اللقيط : لستُ ابن حرام !

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة رمي الأطفال في لبنان ولا سيّما حديثي الولادة، إذ كثيرا ما بتنا نسمع عن خبر العثور على أحد الرُضّع في الشوارع العامة، وأمام دور العبادة والمستشفيات أو على قارعة الطريق، وللأسف في أحيان أخرى قرب حاويات النفايات أو في داخلها حيث تتخلّى الأم عن ولدها بسبب مرضه أو بسبب الخلافات العائلية أو الفقر أو الخوف من الفضيحة والنتيجة واحدة: طفلٌ لقيط!

وتُعدّ حالات الطلاق والتفكّك الأسري إضافة إلى حوادث الإغتصاب والحمل خارج إطار الزواج وكذلك الأوضاع المادية المزرية من أهم العوامل التي قد تؤدي إلى تخلّي الأهل عن أطفالهم، بحيث يتركونهم في ظروف قاسية متذرّعين بحُجج واهية ينظر اليها المجتمع بغالبيته على أنها جريمة موصوفة وغير مقبولة بكل المقاييس رافضاً تبرير التخلي عن طفل لا ذنب له سوى أنه يدفع فاتورة نزوة أو فقر مدقع أو لحظة تخلٍ.

يقول المعالج النفسي الدكتور “شارل خاطر” في حديث لـ “لبنان24” بأنه وفي الأحوال الطبيعية مهما كان الشخص محتاجا ويعاني من وضع إقتصادي ضيق قد يلجأ إلى القتل لكنه لا يذهب باتجاه رمي طفله في الطريق، إذ أن هذا التصرف مرفوض حتى من الحيوانات ويتعارض مع قانون الطبيعة المتمثل بغريزة البقاء والمحافظة على أفراد العائلة. ويضيف خاطر أن من يقوم بهذا الفعل لا شك في أنه يعاني من خلل كبير في وضعه النفسي والإجتماعي، أما عن التخلف في بعض المجتمعات والتي تنعدم فيها نسبة التعليم فمن الممكن أن يلعب الجهل دوراً يؤدي الى هذا النوع من انعدام الشعور بالمسؤولية.

ويتابع الدكتور شارل شرحه بشكل مسهب مضيئا على إحدى الحالات النادرة التي قد يحصل فيها بأن تلجأ بعض الأمهات إلى الحيلة، وذلك بوضع طفلها أمام جمعية أو مستشفى لعدم قدرتها على إطعامه مثلا فتقوم بمراقبته من بعيد وبعد أن تطمئن بأنه أصبح بين أيدي المعنيين تعود اليه وتعرّف عن نفسها.

من جهته، يعزو الأخصائي في علم الاجتماع الدكتور رائد محسن في حديثه لــ “لبنان24” الأسباب إلى قلة الوعي والثقافة الجنسية بالدرجة الأولى. فأغلب هذه الحالات تحصل بسبب عدم رغبة الزوجين بالإنجاب لعدم قدرتهما المادية على إعالة الطفل، وعليه فإن نشر الوعي وشرح ضرورة إستعمال حبوب منع الحمل على سبيل المثال سيساهم إلى حد كبير بوضع حدّ لهذا الموضوع.

يضيف محسن أنه في بعض حالات يكون سبب رمي الأطفال الإغتصاب إن كان من الأقارب ضمن العائلة الواحدة أو من شخص غريب إذ تلجأ الفتاة المغتصبة، والتي لا ترغب بالإجهاض كأحد الحلول الى هذه الخطوة. وعن نظرة المجتمع للطفل اللقيط يأسف لأن المجتمع يعامل الطفل اللقيط كمذنب لا كضحية وغالبا ما يتعرض للسخرية والألفاظ النابية كــ “إبن الحرام”.

في سياق آخر يشير مصـدر أمنـي رفيع لــ “لبنان24” بأنّ القوى الأمنية لن تتساهل مع الأهل الذين يقومون بهذا العمل، مُضيفاً أنه وبحسب القانون فإن التخلي عن الطفل جرم بحد ذاته خصوصاً إذا ما أدّى إلى أذية الطفل بشكل أو بآخر ويكمل المصـدر بأنّ القوى الأمنية تتعامل مع هذه الحوادث منذ بدايتها وحتى نهايتها على أنها جريمة واقعة فيتم فتح محضر والبدء بالتحقيقات والإستماع إلى الشّهود في حال وُجدوا لحظة الحادثة وصولاً إلى توقيف الفاعلين وتسليمهم إلى القضاء المختصّ.

مما لا شك فيه أنه مهما كان شكل المعاناة فهي لا تعتبر سببا أو مبررا لارتكاب هذه الجريمة البشعة، ولا يجوز أن تُخفّف فيها العقوبة، إضافة الى أنّ هؤلاء الأطفال “اللقطاء” نتيجة ظروف كثيرة هم في النهاية إنسان يجب أن يُحترم ولا يؤخذ بذنب أبويه فإن الله تعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).

أطفالٌ يخرجون الى الحياة مشوّهي الشعور، رافضين الواقع الأليم الذي فُرض عليهم بقوة انعدام الضمير، فيجابهون المستقبل المجهول بعينٍ مكسورة وقلبٍ مُنهكٍ من الشوق الى عاطفة الأسرة. (الْمَالُ وَ البَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا)، نعمة استكبر البعض عليها متجاهلين الآثار النفسية والتداعيات الاجتماعية على فلذات أكبادهم فنفّذوا بهم حكم الاعدام بمشنقة “الاسم المستعار” قبل أن يبصروا ملامح الحياة.

ايناس كريمة

التعليقات مغلقة.