بمعناه البسيط، إن أحد الشعانين عبارة عن استقبال شعبي ليسوع المسيح، فنقدّم له في هذا النّهار أفضل ما نملك وكلّ الفرح الموجود في داخلنا. “الشعنينة” عيد فرح إلّا أنه لا يكتمل ولا يتوّج إلّا في الفصح والقيامة. أما من الناحية الدينية، فإنه مدخل أسبوع الآلام الذي يتوج بفرح عيد القيامة مثلما بدأ زمن الصوم بفرح عرس قانا الجليل.
غدًا، ستُرفع أغصان النخل (ترمز للانتصار) والزيتون (ترمز للسلام) التي من خلالها كان يتم استقبال الملوك، كذلك هي الشموع التي ترمز للنور، نور القيامة، بالاضافة إلى أنها ترمز إلى كلمة الله التي تنير خطى الانسان. فيُطلّ أحد الشعانين، ويحمل معه ملابس جديدة، بألوان زاهية مبشّرة بالفرح الروحي من جهة، وبفصل الربيع الذي يحلّ الاثنين من جهة أخرى. هذا اليوم الذي يحمل في طيّاته الكثير من الايمان والسلام الروحي، بدأ يفقد أساسه، فنَسي الناس مضمونه وجوهره، وتحوّل الظاهر إلى الأساس. الاستعداد لم يعد روحيًا، بل ماديًّ. ستسيطر غدًا “الاكسسوارات” الخارجية، وكأنها هي العيد.
المفارقة هذا العام كبيرة، ليست بالملابس الملوّنة فقط، ولا حتى بالشموع المزيّنة بأشكال ما كانت لتخطر على بال أحد، لولا إبداع المصممين والتجّار، الذين لا يفوّتون فرصة ليستفيدوا عبر إغراء الاطفال أوّلًا، بأشكال منوّعة، وبالتالي الأهل. بل ستكون القضية الاوسع، وما سيسرق الانتباه بشكل لافت وواضح: الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية (Tablet). فعوض أن تُرفع الرؤوس إلى العُلى، وتُضاء الشموع التي تفحّ نورًا وسلامًا، ستنحني نحو التطبيقات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
غدًا، ستطفح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من “فايسبوك” و”تويتر” و”انستغرام”، بصور كثيرة وكثيرة وكثيرة، لن يسمح لك الوقت بتصفحها كلّها، فأنت أيضًا قد تكون منشغلًا بالتقاط صورك مع العائلة أو الاصدقاء، وكلّ الاطفال المحيطين بك. غدًا سيتوجه الكثيرون إلى الكنيسة، قد لا يسمعون كلام الكاهن، وقد لا يفهمون عظته، إلّا أن الأكيد، أن عددًا كبيرًا، كي لا نجزم، من الحاضرين، سيشاهدون كلّ من حولهم، لينتقدوا ملابس هذا أو ذاك، ليشيدوا بشمعة تلك الطفلة أو ذلك الصبي. سيتذكرون أشخاصًا كثيرين ما التقوهم منذ زمن، فزيارة الكنيسة، وللأسف، أصبحت موسميّة لدى البعض. وبعد ذلك، كلّ في دربه يسير..
التعليقات مغلقة.