لم تخطئ صحيفة “السفير” في استهلاليتها عندما أشارت في قضية “الاختراق الإسرائيلي للإنترنت” إلى ان “البعض قد يكون، ربما، ملّ من اتهام إسرائيل بكل صغيرة وكبيرة، مفترضاً عن حسن أو سوء نية أن هذا النوع من الاتهامات ينتسب الى مدرسة “نظرية المؤامرة” التي تهدف الى التهرب من المسؤوليات والتبعات، وإلقائها على العدو”.
ولكن ما هو مختلف هذه المرة، بالنسبة إلى “السفير” دائماً، ان “وزير الاتصالات بطرس حرب الذي لا ينتمي سياسياً الى ما يُعرف بمحور المقاومة والممانعة يخرج ليعلن بصوت مرتفع “عن أننا أمام حادث خطير جدا، يمثل تهديدا للأمن الوطني”، كاشفاً عن ضلوع شركات إسرائيلية في تزويد محطات تهريب الانترنت باحتياجاتها.بل ان حرب ذهب الى أبعد من ذلك، مؤكدا أن هناك مجرمين قرروا أن يبنوا وزارة اتصالات موازية، مستعينين بمعدات إسرائيلية”.
عذرا على هذا الاقتباس الطويل الذي لا بد منه من أجل التأكيد ان ما ذهبت إليه الصحيفة المذكورة في القسم الأول أعلاه كان في محله، لأن الناس ملّت فعليا من اللغة الخشبية نفسها التي تبحث دائماً عن إسرائيل بهدف التهرب من المسؤوليات أولا، وتقديم أوراق الاعتماد ثانيا، والمزايدة الممانعاتية ثالثا، والتذكير بالأدبيات الخشبية رابعا، واستخدام المصطلحات الفضفاضة خامسا من قبيل الأمن الوطني والأمن القومي والأمن الاقتصادي والأمن المعلوماتي، وترهيب الناس سادسا، لانه عندما يصار إلى اتهام إسرائيل يُمنع النقاش تحت عنوان “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
وكل الشعب اللبناني يتمنى أن تُظهر التحقيقات ضلوع إسرائيل بهذا التجسس المكشوف من خلال منشآت ضخمة جدا وظاهرة للعيان، واستحوذت حكما على تراخيص دخول، وربما، تركيب، ومستخدمة من قبل مؤسسات رسمية عدة، والأمل الا تكون مؤسسات أمنية حذت حذوها أيضاً، ولكن ما يتمناه اللبنانيون لا يكمن فقط في عدم تمييع هذا الملف، إنما في ان تثبت التحقيقات طبيعة الاتهامات، بان إسرائيل تخترق أمننا الوطني والقومي، وفي حال العكس يجب محاسبة كل من أطلق تلك الاتهامات، ليس خدمة لإسرائيل بطبيعة الحال، بل خدمة للشعب اللبناني بغية وضع حد لهذا التضليل المتمادي أولا، والتعمية عن الحقائق ثانيا، ودفع المعنيين ثالثا إلى إطلاق مواقف مسؤولة من الآن وصاعدا بعيدا عن هذا الأسلوب الممجوج.
ولا يخفى على أحد ان ما تم اكتشافه لا يخرج عن سياق مافيا الاتصالات التي تسعى إلى الربح غير الشرعي على حساب الدولة اللبنانية وخزينتها المالية، الأمر الذي يستدعي محاكمة الجهات المتورطة والمسهلة، وتمكين الدولة من استعادة ما سلب ونهب منها، وان تنسحب هذه الخطوة على سائر المؤسسات والقطاعات في البلد التي تشكل مغارة علي بابا للقوى النافذة، وان تكون الخطوة الإصلاحية الأولى على طريق مكافحة الفساد المستشر بشكل غير مسبوق في الدولة اللبنانية.
وفي حال ثبت الاختراق الإسرائيلي، فإن الأجهزة المختصة مطالبة بنشر الرواية التفصيلية حيال كيفية إدخال المنشآت خلسة عبر طرادات إسرائيلية مثلا، وتركيبها خلسة من قبل الكومندس الإسرائيلي، وتشريك المؤسسات خلسة عن طريق خلايا أمنية تابعة للموساد، وبالتالي توضيح طبيعة الاختراق الإسرائيلي المباشر او غير المباشر، وعدم ترك أي التباس أو تساؤل في الأذهان.
وإذا كان مفهوما أن تتجسس تل أبيب على لبنان، وفي هذا السياق الدولة مدعوة إلى التصدي لهذا التجسس او غيره والذي يشكل انتهاكا للسيادة الوطنية، ولكن ما هو غير مفهوم ان يكون هدف إسرائيل من طبيعة مادية، فيما لا الانترت هي اسطورة الليطاني، ولا الانترنت أيضا هي الذهب الأسود في قعر البحر اللبناني.
ويبقى ان الشعب اللبناني ينتظر بفارغ الصبر الرواية الكاملة للاختراق الإسرائيلي، ولن يقبل بلفلفة الاعتداء على الأمن القومي اللبناني، كما لن يقبل بسيناريوهات تخفيفية بعد هذا الكلام الكبير والخطير والدقيق، ويأمل ألا تكون كل القصة كناية عن قطبة مجهولة-معلومة استوجبت استحضار إسرائيل.
التعليقات مغلقة.