أمهات العسكريين المخطوفين لدى داعش إن حكيْن

أم محمد وابنها خلال زيارته في أسره برفقه زوجته غنوة وطفله حسين

 

أمهات العسكريين المخطوفين لدى #داعش قرّرن التوجه في عيد الأم إلى طريق #عرسال التي خطف منها ابناؤهم منذ سنة واحدة و7 أشهر و21 يوماً. أما الهدف من التحرك، الذي تنضم إليه عائلات العسكريين، فيقضي بقطع هذه الطريق في محاولة جديدة، وقد لا تكون الأخيرة، لمعرفة أي خبر عن مصير ابنائهم، عبد الرحيم دياب، خالد حسن، علي الحاج حسن، سيف ذبيان، علي المصري، حسين عمار، محمد يوسف، مصطفى وهبي وإبرهيم مغيط.

ليته سقط شهيداً في الجبهة…

بعد مرور 598 يوماً على اختطاف ابنائهم، تعي كل أمّ انها “أسيرة” حزن عميق وقلق انتظار خبر يقين عن مصير ولدها. هذه حال أم حسين عمار والدة العسكري المخطوف حسين عمار التي أعلنت أنها ستتوجه يوم عيد الأم إلى طريق عرسال، لأنها “تشهد على ذكريات اللحظات الأخيرة التي عاشها ابني قبل اختطافه”.

تتردد أم حسين إلى عرسال في عيدَي الفطر والأضحى وتحاول أن تشمّ رائحة “ابنها على تلك الطريق التي خطف منها.” وقالت: “أبحث في الزوايا عن أيّ خبر عنه، وأتوق أن أكتشف أي جديد، ولكن من دون جدوى”.

ما زالت أم حسين ترفض الاحتفال بعيد الأم في غياب ابنها البكر حسين. وعما إذا كان بقية الابناء سيأتون لمعايدتها قالت: “لن نحتفل بالعيد لأن لا معنى له من دون عودة ابني”. بدا عليها التأثر الشديد، فهي لن تشعر بطعم الفرح طالما تجهل مصير ابنها وقالت:” أنا لا أعرف إذا كان ابني حياً أو ميتاً”.

عندما تشتاق إليه تذهب إلى غرفته لتحمل بين ذراعيها ثيابه الأخيرة التي تركها وراءه قبل التوجه إلى عرسال. قالت: “لم أغسلها حتى الآن. أشتاق إليه فأشمّ رائحته من خلالها. عندما سألناها عما إذا كانت تطبخ الأطعمة التي يحبها، قالت بعتب شديد: “لا أطبخ اي طعام يحبه منذ اختطافه. لم أعدّ التبولة والفتوش والدجاج المشوي واللوبياء الخضراء بالزيت منذ ذلك الحين”.

لا تقوى أم حسين على نسيان زيارتها الوحيدة له بعد 4 أشهر على اختطافه. كان ما زال يرتدي “البيجاما” التي لبسها تحت البذلة العسكرية قبل مغادرته المنزل. شعرت عند لقائه انها أمام شخص لا يشبه ابنها، “جسد بلا روح”.

تصارح أم حسين نفسها متمنية لو كان سقط شهيداً للوطن في أرض المعركة، لكان الأمر أخفّ وطأة من وقع أسره. عادت بالوقائع عند لقائها الوحيد به في السرّ،مشيرة إلى أنه لم يسأل عن حالها بل بادر قائلاً: “شو قصتكم يا أمي عملوا شي، الله يخليكي لازم نطلع من هون…”

أسيرة المنزل والقلق…

بدت والدة العسكري المخطوف سيف ذبيان قليلة الكلام. صوتها مثقل بالهموم لأنّ السيدة سليمة يزبك ذبيان ربت أولادها الـ9 بدموع العين بعد وفاة والدهم. تكرّر الكلام عن القهر اليومي الذي تعيشه هي وعائلتها وزوجة ابنها سوسن وولديه تامر وروي منذ اختطاف ابنها… تعود بالذاكرة إلى اندفاعه لمعايدتها في عيد الأم إن بمهاتفتها للمعايدة أو بالمجيء إليها حاملاً هدية.

