إيران تؤسس حزب الله آخر في سوريا

أكد معهد واشنطن في تقرير صادر عنه أن إيران سعت بشكل حثيث لتأسيس “حزب الله” آخر في سوريا. واستشهد التقرير بتصريحات خلال أيار2014، للزعيم العميد حسين همداني، قائد قوات الحرس الثوري الإسلامي في سوريا، التي قال فيها إنّ إيران قد أنشأت “حزب الله ثانيا في سوريا”.

وناقش المعهد مراحل التطوير للمنتج الإيراني الجديد في سوريا، مؤكدا أن إيران ساعدت نظام الأسد منذ منتصف عام 2012 حتى منتصف عام 2013 في إنشاء عدد كبير من “المليشيات” المحلية والإقليمية وبلورتها، بما فيها الفصائل المتمركزة في دمشق ضمن شبكة “لواء أبو الفضل العباس”.

وأكدت الدراسة أن وكلاء إيران اللبنانيين والعراقيين الشيعة ساهموا منذ أواخر عام 2012 في تحويل مليشيات “شيعة الإثني عشرية” السورية إلى نسخ من “حزب الله” اللبناني، وتبني جميعها إيديولوجية إيران المتمسكة بـ”ولاية الفقيه”.

ونوه المعهد إلى أنه لاحقا في منتصف عام 2013، باشرت إيران في تحويل “المليشيات” السورية الشيعية إلى جماعات متنقّلة وسريعة الاستجابة تملك مقاتلين تمّ تجنيدهم من شريحة واسعة من الشبكات والمناطق. فعلى سبيل المثال، كان قادة مجموعات “لواء أبو الفضل العباس” إمّا من العراقيين الشيعة القاطنين في سوريا، وإمّا من السوريين الشيعة التابعين لقوّات الأسد.

ومنذ أواخر عام 2013 حتى عام 2014، نُشرت فصائل من “لواء أبو الفضل العباس” كـ”لواء ذو الفقار” و”لواء الإمام الحسين” في مدينة درعا الجنوبية، كما في شمال دمشق، وتحديدا في القلمون. وفي أواخر عام 2014، أرسلت جماعات سورية شيعية كـ”قوات الإمام الرضا” (تعرف أيضا كـ”قوات الرضا”) المتمركزة في حمص قوات للقتال في الغوطة الشرقية -خارج دمشق- والقلمون. وفي بداية عام 2015، ومع اقتراب قوات الثوار من الأراضي الجبلية الحدودية التي تقع تحت سيطرة العلويين (علما أن نظام الأسد منتسب إلى الطائفة العلوية)، نشر كل من “لواء الإمام حسين” و”لواء أسد الله الغالب” التابع لـ”لواء أبو الفضل العباس” قوّاتهما في اللاذقية.

جغرافية تحويل نسخ “حزب الله”

وأكدت الدراسة أنه في بداية عام 2014، اتّخذت “مليشيات” سورية مختلفة اسم “حزب الله في سوريا”، وساهم الوجود الجغرافي والعددي لـ”شيعة الإثنى عشرية” في البلاد بشكل كبير في نموّ هذه الشبكة وتوسّعها. و”شيعة الإثنى عشرية” هي فرع من الإسلام يمارس من قبل النظام الإيراني وحلفائه اللبنانيين والعراقيين.

ولفتت الى أن بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين المواليتين للنظام في ريف حلب أصبحتا محور جهود “المليشيات” الشيعية في سوريا؛ نظرا لتطويقهما الجزئي من قبل الجهاديين السنّة والثوار منذ عام 2013.

ومنذ عام 2014، تم تكليف المزيد من المقاتلين الشيعة السوريين في عمليات في جوار حلب. وقد قاتلت وحدات متمركزة للمليشيات الشيعية في عدد من المعارك في المنطقة، ومن بين هذه الوحدات “جيش الإمام المهدي” و”المقاومة الوطنية العقائدية في سوريا”، التي جنّدت مقاتلين من طرطوس والمناطق الجبلية الحدودية التي تقع تحت سيطرة العلويين. وخلال العامين 2015 و2016، تألّفت القوات المقاتلة المحلية أيضا من مليشيا سورية شيعية أُنشئت على صورة “حزب الله” وعُرفت باسم “الغالبون – سرايا المقاومة الإسلامية في سوريا”.

وأكدت أنه على الحدود السورية الأردنية، وتحديدا في بلدة “بُصرى الشام”، قادت وحدات “حزب الله” اللبناني قوّة محلية مؤلفة من الأقليات الشيعية في البلدة وتحكمت بها. وقد هُزمت هذه المليشيات في آذار 2015 في هجوم مشترك للثوار السوريين والجهاديين السنّة.

واستدركت بالقول: أمّا على الحدود اللبنانية السورية، فقد وفرت حمص أرضا خصبة للمنظمات الإسلامية الشيعية الجديدة على وجه الخصوص؛ إذ تقوم “قوات الرضا”، وهي من فروع “حزب الله” الأكثر نشاطا، بتجنيد معظم مقاتليها من هذه المنطقة. ومحافظة حمص هي موطن لنسبة كبيرة من السوريين الشيعة الذين يعيشون في مدينة حمص وفي عدد من المناطق الحدودية المرتبطة بالمجتمع الشيعي اللبناني التابع لـ”حزب الله”.

