مثال عن الممكن والمفيد

منذ أيام قليلة، قرر المكتب المعني بتجهيز الجيش الفرنسي الامتناع عن شراء طائرات الاستطلاع الإسرائيلية من دون طيار (درونز) من ماركة “سكاي لارك” التي تنتجها شركة “ألبِيت” للصناعات الحربية الإسرائيلية.

الصفقة كانت مقدرة بـ100 مليون يورو. وهي المرة الثانية التي يستبعد فيها الجيش الفرنسي الحصول على تجهيز مماثل من إسرائيل، إذ رفض منذ عام، في مطلع 2016، شراء طائرات الاستطلاع الحربية الإسرائيلية “ووتشْ كيبر” التي تنتجها الشركة نفسها.

يمكن اعتبار الفشل تجارياً بالدرجة الأولى، كما يقول على أية حال بيان صادر عن حملة المقاطعة الفرنسية. وهذه جزء من” الحملة العالمية للمقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ” BDS التي أطلقتها 171 جمعية ومنظمة فلسطينية في 2005، بعد عام على قرار “محكمة العدل الدولية” في لاهاي بعدم قانونية جدار الفصل، وهو الحكم الذي بقي بلا أي تنفيذ أو حتى متابعة.

ويدير حملة المقاطعة مذّاك مكتب أنشأته للغرض هذه الجمعيات، ولها فروع في العالم كله. وقد استفزت السلطات الإسرائيلية فاعتبر نتنياهو في خطاب رسمي أنها تمثل “تهديداً استراتيجياً”، واتّخذ ترتيبات عملية لمحاربتها.

حملة المقاطعة الفرنسية شنّت على امتداد العام الفائت حملة شعبية ضد شراء هذه الطائرات شملت وقفات في عدة مدن فرنسية، ونشْر بيانات تُثبت تورّط الـ”درونز” في القتل.. الذي يستند على الاستطلاع !

كما أثبتت أن شركة “ألبيت” المصنِّعة لها تستخدم الفلسطينيين كحقل تجارب لأسلحتها قبل تسويقها، وتنتج كذلك الفوسفور الأبيض، وهو سلاح كيميائي محرّم دولياً وكان ألقي على نطاق واسع، وبشهادة الصليب الأحمر الدولي، على سكان غزة في عدوان 2009 (وأعيد استخدامه في عدوان 2014 على القطاع، واستخدم في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكذلك في عدوان صيف 2006)..

كما أرسلت الحملة عشرات آلاف البطاقات البريدية لرئيس الجمهورية الفرنسية، يعلن فيها مُرْسِلوها أنهم يناهضون شراء فرنسا لأسلحة من إسرائيل، ويدينون تحديداً الصفقة التي كانت في طور التفاوض، طالبين الامتناع عنها.

تقول الحملة أنها سعيدة بالنتيجة، من دون التفاخر أو الادّعاء بأنها حصلت بفضلها. فالفشل، وإنْ تجارياً، يثبت أن ما تنتجه إسرائيل وتسوّقه ليس أفضل الموجود عالمياً والأكثر تطوراً تقنياً كما تدّعي.

وأوردت الحملة خلاصة هامة تدين اقتناء الطائرات من دون طيار إجمالاً واستخدامها، باعتبارها سلاح قتل للمدنيين يتسبب بكوارث في فلسطين وفي سواها، وسواء كانت الطائرات إسرائيلية أو كانت منتجة من شركة “تاليس” التي فازت بالعقد.

هل كان لهذا التحرك أثرٌ في قرار الامتناع الفرنسي؟ ربما حفّز على تجنب “مشكلة” إضافية وسط الأجواء المرتبكة أصلاً في البلاد، ربما أضاء على انتهاكات إسرائيل فيما هي تهاجم الدبلوماسية الفرنسية لمجرد نيتها عقد اجتماع دولي في باريس حول الحلّ في فلسطين.

ربما يأتي بعد قرار مجلس الأمن بإدانة المستوطنات وتوسيعها، المتخذ في أواخر أيام العام المنصرم.

ولكن التحرك المنتظم والمتواصل والعنيد هو نموذج أو مثال لما يمكن للناس القيام به. هو الممكن والضروري.. والمفيد !

نهلة الشهال

التعليقات مغلقة.