حتى الآن لم يصدر أي ردّ عملي ومباشر من حزب الله على المملكة العربية السعودية والإجراءات التي تتخذها بحقّه. كل الإجراءات التي اتخذت وصولاً إلى تصنيفه منظمة إرهابية في مجلس التعاون الخليجي ومجلسي وزراء الداخلية والخارجية العرب، كان الحزب يعتبرها مجرّد إجراءات معنوية لا تصريف عملياً لها. إلا أن الإعلان عن فرض عقوبات شديدة تصل إلى حدّ ترحيل المقيمين على أراضيها ممن يظهرون تعاطفاً مع الحزب، يعني ان السعودية ماضية في التصعيد إلى الامام وهي تريد الدخول في مجال العقوبات العملية، التي ستتعلّق بالضغط على بيئة الحزب وجمهوره والمتعاطفين معه، بالإضافة إلى تضييق الخناق عليه مالياً عبر محاربة المقرّبين منه، مروراً بفرض عقوبات على الوسائل الإعلامية المحسوبة عليه.
لا يتوقع الحزب أي انحسار لهذه الازمة لا بل يعتبر انها لا تزال في بدايتها، لأن بوادر الخطوات العملية بدأت بالأمس، وتكشف مصادر قريبة من الحزب لـ”المدن” ان مسألة ترحيل لبنانيين من الطائفة الشيعية، وسيصنّفون خليجياً بأنهم مقرّبون من الحزب أو محسوبون عليه او متعاطفون معه ستتوسع أكثر فأكثر في الأيام المقبلة، كما ان التصعيد لن يقتصر على هذا الشق فقط، بل سيكون في أكثر من ساحة، وإن عجزت السعودية عن التصعيد في لبنان، فهي لن تتوانى عن التصعيد عسكرياً في سوريا.
وتقول المصادر القريبة من الحزب لـ”المدن”، إن الايام المقبلة ستحمل المزيد من العقوبات ضد أشخاص متعاطفين معه، وسيتم ترحيل أي شخص يتبين للسلطات الخليجية أي علاقة له او لاحد من عائلته او أقاربه بحزب الله، وهذا ما ترى فيه المصادر المزيد من الضغط على البيئة الحاضنة للحزب بهدف تحريضها عليه وإجبارها على الإبتعاد عنه. وإلى جانب هذه الإجراءات، تكشف المصادر ان السعودية ستضغط أكثر فأكثر لاستهداف الوسائل الإعلامية القريبة من الحزب، وتتوقع أن يتم حجب قناة المنار و”اخواتها” عن “النايل سات” عبر الضغط السعودي على مصر لأجل تحقيق ذلك، وعلى الرغم من ان المصادر تعتبر ان مصر لن ترضى بذلك، إلا انها لا تبدو قادرة على الجزم حيال ذلك، لان حجم الضغوط سيكون كبيراً، وتعتبر أنه بحال “تم إنزال المنار والقنوات التي تعتبر في صفّ الحزب عن قمر “النايل سات”، فإن ذلك سيكون لفترة معينة، ومن ثم ستعيد مصر النظر بهذا القرار، وتسعى لإعادة القنوات إلى البث عبر النايل سات.”
كل هذه الإجراءات، لا تخفي المصادر انها ستؤدي الى إنعكاسات سلبية على الوضع اللبناني، سياسياً على الأقل، وتقول:” ليس هناك من ردّ عملي واضح في لبنان من قبل الحزب على هذه الإجراءات، لكنها بالتأكيد لن تسهّل إنجاز أي استحقاق تقول السعودية إنها تريد إنجازه.” وتلفت إلى ان التصعيد السعودي سيؤدي إلى المزيد من العرقلة لبنانياً، والتي قد لا تطال فقط الإستحقاق الرئاسي، بل قد تصيب شظاياه الحكومة، إذ لا تستبعد المصادر عودة الحكومة إلى دائرة التعطيل بفعل الضغوط، وقد يكون عدم قدرتها على تنفيذ خطة النفايات هي المقدمة لذلك.
إذاً، سيقتصر ردّ الحزب على الإجراءات السعودية، في السياسة، وتقول شخصية حزبية لـ”المدن” إن السعودية تتعاطى مع لبنان بطريقتين مختلفتين، الاولى عبر التصعيد بهدف الضغط لدفع حزب الله الى التراجع والتنازل لتحقيق ما تريد، والثانية عبر التهدئة التي يقودها الرئيس سعد الحريري الذي يعلن حرصه على الإستقرار واستمرار الحوار، وتؤكد الشخصية أن كل انواع الضغط لن تفيد، وطالما ان السعودية ستبقى مستمرة بهذا التصعيد فإن الحزب لن يتراجع عن المواجهة، وبالتالي كل ذلك يسهم في تعقيد الإستحقاق الرئاسي أكثر فأكثر.
وتكشف الشخصية لـ”المدن” أنه قبل قرار مجلس وزراء الخارجية العرب، كانت هناك نقاط مشتركة وإيجابيات جرى التوصل إليها لبنانياً وإقليمياً، خصوصاً في ما يتعلّق بالإستحقاق الرئاسي، لكن ما جرى في الجامعة العربية أطاح بكل الجهود. وتعتبر ان الرد الجوهري على كل هذا التصعيد الخليجي، هو بسحب المفاعيل السياسية لعودة الحريري، وبتحجيم دوره، وإدخاله في التفاصيل اللبنانية الهامشية، بعد النجاح في إبعاده عن هدف عودته الإستراتيجي وهو إنجاز الإستحقاق الرئاسي، وبالتالي فإن إشغال الحريري في ملفات اخرى، يعتبره الحزب إنجازاً يزيده إلى سجلّه ضد السعودية، وهذا ما بدأ بتحقيقه مع تدخّل رئيس تيار المستقبل لحلّ ازمة النفايات، وسيستمر عبر تدخّله للحفاظ على عمل الحكومة، وصولاً إلى التدخل في التعيينات الامنية في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي وامن الدولة.
يراهن حزب الله على عامل الوقت، لن يتنازل امام الضغط السعودي، يصرّ على المواجهة بالنفس الطويل، إلى أن تفتح أبواب الحوار السعودي الإيراني، حينها سيكون وحده الرابح الاكبر في لبنان، ولن تفرض تسوية إلا بناء لشروطه وشروط المحور الذي ينتمي إليه إقليمياً، عندها ستتكرّس خسارة الحريري، ليس في الرئاسة فقط.
التعليقات مغلقة.