بين “الارباك” والترتيب “التكتيكي” هل انتهى الحراك؟

مجموعة حراك لهون وبس

لى الرغم من فقدان لماعيته، يبدو أن السياسيين وأصحاب السلطة في لبنان أن يستريحوا من “الحراك الشعبي”، لكن يعتقد مراقبون أن الحراك “مات” ولن يستعيد بريقه ،فيما يعتبر أخرون أن حال الخمول التي نلاحظها اليوم ليست سوى مؤشر طبيعي لحراك شعبي انطلق وكبر حجمه بسرعة ومن الممكن في أي فرصة أن يعود أقوى.

حملات المجتمع المجتمع المدني هادئة لكنها لم توقف نشاطاتها، فالأحد الماضي أطلت حملة “طلعت ريحتكم” بالشارات البيضاء التي وزعت على المواطنين عند مداخل بيروت، للتضامن مع النظافة ضد أزمة النفايات وما قد تتسبب به من أمراض كالكوليرا، والخميس الماضي أيضاً بمسيرة شموع من المتحف الى عين المريسة، للتعبير عن السلمية في التحركات. وعلى الرغم من ذلك لم نشهد منذ 29 آب أي تظاهرة حاشدة شبيهة ولم يسجل الاعلام أي أعمال شغب منذ 8 تشرين الأول، فيما تستعد حملة “بدنا نحاسب” لمسيرة من البربير إلى ساحة رياض الصلح في 22 تشرين الثاني.

بالنسبة إلى الدكتورة في العلوم السياسية فاديا كيوان فإن “الحراك يمر في مخاض طبيعي لأنه حراك حكمت الظروف أن يخرج إلى العلن وأخذ حجما كبيرا بسرعة، والتقى اشخاص لديهم حساسيات مع بعضهم، ومن الطبيعي أن تحصل لحظة خمود أو تراجع بسيط”، معتبرة أن “ذلك لا يعد مؤشر تراجع بقدر ما هو مؤشر طبيعي في أي مسار ينطلق بسرعة ويأخذ وهجا كبيرا وتواجهه تحديات ومعوقات كثيرة ومن الطبيعي أن يحصل الخمود أو مذاكرة داخلية”.

فيما دكتور علم الاجتماع العميد في الجامعة اللبنانية طلال عتريسي يعتبر أن “الحراك وصل إلى طريق مسدود ربما لأنه لم يتمكن من تحقيق أي انجاز فعلي ولأنه حصل خلاف بين مكونات الحراك على الأولويات والشعارات الكبيرة التي رفعت والعناوين الاساسية”، مشيراً إلى أن “هذه الاسباب ويضاف إليها الانقسام في المجتمع اللبناني، أدت إلى فقدان الحراك وهجه وزخمه، وكان هناك تأييد كبير للحراك في بداياته لكن ذلك تراجع أيضاً”.

عودة… لا عودة

هل يعود وهجه؟ تجيب كيوان: “من المفترض ذلك، وكل وهج وله وقته، ومن المفترض أن يكون لدى الحراك وضوح أكثر في الرؤية ولا استبعد ان تحصل تحولات داخل الحراك بمعنى أن تنفصل أفراد عن أفراد ويصبح هناك اجندات واضحة أكثر عند الذين سيكملون الطريق”. وتقول: “لا نريد أن نعتبرها لحظة تراجع وانهزام لأن الحراك حقق مكاسب للرأي العام اللبناني لا تقاس، فهو خلق يقظة لدى الناس وضغطاً كبيراً على الطبقة السياسية الفاسدة التي كانت تتعامل في شكل مجرم مع موضوع البيئة، وولم يعد أحد يستطيع أن يتجاوز الأسئلة التي يطرحها الحراك الشعبي، وبات الرأي العام ينتظر الحلول ولديه وضوح في رؤية المخاطر بالبيئة والهدر ومكامنه، ولا يمكن تجاهل هذه المكاسب”.

