جندي اسرائيلي يتحدث عن حرب لبنان السابقة ونجل نصر الله

“وجدت موقعا مهجورا، ومُدمرا”.. قال الجندي الاسرائيلي السابق ماتي فريدمان بعد تفقده موقع “دلاعت”، حيث كانت الجنود الاسرائيليون يتمركزون في حرب لبنان التي بدأت بتاريخ 6 حزيران 1982 وانتهت في يوم واحد في شهر أيار عام 2000، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية وهدم مواقعهم ومن بينها موقعي “دلاعت”، و “بوفور”.

وأضاف الصحافي والأديب الإسرائيلي- الكندي فريدمان، في مقابلة معه حول كتابه الجديد “دلاعت- نقطة عسكرية في لبنان”: “عندما رأيت الموقع خاليا ومُدمّرا، شعرت بشعور قوي، فبدأت أفكر بشكل مختلف في الفترة التي خدمت فيها في لبنان. في الموقع المهجور، بدأت أفكر بحجم الوهم. إن إرسال جنود شبان إلى منطقة خاضعة للسيادة اللبنانية، احتجازهم في نقطة عسكرية على تلة والتوضيح لهم أن هذه النقطة العسكرية ونقاط أخرى في القطاع الأمني تهدف إلى الحفاظ على البلدات في شمال إسرائيل، هو عمل جنوني”.

وبحسب موقع “المصدر” الاسرائيلي، ورداً على سؤال “هل تعتقد أنه يمكن أن نتعلم من كتابك شيئا ما، حول تعامل إسرائيل اليوم مع “حزب الله”؟، قال: “ترتبط كل معرفتنا حول ما هي الحرب، بما حدث في لبنان. لا شك أن إسرائيل قوية عسكريّا. كذلك حزب الله قوي وحكيم أيضا. مثلا، حزب الله أقوى من إسرائيل في مجال استخدام الوسائل الإعلامية. كان حزب الله أول من عرف الاحتمال الكامن في الوسائل الإعلامية وكيف يمكن استغلالها لصالحه”.

وأضاف: “بصفتنا جنودا، شهدنا حالة من حرب في القرن الحادي والعشرين، حرب من نوع آخر لم تعرفه إسرائيل حتى ذلك الحين. كانت هذه الحرب نموذجية للحروب التي تورطت فيها مثلاً الولايات المتحدة الأميركية في العراق، أفغانستان، حرب خلّفت ورائها داعش والقاعدة. إذا نظرنا إلى الماضي، فيبدو أننا نحن الإسرائيليون كنا أول من خاض هذا النوع من الحروب”.

هل تتذكر روتينك اليومي في النقطة العسكرية؟ هل قمتم بعمليات عسكرية مكثّفة؟ يجيب: “لم يحدث ذلك حقا. لذا أتحدث عن وهم كبير، كنا نقشر البطاطا معظم اليوم، نملأ أكياس الرمل، نشاهد المنظر الريفي الذي كان يطل عبر نقاط الحراسة نحو المعقل الشيعي أمامنا، في النبطية، وأحيانا كنا نتعامل مع تحديات أمنية وضعها أمامنا عناصر حزب الله. كانت قوات حزب الله صغيرة ولكنها حكيمة جدا نجحت كل الوقت في أن تثير قلقا لدينا. لم يحدث شيء غالبا، كنا مشغولين كل الوقت في شق الطرقات لتلقي قوافل عسكرية في طريقها إلى منطقة النقطة العسكرية، في التأكد من أن نشطاء حزب الله لم يضعوا ألغاما في الطرقات، وشربنا الكثير من القهوة. وانتظرنا!”

ويتابع: “تماما. في مساء أحد الأيام كنت داخل ناقلة جنود مدرعة، تعمل على حماية النقطة العسكرية من الخارج وتلقينا خبرا عبر جهاز الاتصال حول الكشف عن 3 أجسام في طريقها نحو النقطة العسكرية في الظلمة. طُلب منا مواجهة التهديد، فتقدمت ناقلة الجنود المدرعة نحو منطقة ذات أشجار كثيفة. سادت أجواء من الظلمة التامة، كان يمكن الشعور بالخوف تماما. بعد مرور بضع دقائق، شعرت بشظية قوية تصطدم بأنفي ومن ثم سمعت انفجارا قويا وشممت رائحة غبار حريق. عندها أدركنا أننا تورطنا. انفجر محرك المدرعة نتيجة الانفجار فلم يكن في وسعنا التقدم. لذلك طلبنا المساعدة عبر جهاز الاتصال. في اليوم التالي، وصل إلى منطقة الحادث مقتفيا أثر لمعرفة ماذا حدث فأخبرا أنه وُضعت في الطرقات متفجرات وأن الأجسام الـ 3 التي شاهدناها كانت خنازير برية عالقة في المنطقة. سئم الجنود من روتين عملهم في النقطة فاستغل حزب الله هذه الحقيقة للعمل ضدنا”.

اليوم الذي تغير فيه كل شيء : 4 شباط 1997

يذكر فريدمان هذا اليوم جيدا. تدعو إسرائيل هذه الكارثة التي لحقت بـ 73 عائلة بـ “كارثة المروحيات”. كانت كارثة المروحيات التي حدثت بتاريخ 4 شباط 1997 كارثة جوية. اصطدمت فيها مروحيتان لسلاح الجو الإسرائيلي في الجو بينما كانتا تنقلان 73 مقاتلا إلى القطاع الأمني في موقعي “بوفور” و “دلاعت”. حصدت الكارثة حياة 73 مقاتلا.

يقول فريدمان: “عندها طرأ تغيير ما في المجتمَع الإسرائيلي. كان سقوط 73 مقاتلا إسرائيليا حادثا مأسويا بدأ بطرح أسئلة ثاقبة، ضد من نقاتل في لبنان؟ هل هناك حاجة حقا إلى المواقع الدفاعية العسكرية وراء حدود إسرائيل؟ هل تخدم هذه المواقع الهدف الذي بُنيت من أجله؟ طرحت الحركة الاجتماعية “الأمهات الأربع” التي قادت الاحتجاجات الاجتماعيّة للانسحاب أحادي الجانب من لبنان هذه الأسئلة”.

أقامت أربع نساء من سكان الشمال وأمهات جنود خدموا في لبنان حركة “الأمهات الأربع” وهي حركة احتجاجية قامت عام 1997 إثر كارثة المروحيات طالبت بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. بعد مرور 3 سنوات منذ إقامة الحركة، قرر رئيس الحكومة الاسرائيلي حينذاك، إيهود باراك، تنفيذ وعوده الذي صرح بها أثناء الانتخابات والعمل على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.

لو التقيت نصر الله لوقت قصير واحتسيت معه القهوة، عمّ كنت ستتحدث؟ يجيب : “كنت سأسأله إذا كان يشتاق إلى ابنه؟”

وعن المنتصر في الحرب بين إسرائيل وحزب الله، يعتبر فريدمان أن “السؤال الحقيقي هو ما هو الانتصار. لقد نجح حزب الله في إخراج إسرائيل من جنوب لبنان. نجح في إلحاق ضربة قاضية في الوعي الإسرائيلي حول قدرات الجيش الإسرائيلي العسكرية في حرب تموز عام 2006. هذا أمر مؤكد. ولكن هل نجح في بناء مجتمَع مزدهر كما تعمل إسرائيل اليوم. يحاول الإسرائيليون اليوم العيش رغم كل الصعوبات وبناء مجتمَع سليم، قدر الإمكان”.

التعليقات مغلقة.