‏عشانك يا سارة خطفت الطيارة : تعويض القلق بالسخرية

 

انتهت ملهاة خطف الطائرة سريعاً. لم تستغرق أكثر من ساعات النهار، التي كانت كافية لتتحول إلى مركز الاهتمام المصري، لا بوصفها عملية إرهابية مقلقة، لكن بوصفها لوحة جديدة على جدارية المسخرة المصرية اليومية.

لم يستقبل الرأي العام المصري الخبر بالجدية المتوقعة مع مثل هذه الأخبار، ولم تتعامل معها وسائل الإعلام بالاحترافية اللازمة بالحصول على المعلومات، بل سارعت لعرض كل ما وقع تحت أيديها من الأجهزة الأمنية دون تدقيق يذكر.

حتى ساعات الصباح الأولى لم يصدر أي بيان عن أي جهة رسمية مصرية. صمت مطبق حتى العاشرة صباحا، باستثناء التسريبات التي مررتها إلى المواقع والصحف والقنوات المحلية، تحوي كثيراً من المعلومات المتضاربة المبهمة حول هوية الخاطف ومطالبه، وانتشر الخبر ونقيضه في ساعات الصباح الأولى. وكانت مواقع التواصل تواكب المدخلات الجديدة بالسخرية والاستخفاف الكامل بخطورة مثل هذا الحدث.

تالياً، خرج وزير الطيران المدني شريف فتحي في مؤتمر صحافي عاجل، ليقول إنه لن يصرح بالمعلومات التي يمتلكها لدواعٍ أمنية، باستثناء ما يعلمه الجميع بالفعل أن هناك طائرة مخطوفة، في مطار لارنكا القبرصي، وأن الخاطف قد أخلى سبيل المخطوفين المصريين، مبقياً على السبعة الأجانب من ركاب الطائرة وطاقمها.

كان المؤتمر الصحافي غريباً في توقيته ومعلوماته، ولم يفهم أحد من حاضري المؤتمر جدواه حقيقة، إذ كان من الممكن أن يكتفي الوزير ببيان رسمي مقتضب فيه المعلومات التي تحدث فيها، خصوصاً أنه تهرب من أسئلة الصحافيين عن الاحتياطات الأمنية في مطار برج العرب، تلك التي تمكن أحدهم من الدخول بحزام ناسف بهذه السهولة، دون أن تكشفه إجراءات التفتيش على أبواب المطار.

ووسط شح في المعلومات الرسمية، تحركت وسائل الإعلام لمحاولة معرفة هوية الخاطف، وانتشرت أخبار حول أستاذ جامعي بكلية الطب البيطري في جامعة الإسكندرية إبراهيم سماحة، كما نقلت شاشة “سي بي سي إكسترا” الإخبارية صورة “باسمة” للخاطف تحت الاسم الخاطئ، وقد زين الحزام الناسف خصره، وبدأت تنتشر أخبار لا معقولة عن أن الخاطف قرر الهبوط في قبرص لأنه أراد رؤية طليقته، وانتشرت التحليلات المكتوبة والمتلفزة حول “الحب” كدافع للخطف، دون أي معلومة تؤكد هذا الزعم.

لم يهنأ محبو الدراما بهذا السبب الفانتازي كثيراً، بعدما خرج سماحة ليتكلم ويؤكد أنه أحد “المخطوفين” المفرج عنهم من خاطف الطائرة، وانهارت كل أساطير المحبة المجنونة التي ملأت المواقع الإخبارية لساعات، وتلقفتها مواقع التواصل كي تدلي بدلوها في الحكاية. وانتشر هاشتاغ ‫#‏عشانكياسارةخطفتالطيارة ليبرز المساحة الفكاهية في مصر، وليس أقلها القول: “فى السينما المصرية، البطل يوقف القطار علشان حبيبته، إنما يخطف طياره.. احنا كده وصلنا إلى هوليوود”! بينما انتشر مقطع فيديو لركاب في طائرة مصرية، يصفقون ويحتفلون، وحمل الشرح: “المصريين لما عرفوا انهم مخطوفين ورايحين قبرص”.

وخلافاً للشائعات والمعلومات المتضاربة ونظرية المؤامرة المصرية الحاضرة دوماً، التي عبر عنها رجل كل العصور، الكاتب الصحافي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري في حسابه في “تويتر”، أخذ الحادث مساحته الافتراضية بتصدر وسوم مثل #الطائرة_المخطوفة في “فايسبوك” و”تويتر”، حيث غاب الاهتمام الفعلي لصالح السخرية بالحدث، ربما لخبرة مصرية سابقة أن كل حدث مصري هو مسخرة بالضرورة ولن يؤدي إلى شيء حقيقي خيراً أو شراً.

القلق الأساس، في غياب تساؤلات الصحافة عن خطورة التسيّب الأمني في المطارات المصرية أولاً، ثم عدم تثبتها وراء الأخبار التي تنشرها معتمدة على الرواية الرسمية أو وكالات الأنباء العالمية، ما يؤكد أن مهنة الصحافة تحولت إلى ناسخة لجهد الغير دون أي اجتهاد أو بحث يذكر؟ –

التعليقات مغلقة.