وتقول كيوان للسياسيين “لا ترتاحوا أبدا لأن الشعب بات لديه الوعي ولن يتراجع عن مساءلته في العديد من القضايا بداية من موضوع البيئة والنفايات”.

في المقابل يستبعد عتريسي أن “يستعيد الحراك لمعانه، لأن الفرصة الذهبية أتت مع أزمة النفايات، واليوم تحولت الأزمة إلى سجلات حكومية وجزءاً من موضوع الحوار ولم تعد ورقة بيد الحراك، وكأنه خسرها، وبالتالي أي أمر مستقبليا لا اعتقد أنه سيكون له الزخم والاهمية نفسهما كمشروع قانون الانتخاب مثلا، ولم تعد الورقة بيد أصحاب الحراك، بل عادت واستردتها الهيئات السياسية والحكومية وباتت هي تبحث موضوع النفايات وغيره”.

ترتيب تكتيكي

ناشطو الحراك يصرون على “عدم انتهائهم”، ويؤكد الناشط في حملة “طلعت ريحتكم” طارق ملاح لـ”النهار” أن “الحراك لم ينته ولم نمل ومستمرون .وآخر نشاطتنا كانت الأحد والخميس الماضيين، وليس هناك ما يمكن أن يوقفنا”، ويضيف: “ندرك أن هناك تخبطاً وتعارك لدى أصحاب السلطة ونحن تركناهم حتى يرى الرأي العام الحقيقة في الجهة التي تعطل الحلول، لأنهم سبق وأتهمونا اننا المعطلون، ويبدو إلى الان ليس هناك من حل لأزمة النفايات، فهم يريدون السرقة ولا يعرفون كيف”.

ويعد ملاح السياسيين بـ”خطوات مفاجئة، لكننا الان ننتظر ماذا سيفعلون في شأن الأزمة وكيف سيحلونها وكيف سيزيلون النفايات من الطرق، فالكوليرا على الابواب و”آخر همهم””، معتبراً أن “الحق على جزء من الشعب لا يزال يركض خلف المسؤولين”، مشيراً إلى أن “الحملة تعيد ترتيب العمل تكتيكياً حتى نكون واضحين في المطالب أو التحركات فموضوعنا ينحصر بالنفايات فقط ولا شيء آخر، وأي جمعية أو حملة تعمل على موضوع آخر فلا علاقة لنا به”.

“ارباك… ونعترف”

ويلتقي علي رمضان أحد ناشطي حملة “بدنا نحاسب” مع ملاح، ويشدد على أن “الحراك لا ينتهي، لكنه يمر في مطبات وأحيانا تكون مرتفعة أو أحيانا متدنية، فالحراك ليس وليد كبسة زر لانطلاقه وانهائه بلهو فعل شعبي غير منظم وبالتالي أحيانا يمكن أن يكون في حال تراجع أو تقدم”.

لماذا التراجع الان؟ يجيب: “بعد تظاهرة 8 تشرين والهجمة التي قامت بها السلطة على مجموعات الحراك بالاعلام والأمن والقضاء حصل نوعاً من الارباك لدى مجموعات الحراك وشعر الناشطون أنهم جميعاً مطلوبون للقضاء، خصوصا أن الأخير بالنسبة إلينا كان جهة أساسية نراهن عليه باستقلاليته”، ويضيف: “حصل ارباك ونعترف بذلك، وكان من المفترض أن يكون لدى مجموعات الحراك خطة بديلة لمواجهة السلطة وعنفها والحالة الاعلامية التي حاولت السلطة ان تصوب عليها في اتجاه الحراك ويجري العمل حاليا على ذلك”.

وعلى الرغم من ذلك، يؤكد رمضان أن ساحتي الشهداء ورياض الصلح ستشهدان تحركات جديدة “ونحن سنتحرك في 22 تشرين الثاني في مسيرة تبدأ من البربير وتنتهي في ساحة رياض الصلح وسنضع اكليلاً على نصب الجندي المجهول في المتحف، قبل ذلك لا تحضيرات معينة لكن ذلك لا يعني ليس هناك شيء”.

التعليقات مغلقة.