هل رفض نصرالله استقبال الحريري

 

وسط الأجواء الامنية التي خرقت المشهد السياسي اللبناني لا يبدو لبنان الحكومي والرسمي مرتاحاً حيال تطورات العلاقات اللبنانية ـ الخليجية، يطل أسبوع جديد على البلد، حافل بالمحطات الداخلية والخارجية، على وقع المواقف السياسية المتضاربة التي بلغت حد التناقض احيانا، والتي من شانها ان ترسم المسار الذي ستسلكه الملفات العالقة بين فكي كماشة الحصار الخليجي، في خيار مواجهة النفوذ الايراني المتمادي لبنانيا بحسب ما يقوله فريق 14 آذار، في ظل صعوبة الفصل بين الاجراءات العقابية بحق حزب الله وتداعيات ذلك على الدولة اللبنانية ككل.

فقد اكدت مصادر وزارية أنه تم ابلاغ الجهات الخارجية بصعوبته، ذلك ان حزب الله ومنذ ما بعد الانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000، تحول الى شريك اساس في تركيبة السلطة اللبنانية وصاحب حصة في المؤسسات الدستورية من حكومة ومجلس نواب، وبالتالي اي اجراء بحق مكون سيؤدي حكما الى تضرر الدولة اللبنانية ككل وعرقلة آليات عملها، المعطلة اساسا بفعل الفراغ الرئاسي.

فوسط ادراك الجانب اللبناني الرسمي ان الهامش بات ضيقاً في محاولته ثني الدول العربية والخليجية عن المضي قدماً في اجراءاتها، وعجز الحكومة اللبنانية عن اظهار نفسها قادرة على تقديم تعهدات، اقلها سياسية للحد من التوتر مع الدول الخليجية، تتقاسم المشهد اللبناني صورتان متوازيتان لا يمكن ان تلتقيا، الاولى ايجابية، يعبر عنها الانفتاح الاقليمي الحاصل، حيث توحي الاجواء بوجود “طبخة ما”، نجحت الاتصالات الكويتية على خط طهران ـ الرياض في تحريك ركودها، واول بوادرها وقف اطلاق نار حدودي يمني، تزامنا مع موقف وزير الخارجية السعودي عن استعداد بلاده لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الجمهورية الاسلامية. امور تفترض تهدئة لبنانية،بحسب مصادر سياسية متابعة.

وتشير مصادر متابعة الى مسعى مصري للخروج بصيغة لا تحرج لبنان وتشق الطريق نحو تسوية معقولة بين الموقف الخليجي المتشدد والواقع اللبناني المأزوم تحت وطأة الازمات الداخلية والخارجية، ذلك ان جهات عربية ودولية عدة من بينها واشنطن وباريس كما بات معروفاً، تعمل على تجنب حصول هزة كبيرة في الواقع اللبناني لئلا يتأثر استقراره في شكل جدي جراء ضغوط لا يتحملها، وهو الامر الذي يبدو ان حواراً جاداً في شأنه فتح بين واشنطن وباريس مع الرياض.

قراءة تنطلق من ان ازمات المنطقة بدأت تشق طريقها نحو التسويات السياسية وتفترض مواكبتها لبنانيا، يعززها افتراض عودة حزب الله قريبا من سوريا بعد انجاز الحل الذي لن يكون له او للجمهورية الاسلامية موقع يتيح حجز مقعد في التسوية، بحسب مصادر خليجية. تبعا لذلك، ووفق حسابات الحزب للمرحلة المقبلة فان الوصول الى تسوية سياسية مع سائر الافرقاء في الداخل وتحديدا مع تيار المستقبل تستند الى اولويات لا يمكن ان يتنازل عنها كمصير المقاومة وسلاحها.

ملامح هذه المرحلة بدأت تطفو على سطح المواقف، على رغم اجواء التشنج المذهبي، على حدّ قول المصادر المتابعة، بحيث سارع الجميع الى تأكيد التمسك بالحوار وابقاء الشارع بمنأى عن التشنج والتوافق على عدم اللعب على وتر الاستفزاز المذهبي خشية السقوط في فخ الفتنة التي يدرك الطرفان انها ممنوعة ولا تخدم ايا منهما.

