يضع رئيس “معهد أبحاث الأمن القومي” عاموس يدلين حزب الله في صدارة التهديدات التي تواجهها إسرائيل في العام الحالي. احتمال الحرب مع حزب الله وارد دائماً في التقديرات الإسرائيلية.
احتمال تخشاه إسرائيل أم تبادر إليه في لحظة معنية؟ سؤال يطرح شعبياً بشكل تلقائي كلما عززت تل أبيب مناوراتها عند حدودها الشمالية أو عمدت إلى اغتيال أحد قادة المقاومة. ما يعزز هذا الاحتمال تصنيف المقاومة اللبنانية أخيراً باعتبارها فصيلاً إرهابياً من الدول الخليجية ومحاولة محاصرتها على صعد مختلفة.
ما هي الحسابات الإسرائيلية في 2016؟ هل تبادر إلى حرب لإضعاف المقاومة المنخرطة في الأزمةالسورية؟ هل يتعزز هذا التوجه بعدما باتت الأخيرة عدواً مشتركاً لإسرائيل وبعض الدول العربية؟إلى أي حد تصحّ فرضية أن أي حرب الآن هي أقل كلفة بالنسبة لها من أي حرب مستقبلية مع المقاومة؟ حرب تكون فيها الأخيرة انكفأت عن سوريا وتفرغّت لعدوها الأول لكن بعد اكتسابها قدرات نوعية وكمية. هذه الأسئلة يجيب عنها المختص في الشؤون الإسرائيلية والأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور عباس اسماعيل.
تشير التقديرات الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية إلى أن حزب الله غير معني بأن يشن ابتداء حرباً على إسرائيل في المدى المنظور. هذه التقديرات تجد بطبيعة الحال طريقها إلى المستوى السياسي.
في الحسابات الإسرائيلة أكثر من اعتبار يقف وراء هذه الخلاصة.أولاً، حزب الله يخوض معركة قوية في سوريا. ثانياً،أنه سيفكر في الثمن الذي سوف يدفعه في أي حرب مقابل الجدوى.
ولكن ألا تكون المقاومة بوارد أن تشن حرباً لا يعني بالقراءة الإسرائلية أنها بوارد أن تتنازل عن خطوطها الحمراء. يتعامل الإسرائلي مع حزب الله ضمن هذين السقفين. هذا الأمر كان واضحاً في عملية الاغتيال التي طالت مجموعة من المقاومين في القنيطرة، كذلك بعد اغتيال الشهيد سمير القنطار، وأيضاً بعد اغتيال شهيد المقاومة في بلدة عدلون الجنوبية عندما تم تفجير جهاز التنصت.
ثبت لدى الإسرائيلي أن انشغال حزب الله في القتال في سوريا لن يخضعه لقواعد اللعبة الإسرائيلية. لذلك لن يتردد في مواجهة إسرائيل إذا خرقت خطوطه الحمراء، وأكثر من ذلك أن يتدرج في هذه المواجهة. نذكرعلى إثر عملية القنيطرة أصدر حزب الله البيان رقم واحد. قُرأ هذا الأمر في إسرائيل بشكل واضح: حزب الله مستعد للبيان رقم اثنين. بعد أشهر من العملية كشف رئيس الموساد الذي كان رئيس مجلس الأمن القومي حينها أن اسرائيل نشرت سفنها حول منشآتها الغازية في البحر تحسباً لأي مواجهة قد تخرج عن السيطرة.
صحيح أن تقديرات إسرائيل تتحدث عن احتمال متدن للحرب مع حزب الله. لكن السيناريو الذي يقلقها هوأن يؤدي أي حادث إلى تصعيد وربما إلى حرب. لذا كان الجواب الإسرائيلي على رد المقاومة إثر اغتيال شهداء القنيطرة شبه معدوم، لأنها تخشى تدحرج الأمور.
من هنا فإن الحديث عن مبادرة إسرائيل إلى حرب تستغل فيها انشغال المقاومة في سوريا يبقى في إطار التقديرات الضعيفة.
