الإنتحاري الثالث لتفجير برج البراجنة المزدوح يكشف أسرار العملية

في 13 تشرين الثاني من العام 2015، وقع انفجار مزدوج هزّ منطقتي عين السكة وبرج البراجنة. ذُهل لبنان والعالم يومها من الحصيلة الدموية الباهظة التي تكبّدتها الضاحية الجنوبية، حيث فقدت 43 شهيداً فيما أُصيب أكثر من 240 آخرين بجروح، ناهيك عن الدمار الذي لحِق بالممتلكات الخاصة والعامة وحالة الذعر التي سادت بين الناس.

كانت بصمات تنظيم “الدولة الإسلامية” بادية المعالم منذ اللحظة الأولى للتفجير، وسرعان ما أعلن التنظيم مسؤوليته عن العملية. الأجهزة الأمنية بدأت إستنفاراً أمنيّاً واسعاً في كلّ المناطق، سبقه توقيف دورية لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي فجر اليوم نفسه للبناني ابراهيم فيصل الجمل، الذي عثر معه على حزام ناسف من نوع الأحزمة نفسها التي استخدمها الإنتحاريون في تفجير البرج المزدوج.

كان من المفترض أن يكون “ابراهيم” الإنتحاري الثالث، لكنّ توقيفه حال دون أن يتمكن من الإنغماس بين الحشود وفق الخطّة. على هذا الأساس كرّت سبحة التوقيفات لتبلغ 28 موقوفاً أُخلي سبيل 14 منهم فيما أُبقي على مثلهم موقوفين وأحيلوا جميعاً على المحاكمة أمام المحكمة العسكرية إلى جانب 10 متهمين يحاكمون بالصورة الغيابيّة.

اليوم نظرت “العسكرية” برئاسة العميد حسين عبدالله بهذا الملف الضخم، واستجوبت ابراهيم الجمل (الإنتحاري الثالث)، الذي اعترف بأنّه أوقف قبل العملية بساعات في شارع ابن سينا في طرابلس أثناء مرور دورة أمنية اشتبهت به حيث كان على متن دراجته النارية.

يعترف الشاب العشريني بأنّ إلقاء القبض عليه جاء بعدما وضع عبوة في جبل محسن (حي الأميركان) بطلب من المتهم حمزة البقار (موقوف)، وعُثر بحوزته على حزام ناسف وقنبلتين ومسدس. يفصّل المستجوب رحلة ذهابه إلى الرقّة حيث مقرّ “داعش”، مروراً بإقناعه بالقيام بتفجير إنتحاري في لبنان، وصولاً إلى إلقاء القبض عليه من قبل المعلومات قبل أن ينجح بمهمّته:

“تعاطفت مع الثورة السوريّة منذ بدايتها فتوجهت إلى الرقّة بالتنسيق مع حمزة البقّار، هناك وضعوني في غرفة لحين حضور “أبو براء العراقي” وهو قيادي أمني لدى “داعش” وهو من طلب مني القيام بعمل ما في لبنان”.

وقع خيار “أبو البراء” على الجمل كونه لبناني بالدرجة الأولى. وبدأت مرحلة التدريب. إلى نفس الغرفة حضر “أبو الوليد” (الذي فجّر نفسه)، فراح يعطي “ابراهيم” دروساً في كيفية استخدام السلاح كما لازمهما مساعد “أبو البراء”، المدعو عبادة ديبو.

طلب “عبادة” من “ابراهيم” تنفيذ عملية إنتحارية في لبنان لمناهضة الظلم ونصرة المظلوم. بعد أسبوعين توجّه “ابراهيم” إلى المقرّ الشرعي حيث خضع لدروس دينيّة إلى أن اتّخد القرار بتنفيذ العملية في الضاحية.

كانت الخطّة تقتضي، وفق إفادة “الإنتحاري الثالث”، بالدخول إلى لبنان بشكل سريّ من دون إعلام أحد بعودته، واستئجار شقّة على أن يقيم داخلها عدد من الشبّان ريثما تحين ساعة الصفر.

فور عودة “ابراهيم” إلى لبنان ومروره في منطقة طرابلس، لمح والده الذي يعمل سائق أجرة. طلب من السائق الذي ساعده في الدخول بطريقة التهريب أن “يغمز” بضوء السيارة لوالده كي يتوقف، وما إنْ فعل حتّى نزل “ابراهيم” مسرعاً من سيارة المُهرّب واستقل سيارة والده وعاد إلى منزله حيث اختبأ فيه لمدّة شهر أو أكثر. لكنّ الوالد قرّر أن يُسلّم ابنه بعدما اشتبه بتصرفاته، ما اضطر الأخير إلى الهرب ومعاودة التواصل مع “داعش” بشخص “عبادة ديبو”.

كانت وسيلة الإتصال بين الطرفين الـ”تلغرام”، وقد أُعلم “ابراهيم” بأنّ حمزة سيستأجر شقّة للإقامة بها للتحضير للمخطط. اصطحب الأخير “مشروع الإنتحاري” (الجمل) مع “الشباب الإنتحارين” إلى منزله لفترة وجيزة ومنها إلى الشقة التي تمّ فيها التحضير للعملية.

داخل الشقة راح الإنتحاري “أبو الوليد” يحضر الأحزمة الناسفة وبلغ عددها سبعة، وكان يطلب من مُشغّليه تأمين كلّ ما يلزمه فكان له ما أراد. تعلّم “ابراهيم” تحضير حزامه بنفسه.

في الحادي عشر من تشرين الثاني أتى الأمر بتنفيذ العملية. كان من المفترض أن يكون التنفيذ صباحاً في ساعة الذروة التي يتوجه فيه الطلاب إلى مدارسهم والموظفون إلى عملهم، لكنّ القرار رسا على أن يكون عقب صلاة المغرب، أي قرابة الساعة السادسة مساءً. كلّ شيء بات جاهزاً، المتفجرات والأحزمة والإنتحاريون.

ما كشفه “الإنتحاري الثالث المفترض” أمام “العسكرية”، أنّه كان من المقرّر أن يقع انفجار منطقة جبل محسن في الوقت عينه الذي يتمّ فيه إنفجار الضاحية المزدوج، وهو لهذه الغاية عمد إلى وضع عبوة ناسفة في دلو “بويا” داخل كرتونة معدّة لتوضيب البطاطا مع جهاز توقيت وجهاز استقبال إشارة، وبعدما وضعها في المكان الهدف، وقبل عودته إلى بيروت للمشاركة في تفجير البرج، أُلقي القبض عليه واعترف بوضعه عبوّة في جبل محسن سارعت الأجهزة المختصة إلى تفكيكها.

وقع الإنفجار المزدوج في اليوم التالي من دون أن يدلي المتهم بأيّ معلومة عنه إلّا بعد تطابق الأحزمة الناسفة المستخدمة في انفجار الضاحية مع الحزام الناسف المضبوط بحوزته، عندها جاءت اعترافاته بالوقائع التي ذكرها اليوم. وبتحليل تقني للإتصالات تمّ توقيف أفراد الشبكة واحداً تلو الآخر، وتبعاً لاعترافاتهم على بعضهم البعض.

انتهى استجواب المستجوب الأوّل في هذه الشبكة، أُرجئت الجلسة إلى الثامن من آذار المقبل لمتابعة الإستجواب، مع الإشارة إلى أنّ إفادة الموقوف الجمل الأولّية عُرضت مع صورته وصور باقي المشتبه بهم على شاشة كبيرة ثبُّتت في قاعة المحكمة .

سمر يموت

التعليقات مغلقة.