القارة السمراء : الجاليات اللبنانية في دائرة الخطر

الجاليات اللبنانية في معظم بلدان القارة السمراء والتي هاجرت منذ نهاية القرن التاسع عشر، بحثاً عن لقمة العيش وهرباً من الحرب الأهلية والإعتداءات الإسرائيلية، عملت بجهد كبير وأثبتت مهاراتها، حتّى أضحت رقماً صعباً في المعادلة الإقتصادية لبعض تلك البلدان، وعنصراً داعماً لإقتصاد لبنان، ودفعت أثماناً باهضة من أرواحها وممتلكاتها على مر السنين خلال الإنقلابات العسكرية المتكررة والصراعات الإثنية التي حصلت في معظم الدول الإفريقية، ومنها النكبة الكبرى التي تعرضت لها في ليبيريا عامي 1989 و1996، وأسفرت عن تهجير أبناء الجالية، بحيث كان يعيش انذاك في ليبيريا 15 ألف رجل أعمال لبناني يسيطرون على معظم مفاصل النظام الإقتصادي، ولم يبق منهم أكثر من 300 شخص. هذه الحوادث امتدّت إلى دول إفريقية أخرى مثل الكونغو، سيراليون، نيجيريا، ساحل العاج، وإن بنسب مختلفة.

التحديات اليوم أمام الجالية اللبنانية في بلدان أفريقيا تتضاعف وتزداد خطورة، مع توجه أنظار العالم إلى استغلال موارد القارة البكر التي تمتلك كنوزاً طائلة من المعادن والطاقة، حيث تحوز ثلث احتياطي الثروات المنجمية في العالم، و40 % من الذهب، وحوالي 90 % من البلاتين والكروم، وتضم خمس احتياطي الماس، فضلاً عن اليورانيوم، و60 بالمئة من أراضيها صالحة للزراعة وغير مستغلة. أمام هذه الصورة تُطلق على القارة تسميات “خزّان العالم” و”قارة القرن الحادي والعشرين” و”قارة المستقبل الإقتصادية”.

هذه الدول ترى في نجاحات اللبناني هناك منافسة قوية، ويبقى التحرك الإسرائيلي الخطر الأكبر الذي يهدّد حاضر الجالية اللبنانية ومستقبلها، ويهدف إلى إقتلاع اللبنانيين من أفريقيا، وضرب مصالحهم والإقتصاص من نجاحاتهم. هذا الواقع أشار إليه رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والإستراتيجية الدكتور وليد عربيد الباحث في الشأن الإفريقي، والمتابع لنجاحات اللبنانيين هناك وبعضهم تربطه بهم صداقات كوزير البنى التحتية والأشغال في حكومة الكونغو ناظم حدرج اللبناني الأصل من بلدة حناويه الجنوبية.

عربيد وفي حديث لـ ” لبنان 24 ” تحدث عن نجاحات الجاليات اللبنانية في بلدان أفريقيا وثقلها وحضورها في مجمل القطاعات الإقتصادية، وأشار بالمقابل إلى تهديد مصالح هذه الجاليات من جرّاء الأزمات السياسية والصراعات القبلية والإثنية بين شعوب تلك القارة، حيث تعرضت مصالح اللبنانيين في محطات عديدة إلى السرقة والنهب، وآخرها ما حصل في كلّ من مالي وأفريقيا الوسطى والغابون، وما يحصل في جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلاف حول من يخلف الرئيس جوزف كابيلا.

أفريقيا قبلة الإستثمار

عربيد لفت إلى أن القارة الأغنى بمواردها والأكثر فقراً، وستكون قبلة الإستثمارات الدولية ، لاسيّما الأوروبية والأميركية منها، كونها مصدراً للموارد الخام وسوقاً لتصريف السلع المصنّعة، وهي تتمتع بعدد كبير من مقومات الإستثمار، “وفي هذا الإطار يأتي كلام رئيس حكومة فرنسا مانويل فالز، عندما وصف أفريقيا بقارة القرن الحادي والعشرين، كونها محط اهتمام المجتمع الدولي نظراً لثرواتها الطبيعية الهائلة الغير مستخدمة، من هنا يدخل العامل الدولي في الصراعات التي تشهدها بعض بلدان القارة في دعم هذه الجهة أو تلك كالأزمات في الغابون والكونغو وجنوب السودان، والتي لا يمكن فصل المصالح الدولية الإقتصادية عنها. واللبناني يدفع أثماناً في ظل هذا الصراع الدولي على القارة الإفريقية ، ورغم أنّه أصبح من صلب نسيج المجتمعات الإفريقية ، ولكن يُنظر إليه من خلال بعض المقاربات الإفريقية على أنّه المتمم للإستعمار، الذي كانت تمثله كل من فرنسا وبريطانيا”.

عربيد أشار إلى أنّ النجاحات اللبنانية تخطت الجانب الإقتصادي إلى السياسي “في الكونغو الديمقراطية، يلعب وزير الأشغال والبنى التحتية اللبناني الأصل دوراً مهماً في عقد طاولة الحوار الوطني لإيجاد تفاهم بين القوى السياسية الكبرى على قاعدة الديمقراطية التوافقية، مستخدماً لحزبه السياسي الذي يدعى “تيار المستقبل” شعار “الكونغو أولاً ” ويدعو إلى وحدة الكونغو وتعزيز الإستقرار السياسي ومحاربة الفقر والبطالة”.

خلية أفريقيا

وأمام المخاطر التي تتعرض لها الجاليات اللبنانية في بلدان أفريقيا طالب عربيد الدولة اللبنانية وتحديداً وزارة الخارجية ومديرية المغتربين باعطاء الأولوية للجاليات هناك، وتأليف خلية أزمة تسمى “خلية أفريقيا”، تأخذ على عاتقها متابعة أوضاع الجاليات اللبنانية هناك، والتدخل عند أي طارىء لحماية مصالحهم عند حصول تطورات قد تعرض مصالحهم للخطر، كما هو الحال اليوم في الغابون والكونغو، “هناك حالة فقر كبيرة، وينظرون الى المغترب اللبناني على أنّه يملك المال والاقتصاد ، والهجوم على الأجانب يكون باتجاه اللبناني والأوروبي، ولكن دول اوروبا تقف الى جانب مواطنيها المغتربين وتحميهم، بينما اللبناني يحمي نفسه فقط في حال كان حاملاً لجنسية أخرى غير اللبنانية، من هنا نطالب بضرورة إقامة سياسة افريقية واضحة تحمي مصالح اللبنانيين وتعزز العلاقات الإقتصادية مع دول القارة”.

على أمل أن تلقى دعوة عربيد آذاناً صاغية، لا يجب أن نكتفي بالفخر حيال إنجازات اللبناني أينما حلّ في أصقاع الأرض، بل لا بدّ من حماية هذه النجاحات، لأن لبنان لا يقوم سوى بجناحيه المقيم والمغترب.

التعليقات مغلقة.