تعتقد إسرائيل أن قدرات حزب الله المعدة لمواجهتها لم توظف في سوريا. المقصود تحديداً القدرات الصاروخية. أكثر من ذلك هناك خشية تم التعبير عنها بأن الكفاءات والقدرات القتالية لدى المقاومة تطورت نوعياً. قبل الحرب في سوريا كانت استراتيجية المقاومة دفاعية. الآن باتت تمتلك نظرية هجومية قد تكون ترجمتها الدخول إلى فلسطين المحتلة والسيطرة على مستوطنات. السيد نصرالله أعلن ذلك والإسرائيليون يعتبرونه سيناريو واقعياً ويستعدون له.
تعي إسرائيل جيداً قواعد اللعبة مع حزب الله وتوازن الردع الموجود. أقصى ما يمكن أن تعد به أن تلحق الدمار بلبنان. منذ عام 2006 لم يعد يصرّح أي مسؤول إسرائيلي بأنه يمكن هزم حزب الله.
بعد الجولات الثلاث في قطاع غزة بات واضحاً للجميع بأن الجيش الإسرائيلي بات يفقد القدرة على الحسم البري.إذاً، أي آفاق لاعتداء إسرائيلي محتمل على لبنان؟ لم نتحدث بعد عن الضرر الذي سوف يلحق بإسرائيل. كلامهم المعلن عن أن جبهتهم الداخلية كلها ستكون هدفاً لحزب الله. قدرات الحزب سوف تشل إسرائيل من الناقورة حتى ديمونا وسوف تطال منشآت استراتيجية.
أمام هذا الثمن: ما هي الجدوى التي ستجينها إسرائيل؟
تشابك الساحات.. جبهة واحدة
انطلاقاً من هذه المعطيات تقدم إسرائيل نفسها في خطاباتها على أنها منكفئة عن العدوان. تعبّر عن سياستها بالحديث عن مصالح وخطوط حمراء وقواعد اللعبة التي تحرص عليها. الأمر نفسه يفعله حزب الله. كلا الطرفين غير معنيين بمواجهة مفتوحة ولكنهما أيضاً غير مستعدين للتنازل عن خطوطهما الحمراء.هناك فارق بسيط في هذا الإطار. تدرك إسرائيل بأن حزب الله تجاوز كل الخطوط التي رسمتها. أحياناً تبادر إلى قصف شحنات سلاح للحزب أو تضرب مجموعات أو بنى تحتية للمقاومة بذريعة تجاوز الخطوط الحمراء.
في هذا السياق، تقول إنها ضربت شحنة وتعلن في الوقت نفسه أنه دخل إلى لبنان شحنات. هذا يعني أن الحزب تجاوز الخطوط المرسومة وأن إسرائيل تبادر إذا أمكن لها اكتشاف “تجاوزات” الحزب الحمراء في ساحة مريحة لها، ولكنها تدرك في النهاية بأن الخطوط الحمراء لم تمنع الحزب من مراكمة قوته.
تريد إسرائيل أن تمنع الحزب من الحصول على أسلحة كاسرة للتوازن. تحاول ذلك قبل أن يصل السلاح إليه ولكن عندما يصبح في لبنان تمتنع عن الاعتداء عليه. لماذا؟ لأنها تعتبر بأن قواعد اللعبة في لبنان هي غيرها خارج لبنان وأنها لو تعرضت للحزب في لبنان فإنه سوف يعتبر أن إسرائيل مست بالخطوط الحمراء وسوف تدفع الثمن.
في السياق نفسه يمكن إدراج حديث وزير الحرب موشيه يعالون ومن قبله نتنياهو عن خط أحمر في الجولان بالنسبة لإيران وحزب الله.كلاهما يدرك الآن وجود موطئ قدم لحزب الله على تلك الجبهة.
ربطاً بالساحة السورية لا بد من الإشارة إلى أنه بعد تدخل حزب الله باتت إسرائيل تتعامل مع سوريا ولبنان باعتبارهما ساحة واحدة، وليس جبهتين منفصلتين عند حدودها الشمالية. هذه نقطة هامة لإسرائيل عندما تقارب موضوع التهديد من الشمال.لا ننسى أن السيد نصرالله أعلن عن ذلك في إطار الحديث عن تغيير قواعد الاشتباك.
من هنا المناوارات المتكررة للتعامل مع حرب محتملة على جبهتين. باتت إسرائيل تستنفر وتستعد من الناقورة حتى الجولان إذا حصل أي عمل على هذا الخط. هذا الأمر بطبيعة الحال بات يحتاج إلى جهد جديد وموارد أكثر.
التعليقات مغلقة.