يقابل ذلك حركة داخلية لافتة، بدأها رئيس الحكومة بدعوته، الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله “الى الكفّ عن التهجم على الخليجيين”، والتي رأت فيها المصادر، إعلانا بعدم رضى الحكومة اللبنانية ورئيسها، الناطق بلسانها، عن كلام السيد، وتبرئها من كل ما قيل ضد المملكة ودول مجلس التعاون، ما يمكن اعتباره اعتذارا ضمنيا، ولو لم يصدر بصيغة اعتذار، مرورا بتحفظ وزير الداخلية نهاد المشنوق أو نأيه بنفسه عن وصف “حزب الله” بـ”الإرهابي” في مؤتمر تونس، ما ولد ارتياحا نجح في إبقاء “الخيط الرفيع” الفاصل بين الاحتدام الخارجي وبين مقتضيات منع الانفجار الداخلي، ما دفع بالوزير محمد فنيش الى توجيه رسالة شكر الى المشنوق في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة واصفا موقفه بالوطني.

أما في الجهة الاخرى من الصورة، فتحدثت المصادر عن مجموعة محطات ستشهد محاولات لإكمال الضغط على “حزب الله” وخطوات، لم تلغ الخشية من ارتفاع منسوب الغضب الخليجي على لبنان، بحيث انه من غير المستبعد ان تأخذ الاجراءات الخليجية ضد لبنان أبعاداً أكثر خطورة في المرحلة المقبلة، وسط عجز “حلفاء” المملكة الداخليين من التاثير في موقفها.

تحت هذا العنوان ادرج أحد قياديي محور الممانعة كلام الرئيس سعد الحريري حول إستعداده لزيارة السيد نصرالله، مستدركاً انه سبق للحريري ان طلب موعداً من السيد ولكنه قوبل بالرفض، الا في حال غيّر المستقبل سياسته العامة في البلاد، فما كان من الحريري ألا أن شكل لجنة لزيارة المرجعيات في البلاد، ولكن ذلك لم يكن كافياً.

يضاف الى ذلك ان اللقاء الاخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والسفير السعودي علي عواض العسيري انتهى دون احراز اي تقدم على مستوى تخفيض حدة التوتر، حيث اشارت المصادر الى ان العسيري كان مستمعا في اللقاء ولم يقدم اي جديد غير التأكيد على انه مكلف تنفيذ تعليمات الخارجية السعودية، ملمحا الى عدم قدرته على احداث اي خرق ايجابي في جدار العلاقة المتأزمة، لينتهي اللقاء دون تحقيق نتائج ملموسة.

ومع ان الانزعاج السعودي من الصمت اللبناني، تشدد مصادر مقربة من السفارة السعودية على حرص المملكة على لبنان وادراكها لخصوصياته وحساسية الوضع فيه، مشيرة الى ان لا رغبة للرياض في زعزعة استقراره، لكن في المقابل مطلوب منه الاعلان للملأ انه لا يؤيد مشروع حزب الله بامتداداته الاقليمية التي لا تمت الى مصلحة لبنان بصلة والذي يطبق أجندة الحرس الثوري لزعزعة الاستقرار في مختلف الدول العربية والتزام البيان الوزاري الذي يشير صراحة الى التزام الدولة اللبنانية سياسة النأي بالنفس. امر، والكلام للمصادر، مطلوب ايضا من القوى السياسية المناوئة لهذا المشروع على قاعدة “لبنان مع العرب اذا اتحدوا وعلى الحياد اذا اختلفوا”، مشيرة الى ان حكومة لبنان حتى في الوحدة العربية الجامعة غرّدت خارج السرب عبر موقف وزير خارجيتها في مؤتمري القاهرة والرياض.

وفيما أوضحت مصادر ديبلوماسية غربية ان الجانب الفرنسي دعا الجانب السعودي إلى إبقاء الباب مفتوحاً من أجل العودة عن قرار وقف السعودية المساعدة العسكرية للجيش إذا قامت الحكومة اللبنانية بمبادرة ما لأنه تنبغي مساعدته، أشار إلى أن ولي العهد السعودي أوضح أن علاقة ود تربط المملكة العربية السعودية بلبنان، وأنها ستستمر في دعمه اقتصاديا، رغم تاكيد نائب بارز في 8 آذار خلال جلسة خاصة ان لبنان يملك ايضاً عدة اوراق ضغط، في حال تخطت الاجراءات الحدود “المنطقية” منها مصادرة عقارات رعايا الدولة الخليجية التي ستقوم بطرد جماعي للبنانيين.

التعليقات مغلقة.