مرّ يوم 14 آذار “الأصلي” على خير، اذ لم يقم العماد ميشال عون بما كان متوقعاً منه. لم يقلب الطاولة، بل جلس على الكرسي، وبالغ في الإيحاءات من دون أن يدخل في أيّ مواجهة، ومن دون أن ينسى تجهيز السواعد على سبيل الاحتياط للأيام المقبلة التي ربما لا تكون لمصلحة ترشيحه للرئاسة.
الإيحاءاتُ الرمزية في خطاب عون كانت أهم من مضمون المواقف التي اتخذها، فعدم توجيه الدعوة الى السفير السوري علي عبد الكريم علي كانت إحدى هذه الإيحاءات، لكنّ أبلغها تمثّل في غياب “حزب الله” عن الخطاب، لا سلباً ولا ايجاباً، وفي الاكتفاء بتوجيه الاتهامات الضمنية الى الحريرية السياسية، تلك الاتهامات التي لم تحجب درجات الحرارة المتدنية في العلاقة مع “حزب الله”.
الواضح أنّ عون، وفق “الجمهوريّة”، لا يريد أن يجاهر بهذه البرودة بل اكتفى بالتجاهل. تجاهل في كلِّ ما يتعلق بما يهمّ حزب الله، بدءاً من الازمة المتجددة مع السعودية، وصولاً الى مشاركته في الحرب السورية.
في الأزمة الاولى بدا أنّ وزير الخارجية جبران باسيل اكتفى بأن يقوم بما عليه بلا زيادة أو نقصان، من خلال موقفه في الجامعة العربية، لكن وبموازاة ذلك غابت الاحتفالات والعراضات العونية التضامنية المعتادة مع الحزب، واكتفى نواب التيار ومسؤولوه وإعلاميوه، بتبرير ما قام به باسيل، الذي تعرّض من بعض الإعلام القريب من الحزب لانتقاداتٍ غير مسبوقة.
أين يكمن العطب الأساسي في هذه العلاقة التي صمدت عشر سنوات؟ الواضح أنّ عون كان يعتقد أنّ “حزب الله” سيقوم فور ترشيح الدكتور سمير جعجع له، بجهدٍ استثنائي لانتخابه رئيساً، هذا الجهد يعني بكلّ بساطة أن يستعمل الحزب ما يملك من أدواتٍ مؤثرة وفاعلة لتحقيق انسحاب النائب سليمان فرنجية، ولتليين موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهذا ما لم يحصل، لا بل حصل العكس تماماً، حيث اكتفى الحزب بتأييد عون لفظياً، فيما جلس يراقب حلفاءه الآخرين وهم يرتبون تحالفاً ثنائياً مع ثنائي الحريري ـ جنبلاط، ولقد كان كلام عون واضحاً في التركيز على هذا الحلف الجديد، وفي الغمز من قناة “حزب الله” الصامت و”غير المقنع” بالعجز عن التأثير على فرنجية وبري.
بدءاً من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، مروراً بالجلستين الرئاسيّتين الفاشلتين، وصولاً الى ما قد يفشل من جلسات، بات عون في وضع القلق، في انتظار وضوح موقف الحزب، الذي على ما يبدو لن يغيّر في موقفه، ولن يستعمل ما يمتلكه من تأثير لإيصال عون إلى بعبدا، عندها سيطرح السؤال الكبير نفسه: هل يريد “حزب الله” عون رئيساً أم لا؟
رداً على هذا السؤال بدأ يتجمّع بعض المعطيات الذي يدلّ على أنّ موقف الحزب بات أقرب الى الوضوح لجهة نفض اليد من إيصال عون الى الرئاسة، حيث نقل عن وزير الخارجية الإيراني كلامٌ غير ملتبس قاله لنواب ألمان في أحد المؤتمرات، عن أنّ “حزب الله” لا يريد عون رئيساً، وأنه ينتظر التوقيت المناسب لتظهير موقفه.
في المعطيات الموازية لهذا المناخ كشفت معلومات عالية الصدقية، أنّ مسؤول الارتباط والتنسيق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا صارح وزير الخارجية جبران باسيل، بموقف الحزب من ترشيح عون، حيث قال له إنّ الحزب يعتقد أنّ عون لن ينال الغالبية النيابية، وإنّ عليه التصرف بمقتضى هذا الواقع.
وتضيف معلومات “الجمهوريّة” أنّ باسيل لم يبلغ الى عون بعد مضمون هذا الموقف، خشية أن تذهب الأمور الى الأسوأ في العلاقة مع الحزب، وأنّ شيئاً من هذه المعلومات تمّ تسريبه الى أكثر من جهة، في اعتبار أنّ اللقاء بين باسيل وصفا لم يكن ثنائياً.
في أيّ حال، ينتظر الجميع الجلسة الرئاسية المقبلة، وسط أسئلة متزايدة عن موقف “حزب الله”، وحليفيه فرنجية وبري، ولا توحي المواقف في هذا الإطار بأيّ تغيير، خصوصاً لدى فرنجية، الذي يعتقد أنّ مسار الأمور الداخلية والمتعلقة بسوريا، تتّجه لمصلحته.
التعليقات مغلقة.