احتجاجات ايران مستمرّة والحرس الثوريّ يتحرّك وردود الفعل الدوليّة متباينة

نشر الحرس الثوري في إيران قوات في ثلاثة أقاليم، لإهماد اضطرابات مناهضة للحكومة، بعد قرابة اسبوع من الاحتجاجات التي أقلقت القيادة للبلاد وأسفرت عن مقتل 21 شخصاً.

وتحولت الاحتجاجات، التي بدأت الأسبوع الماضي، بسبب الإحباط من الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الشباب والطبقة العاملة، إلى انتفاضة ضد السلطات، والمزايا التي تتمتع بها النخبة.

وواصلت الاضطرابات إثارة ردود فعل شديدة التباين على المستوى الدولي، مع تعبير أوروبيين عن استيائهم من رد الفعل المبتهج من قادة الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي تحدٍّ لتهديد من القضاء بمواجهة عقوبات تصل إلى الإعدام حال الإدانة بإثارة الشغب، استأنف متظاهرون احتجاجاتهم بعد حلول الليل مع خروج مئات للشوارع في ملاير بإقليم همدان وهم يهتفون “الناس يتسولون والزعيم الأعلى يتصرف كإله”.

وأظهرت لقطات على شبكات التواصل الاجتماعي متظاهرين في بلدة نوشهر بشمالي البلاد، وهم يهتفون “الموت للديكتاتور”، في إشارة على ما يبدو لخامنئي، وفق ما قالت “هافينغتون بوست”.

القوات تنتشر لوأد “الفتنة”

وفي مؤشر على مخاوف في الدوائر الرسمية من صمود الاحتجاجات لتلك المدة، قال الميجر جنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري، إنه أرسل قوات إلى أقاليم أصفهان ولورستان وهمدان لمواجهة “الفتنة الجديدة”.

وسقط أغلب القتلى في تلك الأقاليم. وكان تدخل الحرس الثوري أساسياً في قمع انتفاضة في 2009، قتل خلالها عشرات المتظاهرين. وأدان خامنئي تلك الاضطرابات ووصفها بأنها “فتنة”.

وفي واشنطن قال مسؤول كبير في إدارة ترامب، أمس الأربعاء، إن الولايات المتحدة تسعى “لجمع معلومات يمكن اتخاذ قرار على أساسها”، قد تتيح لها فرض عقوبات على منظمات إيرانية وأفراد لهم صلة بالحملة على الاحتجاجات.

لكن في باريس شدَّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أهمية استمرار الحوار مع إيران، وحذَّر من أن لغة الخطابات التي تصدر عن أميركا وإسرائيل والسعودية بشأن طهران “تكاد تدفعنا نحو حرب”. وقال الرئيس الفرنسي إنه لن يزور إيران حتى يعود إليها الهدوء وتحترم الحريات.

وعبر وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن قلق بلاده بشأن الموقف المتصاعد في إيران. وقال “ما ننصح بتجنبه بشكل عاجل هو محاولة إساءة استغلال هذا الصراع الإيراني الداخلي… دولياً. لن يؤدي ذلك إلى تهدئة الموقف بأي حال من الأحوال”.

تظاهرات مؤيدة لخامنئي

وشارك آلاف الإيرانيين في تجمعات مؤيدة للحكومة في عدة مدن صباح الأربعاء، في إظهار للقوة برعاية الدولة.

ونشر التلفزيون الحكومي لقطات مباشرة لمسيرات في مدن في أنحاء البلاد، حيث رفع المتظاهرون أعلام إيران وصور المرشد آية الله علي خامنئي، الذي يتقلد السلطة منذ عام 1989.

وردد المتظاهرون هتافات مؤيدة لخامنئي، منها “الدماء التي في عروقنا فداء للزعيم”، و”لن نترك زعيمنا وحده”. واتهموا الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا بالتحريض على الاحتجاجات، وردَّدوا هتافاً يطالب بإعدام “مثيري الشغب المارقين العصاة”.

وفي مدينة قم المقدسة، ردَّد متظاهرون مؤيدون للحكومة هتافات “الموت لمرتزقة أميركا”. والثلاثاء اتهم خامنئي أعداء إيران بإثارة الاحتجاجات التي انتقدته بعضها بالاسم وطالبته بالتنحي.

وقال جعفري، قائد الحرس الثوري، إن المسيرات المؤيدة للحكومة تمثل نهاية للاحتجاجات، التي قال إنها لم تضم إلا “1500 شخص بحد أقصى في كل موقع.. وإن عدد مثيري الشغب لم يتعد 15 ألفاً في أنحاء البلاد”.

احتجاجات نادرة مناهضة للحكومة

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سعى لعزل القيادة الإيرانية، في تراجع عن نهج تصالحي أميركي تبناه سلفه باراك أوباما، إن الولايات المتحدة ستدعم المحتجين في إيران “في الوقت المناسب”.

وكتب في أحدث تغريداته منذ اندلاع الاحتجاجات على تويتر “نحترم شعب إيران وهو يحاول إبعاد حكومته الفاسدة. ستجدون دعماً كبيراً من الولايات المتحدة في الوقت المناسب”.

