إن الدولة الفرنسية فرضت ضرائب على الاعمال، كما أن وزارة الاقتصاد الفرنسية فتحت تحقيقًا حول المعرض والاعمال فيه، من دون توضيح الاسباب.
في اتصال “لبنان 24” مع رئيسة جمعية الفنانين اللبنانيين ديما رعد لاستيضاح الموضوع، أشارت إلى أنها “استلمت الرئاسة منذ شهرين فقط ولا تملك كلّ المعطيات حول الموضوع”، إلا أنها أكدت أن همّ الهيئة الادارية الاساسي هو إعادة اللوحات. فالعمل جارٍ حاليًا على لملمة كل الوثائق للعثور على الثغرات، كما يتمّ العمل على تسليم القضية لمحامٍ”، لافتة إلى أن “الحقّ لا يقع على عاتق شخص واحد ولا على جهة واحد فقط، فهناك مسؤولية على الجميع”.
أمّا رئيس الجمعية السابق الياس ديب، فقال لـ”لبنان 24″ إنه لا يستطيع الحديث عن الموضوع لأنه لم يعُد في موقع المسؤولية ليتحدّث باسم الجمعية، مشددًا على أن همّه الاول هو عودة اللوحات لأصحابها، لأن من بينها رسوماً له.
يُشار إلى أن المعرض ذاته كان قد تمّ تحضيره قبل 3 أشهر، إلّا أنه أُلغي قبل يوم واحد، ليعود بصيغة جديدة في أيلول الماضي. بالاضافة إلى أنه تمّ الترويج له في لبنان، وافتُتح رسميًا باحتفال بحضور عدد من الوزراء. فأين هي الوزارات الثلاثة من هذا الموضوع؟ ومن سيُطالب بحقّ فنّانين فُقد، مع كلّ حقوق اللبنانيين التي حوّلها الواقع اللبناني ترفًا لا أساسًا؟
التعليقات مغلقة.