تدخل دانيال حنا حانة Junkyard، في منطقة مار مخايل، حاملة اللابتوب بيدها اليمنى والسماعات في يدها اليسرى. تنظر إلى الموجودين، ملقية عليهم إبتسامة خجولة. تتجه نحو المنصة، تضع أغراضها في مكانها المناسب، ثم تتأكد من جهوزية الـ”ميكسر”، لتبدأ استعداداتها للسهرة.

ورغم إنشغال الحاضرين ببعض الأحاديث الجانبية، تهمس إحداهن، ممازحة أن “أحلى شي صار أنو الدي جي بنت”. والواقع أن العبارة هذه، لا تعكس “مزاج” المستمعة فحسب، بل تشير إلى إتجاه بدأ في “دي جي”، وهو إزدياد عدد النساء العاملات في هذه المهنة.

لا يكف الرواد عن مراقبة دانيال في أدق تفاصيل عملها. حركة يديها على الأقراص الموجودةن إنتقالها من أغنية إلى أخرى، ومحاولتها تركيب الريمكس المناسب للجو. هذه النظرات التي اعتادت عليها دانيال، تعتبرها محفزاً أساسياً لنجاحها في هذه المهنة، التي بدأتها منذ سنتين.

“في السابق، كنت أُحرج عند ظهوري أمام الجميع في الحانات، أو النوادي الليلية. الخطوات التي أقوم بها، كإلقاء التحية على الموجودين، كانت تربكني”، تقول متذكرة لحظة قدوم أحد الشبان لإلتقاط الصور معها. “استغربت كثيراً هذا الموقف. لم أعتد مجاراة الآخرين، إلا أنني وبعد دخولي هذا المجال، أصبحت أكثر مرونة مع المعجبين”.

من التسويق إلى الموسيقى

لم تكن دانيال تتوقع أن يأتي اليوم الذي ستلقب فيه بـ”دي جي”، رغم حبّها الموسيقى منذ صغرها. فكان الأصدقاء يصفونها بـ”ملكة الدربكة”، لكثرة ممارستها الدق على الدربكة خلال الرحلات المدرسية.

تضاعف اهتمام دانيال بالموسيقى شيئاً فشيئاً، وهي في 17 من العمر، لتنتقل إلى تعلم العزف على الغيتار بمفردها. “كنت ألعب الموسيقى بين الأصحاب، وفي الحفلات المغلقة داخل المنزل، ولم أفوت فرصة للتعلم من هذا وذاك، ومراقبة العازفين، كي أتمكن من إيجاد الإيقاع والعزف المناسبين”.

ورغم شغفها بالموسيقى إختارت، عند دخولها الجامعة، اختصاص التسويق والإعلان. “فكرت في مستقبلي أكثر. فالموسيقى هي الحب، بينما اختصاصي للعمل والحصول على وظيفة”، تقول من دون أن تنكر اهتمامها بالتسويق كجزء أساسي من حياتها.

في العام 2014، عادت إلى الموسيقى واضعة أمامها هدف تعلمها. فبدأت بالـ”ميكسينغ” مع إحدى صديقاتها، كتجربة أولية لأدائها. ثم شاركت رفيقاً لها، في إحدى الحانات الليلية، في لعب الموسيقى، حتى تمكنت من إتقان كل الخطوات التي تؤهلها لأن تكون “دي جي”.

لم تنتظر مجيء الفرصة إليها، بل حملت تجربتها وأحلامها، وجالت على مختلف أنواع الحانات والنوادي الليلة، مقدمة نفسها كموزعة موسيقية. حتى وقع عليها الاختيار مع افتتاح The village، في منطقة ضبية، في العام 2015، لتكون أول “دي جي” فتاة تفتح حانة جديدة.

انتقلت، في العام نفسه، إلى بدارو في بيروت حيث لعبت الموسيقى في Dray، خلال العطل الأسبوعية. بالإضافة إلى ذلك، استلمت فقرة التوزيع الموسيقي ضمن برنامج “أكشن يا عيال”، الذي يعرض على شاشة MBC. وتعتبر دانيال أن تجربتها على الشاشة وضعتها أمام مسؤولية كبيرة، وأثبتت قدراتها العملية في هذا المجال.

إحداث فرق

لكن خيار دانيال لم يكن مقبولاً من عائلتها. “ماذا يعني أن تضعي موسيقى في الأماكن الليلية؟ ليس عملاً يليق بفتاة”، هكذا كان جواب الأهل عند معرفتهم قرار ابنتهم. لكن سرعان ما تبدل رأيهم، بعد إصرار دانيال على هدفها. “تمكنت من التأثير على قرارهم، نظراً لحبي الموسيقى، ومعرفتهم مدى سعادتي عندما أمارس هذه المهنة”.

أما المنافسة في هذه المهنة فلها طعم “أنثوي”، مع بدء بروز فتيات “دي جي”. ذلك أن “أصحاب الحانات يفضلون النساء على الرجال، بهدف تغيير الصور النمطية، التي تعتبر أن دي جي للرجال فقط. ولجذب عدد أكبر من الرواد للاستماع إلى موسيقى تقدمها امرأة”، تقول.

ودانيال ليست الوحيدة التي خرقت العادة المتعارف عليها، هناك ريتا غطاس التي تلعب الموسيقى الخاصة بها، بالإضافة إلى كلويه وغيرهن. وترى دانيال أن هذا الظهور النسائي باستطاعته تغيير المعادلة السائدة وإحداث فرق في المجتمع، بهدف تحقيق نجاحات مستمرة للمرأة.

سارة حطيط

التعليقات مغلقة.