عندما سألناها عن معني عيد الأم، قالت: “لا يمكنني أن أشعر بعيد الأم وابني مخطوف. أشعر كل يوم بحزن كبير. لا أخرج من البيت إلا لزيارة قصيرة لوالديّ المسنين. لم أزر عائلة ابني سيف منذ اختطافه، لأنني لاأتحمل دخول منزله دون رؤيته. افضل أن تزورني عائلته في منزلي وهذا يفرحني”.

وعما إذا كان باقي الأولاد والأحفاد سيقصدونها للمعايدة قالت: “لن أجمع العائلة في بيتي قبل عودته إلينا. لم أعدّأطباقاً عدة يحبها سيف منذ اختطافه منها طبق المغربية بالدجاج”. صمتت وأكملت حديثها: “لا أخفي عليك أنني خائفة من كل شيء، أخشى من كل شيء، من المجهول”.

صور سيف تملأ البيت، “صور له في بذة الجيش وأخرى يوم خطبته ويوم عقد قرانه وصور مع عائلته وزوجته وولديه”، قالت الوالدة التي تغوص في تفاصيل شوقها لحنانه، ولعفويته وحبه للحياة وروحه المرحة.

لا تتحمل والدة سيف غيابه، وقد تراجعت صحتها كثيراً وأدخلت المستشفى مرات عدة، والسبب كما قال الأطباء الحزن الشديد الذي تملكها بعد اختطاف ابنها. يتابع ابنها البكر خضر قضية أخيه مع السلطات المعنية، وهو بالنسبة للجميع سند مهم وأساسي. نوهت بابنها خضر الذي “يهتم بالجميع ولا سيما بعائلة أخيه سيف ويهتم بولديه…”

يزورني في الحلم ليؤكد لي أنه عائد

لم تتوقف أم محمد، والدة العسكري المخطوف محمد يوسف، عن البكاء بحسرة عند حديثها معنا. عندما سألناها عن عيد الأم قالت: “أي عيد
تتحدثين عنه وابني مخطوف…”. وأكدت انها “ستنضم إلى الأمهات اللواتي سيتوجهن في 21 آذار إلى طريق عرسال للاعتصام في عيد الأم على أمل أن نعرف أي جديد عن ابنائنا”.

حبست أنفاسها وأجهشت بالبكاء قائلة : “آه، آه… يا ريت ما نوجدت هالطريق من اصلو وما نخطفو ولادنا…”.

لا يختلف حال وسيم وطارق، شقيقي محمد، عن سائر العائلة، بحسب ما قالت. يعيشان الشوق الكبير لمحمد الذي كان يفيض حناناً على أفراد العائلة. توقفت عن الكلام لتبادر قائلة: “شو بدي أقول؟ انا ما بعرف إذا عم ياكول او هوي عطشان أو بردان”. تشتاق أم محمد لاهتمام ابنها اليومي بالعائلة، والذي يتميّز بتقديم هدية لأمه أو وردة حمراء عربوناً لحبه لها في عيد الأم. أضافت: “ولدت غنوة زوجة ابنه محمد صبياً أسميناهيوسف وهو في الأسر، وهو يشبه والده كثيراً في إضفاء حنانه علينا”.

عما إذا كانت تعد المأكولات التي يحبها قالت: “أعوذ بالله. لم أعدّ منذ رحيله الأطباق التي يحبها ومنها كبة الحامض”. اللافت أن أم محمد تقاوم الكم الهائل من القيل والقال الذي ينهال عليها في يومياتها من خلال حلم جمعها مع ابنها المخطوف. قالت: “يأتيني في الحلم، عندما أشعر بضيق كبير من كل ما يتردّد من حولنا”. حكت أم محمد تفاصيل أحد الأحلام التي جمعها بابنها، فقالت: “جاءني في الحلم. رأيت نفسي أسارع في القول له إننا سنلتقي هذا المسؤول في القريب العاجل! فأراه يطمئنني قائلاً أنه سيعود إلينا. في القريب العاجل”.

كلام محمد لأمه يجعلها تستفيق بهدوء في اليوم الثاني… لكنها لم تنهِ حديثها معنا، إلا بالعودة إلى واقع لقائها الوحيد معه بعد شهرين على اختطافه. أخفت أم محمد صورته لكي لا تراه كما كان وتعلق على ذلك قائلة:”جنيت وقت شفت كيف هوي مبهدل…”.

التعليقات مغلقة.