إعتذر يا معالي الوزير

لم يصدق أحد من اللبنانيين أن وزير الخارجية جبران باسيل الذي قدم مداخلة نارية في إجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير تحاكي خطابات الزعماء العرب التاريخيين حول الصراع مع العدو الاسرائيلي، يصدر عنه بعد أيام قليلة كلاما يعترف فيه بحق الكيان الصهيوني “بأن يكون لديه أمانا”، ويؤكد “أنه لا يوجد قضية إيديولوجية مع إسرائيل، ولسنا رافضين لوجودها، وكل همنا أن تعترف الشعوب ببعضها البعض، ونحن شعب نريد الآخر، لكن حين يرفضك هذا الآخر هنا المشكلة”.

الحجة دائما جاهزة، بأنه تم تشويه التصريح وإجتزائه، وهذا ما صدر بالفعل عن مكتب الوزير باسيل ردا على الانتقادات الكثيرة التي طالته من شخصيات عدة طالبت “باستقالته وبمثوله أمام القضاء لإجراء تحقيق جدي بهذا الكلام وإتخاذ الاجراءات اللازمة تجاهه، لأنه يشكل خيانة للوطن، وكونه يضرب صميم قضية الصراع العربي – الإسرائيلي”.

التصريح كان واضحا بالصوت والصورة، وقناة “الميادين” أكدت في بيان لها أنه “لم يتم إقتطاع أو حذف أو إجتزاء أي كلمة قالها باسيل”، مؤكدة مصداقيتها الصحافية والمهنية وإحترامها لضيوفها، لذلك بادرت الى إعادة بث المقطع كاملا كما تم تسجيله وبثه.

ما قاله الوزير باسيل لقناة “الميادين”، يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: كيف يمكن لوزير الخارجية في أيام قليلة أن يجمع بين موقفين متناقضين الى هذه الدرجة من العدو الاسرائيلي؟، هل هو إنفصام؟ أم زلة لسان؟، أم ثقة زائدة من باسيل دفعته بداية الى إقتراح إفتتاح سفارة لبنانية في القدس الشرقية، ومن ثم إعطاء الحق لاسرائيل بأن تنعم بالأمان؟، وما هو موقف “حزب الله” من حليفه الاستراتيجي؟، وكيف يمكن أن يفسر باسيل ما قاله لجمهور المقاومة الذي ما زال حتى الأمس القريب يتغنى بخطابه الممتاز في القاهرة؟، وما هو موقفه أمام عمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفة الوطنية والعربية حيال الصراع مع العدو التاريخي؟.

لقد واجه الرئيس ميشال عون كل أفكار الانعزال التي سيطرت على شريحة من اللبنانيين خلال فترات الحرب الأهلية، ونجح في ترسيخ فكرة العروبة ومقاومة إسرائيل في تياره السياسي، وتوّج ذلك بورقة التفاهم التي وقعها مع أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله في مار مخايل، ليتحول التيار المسيحي الأكبر في لبنان الى تيار داعم للمقاومة، طبعا الى جانب تيار المردة الذي حمل قضية العروبة وفلسطين والقدس من سليمان فرنجية الجد الى سليمان فرنجية الحفيد.

لذلك يا معالي الوزير، فإن كلامك ضرب بعرض الحائط كل المبادئ والثوابت التي سار عليها التيار الذي ترأسه، وبالتالي فإن غلطة الشاطر بألف، والاعتذار عن الخطأ الذي ربما جاء بفعل زلة لسان أو سوء تقدير، أو عدم إيصال الفكرة بشكلها الصحيح، هو جرأة وإقدام، بهدف تصويب الأمور، ووقف محاولات الاصطياد بالماء العكر.

إعتذر يا معالي الوزير.. فاسرائيل لا يمكن أن تنعم بالأمان طالما أن فلسطين محتلة، والقدس أسيرة يسعى الأميركي الى تهويدها بالكامل وتحويلها الى عاصمة للكيان الغاصب..

إعتذر يا معالي الوزير.. فصراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود، نابع من الايمان والعقيدة والثوابت في الدين والدنيا.

إعتذر يا معالي الوزير.. كرمى لعيون عهد التميمي وإنتفاضة المقدسيين وأبطال غزة المقاوِمين.

إعتذر.. إنتصارا لدماء شهداء قانا والمنصوري والضاحية ومن سبقوهم في مذابح ومجازر إرتكبها هذا العدو الغاشم من مسجد قرية بلدة صلحا الجنوبية عام 1948 مرورا بحولا ويارين وعيترون وبنت جبيل والأوزاعي وراشيا وكونين وعدلون ومسجد العباسية، وصبرا وشاتيلا، وسحمر وبئر العبد وإقليم التفاح، وجبشيت وصيدا والزهراني والنبطية وصولا الى عدوان تموز 2006 الذي حصد أكثر من ألف شهيد وأكثر من أربعة آلاف جريح.

إعتذر يا معالي الوزير.. فالاعتذار دليل وعي ونضوج وهو دائما من شيم الكبار.

غسان ريفي

التعليقات مغلقة.