وعلى خلاف ذلك، وصف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الأربعاء الاحتجاجات في إيران، بأنها استياء من الوضع الاقتصادي، قائلاً إن أسبابها ليست سياسية مثل تلك التي فجّرت احتجاجات حاشدة في 2009. وتوقع نصر الله انتهاء الاحتجاجات قريباً. وقال “خلال أيام ستنتهي المظاهرات إن شاء الله”.

وقال في مقابلة مع قناة الميادين، إن ما يحدث في إيران لا يستدعي القلق، وإن القضية يتم التعامل معها بجدية.

احتجاجات بلا قائد

ويبدو أن الاحتجاجات تخرج بشكل عفوي دون قائد واضح، وتظهر على وجه الخصوص في الأحياء التي تقطنها الطبقة العاملة والمدن الأصغر، لكن بدا أيضاً أن حركة الاحتجاج تجتذب بشكل متزايد الطبقة المتوسطة المتعلمة، ونشطاء تزعموا احتجاجات 2009.

وعبرت أكثر من مئة ناشطة عن دعمها للاحتجاجات الجديدة، في بيان صدر الأربعاء، كما حث محامون بارزون، من بينهم شيرين عبادي الناشطة الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، طهران على احترام حق المواطنين في حرية التجمع وحرية التعبير المكفولين بموجب الدستور.

كما أيدت بعض النقابات العمالية وجماعات معارضة تمثل الأقلية الكردية الاحتجاجات.

وفي جنيف دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، إيران لكبح جماح قوات الأمن بهدف تفادي تأجيج العنف واحترام حقوق المحتجين في حرية التعبير والتجمع بشكل سلمي.

وقال الأمير زيد في بيان، إن أكثر من 20 قتلوا، واعتقل المئات في جميع أنحاء إيران خلال الأسبوع الأخير، وحث السلطات على إجراء “تحقيقات مستفيضة ومستقلة وموضوعية، في كل أعمال العنف التي وقعت”.

وأضاف أن من حق المحتجين أن يجدوا آذاناً صاغية. وقال إنه ينبغي أن تبذل السلطات جهداً “لضمان أن تتعامل قوات الأمن بطريقة متناسبة ووفق الضرورة، وتتماشى بشكل كامل مع القانون الدولي”.

وقال مسؤول قضائي إيراني الأربعاء إن مواطناً أوروبياً اعتقل في الاحتجاجات في منطقة بروجرد بغربي البلاد، لكنه لم يذكر جنسيته. ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن حميد رضا أبو الحسني، رئيس دائرة القضاء في بروجرد قوله، إن هذا “المواطن الأوروبي… تلقى تدريباً من أجهزة مخابرات أوروبية، وكان يقود مثيري الشغب”.

ضغوط على روحاني

وشكلت الاحتجاجات ضغوطاً على الرئيس حسن روحاني، المعتدل نسبياً، الذي قاد جهود التوصل لاتفاق مع قوى عالمية عام 2015، يقضي بأن تقلص إيران برنامجها النووي في مقابل رفع أغلب العقوبات الدولية المفروضة عليها.

ويشعر العديد من المحتجين بالإحباط، بسبب ما يعتبرونه فشل حكومتهم حتى الآن في الوفاء بوعود تتعلق بتوفير فرص عمل، وبالاستثمار كنتائج للاتفاق النووي.

أثار الاستياء من الركود الاقتصادي ومزاعم الفساد داخل أوساط رجال الدين والأمن الاحتجاجات، بعد أن لجأ الإيرانيون إلى شبكات التواصل الاجتماعي للتنفيس عن غضبهم.

ويتراكم الغضب منذ الشهر الماضي. وشارك آلاف الإيرانيين بالكتابة باستخدام وسم (هاشتاغ) “أنا مستاء”، الذي أعربوا من خلاله عن استيائهم من روحاني، الذي انتخب على أساس وعود بمعالجة البطالة والسماح بحريات اجتماعية أكبر.

وتعهد كل من خامنئي المحافظ، وروحاني الإصلاحي بمكافحة الفساد، وتحقيق الرخاء الاقتصادي لكل الإيرانيين.

لكن لم تحدث تغييرات تذكر. فالحرس الثوري الإيراني، على سبيل المثال، ما زال يسيطر على الإمبراطورية الاقتصادية الضخمة.

ويعيش أكثر من 20 مليون إيراني، من بين 80 مليوناً، تحت خط الفقر، وفق هافينغتون بوست.

ويتعيّن على ترامب أن يقرر، في منتصف شهر كانون الثاني، بشأن ما إذا كان سيستمر في رفع العقوبات الأميركية على صادرات إيران النفطية، بموجب شروط الاتفاق النووي الذي يعارضه، أم سيفرضها من جديد. لكن إعادة فرضه لعقوبات يتسبب في تفاقم المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها شعب إيران الذي تعهد بمساعدته.

وقال جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، الأربعاء “لو كان تعاطف الأميركيين مع الإيرانيين حقيقياً لَما فرضوا عقوبات قاسية على أمتنا”.

التعليقات مغلقة.