تكرار نموذج “حزب الله”

وأكدت الدراسة أن نجاح “حزب الله” شكل مثالا تنظيميا ومصدر إلهام للمنظمات الشيعية المسلحة التابعة لـ”حزب الله في سوريا”. إلّا أنّ إيران اتّبعت النموذج الذي استخدمته في العراق في إنشائها لـ”حزب الله في سوريا”، ويقوم هذا النموذج على تطوير مليشيات من أحجام مختلفة ومتعددة الأوجه وتنفيذ أهداف إيديولوجية وأخرى لنشر القوة الإقليمية، على غرار الجماعات اللبنانية والعراقية.

وقالت إن عددا كبيرا من “المليشيات” الشيعية في سوريا يناشدون باعتناق إيديولوجية “ولاية الفقيه” الوفية للمرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني.

وأشارت إلى أنه بالنسبة لـ”لواء أبو الفضل العباس”، وهو أوّل “مليشيا” شيعية كبرى في سوريا، فدائما ما يُرفع علم “حزب الله” إلى جانب العلم السوري في يافطات “الشهادة” والمدافن وغيرها من الوسائل الترويجية. حتّى إنّ علم “حزب الله” والعلم السوري رُفعا على مقبرة شقيق الأمين العام لـ”لواء أبو الفضل العباس” حسين عجيب جظة، الذي قُتل في أواخر عام 2012.

وأوضحت الدراسة أنه، وخلافا للعلويين والمسيحيين أو حتى السنّة المساندين للأسد، يتم ذكر جميع رجال “المليشيات” الشيعية تقريبا الذين قُتلوا أثناء دفاعهم عن مقام “السيدة زينب” في جنوب دمشق أكثر من فعل حفاظهم على نظام الأسد. إن ذلك يُضفي الشرعية على مكانتهم كمحاربين مقدّسين، ويساعد إيران على جذب المزيد من المقاتلين الأجانب إلى الصراع السوري.

وفي العديد من الحالات، لا يُذكَر في إعلانات الوفيات الخاصة بالمقاتلين التابعين للمليشيات الشيعية، عما إذا كانوا قد قُتلوا في معارك مع جماعات قائمة أو فرعية، بل يُذكر اسم المقاتل إلى جانب شعار “حزب الله” وعلم الأسد والقبة الذهبية لمقام “السيدة زينب”، بحسب الدراسة.

النطاق الإقليمي

وقالت الدراسة إنه لطالما كانت سوريا موضع ارتكاز معظم العمليات التي يقوم بها “حزب الله في سوريا” وأجهزته النامية. إلّا أنّ الجماعات التابعة له قد اعتمدت نظرة إقليمية، شملت الدعوة إلى توحيد الجماعات الناشطة في العراق وسوريا. واتّسمت المرحلة الأولى من هذه الجهود بتغيير أسماء المنظمات. وقامت بعض المليشيات الشيعية المتمركزة في سوريا باستقطاب جنود من العراقيين الشيعة والعراقيين الشيعة المنفيين القاطنين في سوريا، لتبني بذلك رابطا عضويا بين العراق وسوريا.

ونوهت إلى أنه لكي يُظهر طابعا يتخطى حدود الدولة بعد استيلاء تنظيم “داعش” على الموصل في حزيران 2014، أضاف “لواء ذو الفقار” إلى اسمه عبارة “المُدافع عن المقدسات في العراق والشام”. وبعد مرور بضعة أشهر، بدأ عدد من قادة “لواء ذو الفقار”، بمن فيهم مسؤوله الإعلامي، يرتدي زي “قاعدة قوات أبو فضل العباس”، وهي “مليشيا” شيعية في العراق ووكيلة لإيران، تشكلت من عناصر منشقة ناشئة من “جيش المهدي” بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر.

واستدركت بالقول: على غرار “لواء ذو الفقار”، أضاف “لواء أسد الله الغالب” المتشعّب من “لواء أبو الفضل العباس” عبارة “في العراق والشام” إلى اسمه. إلا أنّه أقام تحالفا أكثر رسمية بكثير مع جماعة عراقية. فعندما أعلن “لواء أسد الله الغالب” عن نفسه في أواخر عام 2013، غالبا ما تواجد مقاتلوه مع مستشارين من “عصائب أهل الحق”، وهي من وكلاء إيران الأكثر قوّة وشجاعة.

وأكدت أنه على الرغم من ذلك، فقد كانت الجماعات المذكورة آنفا تملك روابط قوية مع العراق منذ البداية، وغالبا ما تعاون قادتها العراقيون مع قوات من وكلاء إيران العراقيين الشيعة. ومع ذلك، طالت ظاهرة التخطي لحدود الدول جماعات سورية ومقاتليها السوريين الشيعة.

التأثير المحتمل على مستقبل سوريا

وقالت الدراسة: “مع استمرار الحرب في سوريا، سوف تبقى الجماعات الشيعية المسلحة في البلاد على ما هي. وتستمر إيران من خلال هذه الجماعات في تعزيز موطئ قدمها في المشرق وفي المجتمع الشيعي”.

وبعد مرور ثلاث سنوات، تغيّر الوضع بشكل جذري. ويشكّل تحويل هذه الجماعات إلى نسخة مشابهة من “حزب الله” بالاسم والبنية والولاء إنجازا كبيرا لطهران، الأمر الذي يسمح لإيران بالحفاظ على نفوذ أكثر صلابة وإبراز القوّة بصورة أكثر فعالية داخل سوريا، بحسب معهد واشنطن.

التعليقات مغلقة.