ما زال الحديث عن حلم سوريا موحّدة، يراود المعارضة السوريّة وحتى نظام #الأسد، فبينما شارفت الولايات المتّحدة على الانتهاء من بناء قواعدها الجويّة في مناطق الأكراد شمال #سوريا – مطاري رميلان وكوباني – ورسّخت روسيا في نفس الوقت من وجودها العسكري في مناطق الساحل العلويّ، ما زالت المعارضة السوريّة تمنّي النفس بـسوريا موحّدة، وحكمٍ مركزيّ!
وكأن السوريّين لم يكتفوا من تجربة الأسدين على مدى أكثر من أربعين عاماً؛ صحيح أن ديكتاتوريّة الأب والابن كانتا استثناءً في العصر الحديث، وصحيح أيضاً أنّ علّة الحكم في سوريّا في العقود الأربعة الماضيّة كانت في شخصيهما لا في نظام الحكم، لكن تجارب الدّول تؤكد أنّ الأنظمة المركزيّة تفتح شهيّة الحاكم على قمع الشعوب ونهب خيرات البلاد، كيف لا ومعظم دول الشرق عانت ولا تزال من أنظمة الحكم الشموليّ.
وإن كان وليد المعلم وزير خارجيّة نظام الأسد يعلن أنّه ضدّ التقسيم أو النظام الفيدراليّ، فلأنّه ببساطة لا يزال يحلم أن تعود سوريا حظيرة لـ آل الأسد، لكنّ لماذا تريد المعارضة الحفاظ على مركزيّة الدّولة؟
ماضية الى التقسيم…
على أيّ حال؛ سوريا ماضية إلى التقسيم، هكذا تسير إرادة الدّول الكبرى خطوةً خطوة؛ تقسيم، وإنّ كانت تفاصيله مدرجة إلى الآن في الخزائن الأميركيّة الروسيّة السريّة، إلاّ أنّ مدلولاته تظهر جليّاً بأنّه سيكون على شكل نظام كونفيدراليّ هشّ يتم قضمه من الدول الإقليميّة والمجاورة، نظام كونفيدراليّ لا لأنّ الشعب السوريّ لمّ يعدّ بإمكانه العيش في كينونة واحدة فقّط، بلّ أيضاً لأنّ الساسة السوريّين باتوا أدوات في تنفيذ رغبات الدّول الإقليمية والدولية التي تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، فهل بات بالإمكان أن يعيش العلويّ والسنيّ في مكان واحد من دون قيود؟
أو هل بالإمكان أن يجلس بشار الجعفري وأسعد الزعبي على الطاولة نفسها من دون ستيفان دي ميستورا؟ ناهيك بالحلم الكُرديّ الذي أصبح أقرب للواقع أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ أسبابٌ تجتمع لتجعل حتى من سوريّا اتحاديّة حلماً غير قابل للتحقيق .
أثناء تقدّم فصائل الثوار في الجبهة الجنوبيّة باتجاه مطار الثعلة العسكريّ في #السويداء ذات الغالبيّة الدرزيّة، وسيطرتها على معظم مراكز المطار، عادت هذه الفصائل وخرجت منها لأسباب مجهولة، إعلاميّاً على الأقل؛ قيل حينها إن اللوبي الدرزيّ في إسرائيل توسط لدى حكومة تل أبيب للضغط على غرفة عمليّات “ماك” – غرفة إدارة الجبهة الجنوبيّة بإدارة المملكة الأردنيّة – ليعود الثوار أدراجهم.
في الجبهة الجنوبية أيضاً قامت مجموعة ما تسمى بـ “جيش سوريا الجديدة” بالسيطرة على معبر التنف الحدودي انطلاقاً من الأراضي الأردنيّة، لحقها قبل أيّام استهداف المدفعيّة الأميركيّة للمرة الأولى مواقع تنظيم “داعش” داخل الأراضي السوريّة، وتأتي هذه التحرّكات بعد أشهر من تصريحات للملك الأردنيّ تؤكد دعم المملكة للعشائر في شرق سوريا وغرب العراق، في إشارة واضحة إلى المناطق التي يوجد فيها تنظيم “داعش”، ما يعني بشكلٍ أو بآخر، تطلعات المملكة الهاشميّة لمدّ نفوذها إلى مناطق البادية في جنوب سوريا وشرقها.
دويلة مستقلة
ويعتبر الساحل السوريّ أو مناطق سيطرة النظام “سوريا المفيدة” أكثر المناطق السوريّة استقراراً، فلم تطأها المعارك ولا الاشتباكات، اللهم إلا الآلة العسكريّة الروسيّة التي احتلت الساحل عسكريّاً وتتطلع لإغراقه اقتصاديّاً، وفي هذه المناطق يسعى الأسد لبناء دولته العلويّة بحماية بريّة إيرانيّة وجويّة روسيّة، الأمر الذي يرضي الأطراف الثلاثة، الأسد الذي سيقبل بالدويلة العلويّة إذا ما خُيِّر بين التنحي و تقليص حكمه على الطائفة العلويّة، وأيضاً طهران التي تودّ أن يكون لها أذرع دائمة في المنطقة، وكذلك موسكو التي تمهّد لاستعادة المجد السوفياتيّ والتواجد في المياه الدافئة (البحر المتوسط)، وهو على ما يبدو محل ترحيب من الإدارة الأميركيّة التي أصبح وجودها العسكري في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطيّ الكرديّ غير خافٍ.
رغم تصريحات الخارجيّة الأميركيّة النافيّة لهذا الوجود إرضاءً لحليفتها أنقرة المغلوب على أمرها أمام الخرائط الأميركيّة الجديدة، لكن الوضع في الإقليم الكُرديّ ليس بهذه البساطة، فبجوار التهديدات التركيّة تدخل على الخط التعقيدات الداخليّة بين حزب الاتحاد الديموقراطيّ وكتلة المجلس الكُرديّ وما يحمله من أجندات حزبيّة وإقليميّة متباينة، والتي من الممكن تجاوزها في ظل الضغوطات الأميركيّة، كما جرى بين الطالباني والبارزاني في العقد الماضي، لتبقى المناطق الوسطى والشمالية الغربيّة من سوريا بيد المعارضة المقربة من تركيا كدويلة مستقلة هي الأخرى.
وإن صحّت هذه الرواية فستتحول سوريا دويلات لكلٍ منها شعبها وعلمها وأرضها والتي ما زالت غير واضحة المعالم، تجمعها ذكريات آل الأسد المريرة، وأيّامٌ كان يحوي شعبها وطن واحد.
التعليقات مغلقة.