خلال محاضرة ضمن معسكر لإحدى التنظيمات اليسارية، وبعد إنتهاء المُحاضر من حديثه عن نظرية الديالكتيك، سئل عماد مغنية: ماذا فهمت من هذه المحاضرة؟ فأجاب : “لم أفهم شيئاً، كل ما فهمته هو أنني في هذا المعسكر لأتدرب ضد العدو الإسرائيلي، تناقضي الأساسي هو مع العدو الإسرائيلي، هكذا أفهم نظرية التناقض”…

من هنا بدأ عماد مغنية بحثه عن الإطار التنظيمي الذي يمكنه العمل ضمنه لقتال إسرائيل، فلم يُشبع اليسار طموحاته فتركه، ولعل الجملة التي قالها لأحد معارفه طارق إبراهيم الذي إلتقاه في حيّ السلم، عند وصول الجيش الإسرائيلي إلى خلدة، خير دليل على عدم إعجابه بالتجربة اليسارية، إذ قال: “يا رفيق، هلق فهمت علم التناقض (الدياليكتيك)، هلق لازم نعمل تجربتنا وما نضلّ نتعلم تجارب الآخرين، هلق بلشت تجربتنا”، ثم إنتقل إلى حركة “فتح” من دون أن ينخرط تنظيمياً فيها، فتوجه إلى أنيس النقاش يومها: “نحن مجموعة من الأشخاص الملتزيمن دينياً، نريد التدرب مع “فتح” من دون الإنخراط فيها تنظيمياً”.

تعلم مغنية في معسكرات “فتح” الكثير من الدروس التكتيكية، وكان مهتماً بشكل خاص بعالم المتفجرات، وكان يدوّن كل الدروس النظرية على دفتر صغير، وهي العادة التي رافقته حتى لحظة اغتياله في دمشق، فكان يحمل دائماً دفتراً صغيراً يدون عليه ملاحظات المقاتلين والقياديين وحاجاتهم.

بدايته العسكرية:

مع تحول طريق صيدا القديم بين عين الرمانة والشياح إلى خطّ تماس إنتقل مغنية إلى العمل العسكري وهو في سنّ الثالثة عشرة، حيث إقتصر على المساعدة اللوجستية للمقاتلين. وفي هذه المرحلة شكل الخلية الأولى من فتية الحيّ، وبعد سنتين عندما أصبح قريباً من حركة “فتح” تعرف إلى علي ديب (قيادي في “فتح” ولاحقاً في “حزب الله”) وخاض دورات تدريبة عدّة مع الخلية التي شكلها.

إلى “حزب الله”!

كثيرة هي الروايات التي تتحدث عن كيفية دخول عماد مغنية إلى “حزب الله”، خاصة أن الحزب لم يحسم بعد هذا الجدال ولم يخرج روايته عن عماد مغنية إلى العلن، لكن المرجح أن قرب الأخير من السيد محمد حسين فضل الله وسفره معه إلى طهران مرات عديدة، ساهم في إقترابه بشكل وثيق من القيادة الإيرانية، ولعل الرواية الأكثر ترجيحاً عن دخول مغنية إلى الحزب، هي أن مرجعية إيرانية كبيرة أبلغته أن هناك مجموعة موثوقة تتأسس في بيروت وقائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني يثق بها، وهي كانت بداية إنخراطه في التنظيم حديث النشأة.

مغنية الإسم الأبرز:

إستمرت الخلية التي أسسها مغنية مذ كان في سنّ الثالثة عشرة بالعمل معه، وقد شكل إنسحاب الفصائل الفلسطينية من بيروت إلى تونس فرصة كبيرة لمغنية الذي عمل تدريجياً على الإستفادة من مخازن منظمة التحرير التي كان يعرفها نظراً إلى قربه من “فتح”، إذ أعطى إهتماماً إستثنائياً للمتفجرات وأهمل بشكل واضح سلاح المدرعات.

عام 1983، برز إسم عماد مغنية إلى الضوء وهو في سنّ الـ21، بعدما أتهم بسلسلة عمليات، الأولى تفجير السفارة الأميركية في عين المريسة في 18 نيسان مما أدى إلى مقتل 63 شخصاً، والثانية في 23 تشرين الأول، في تفجيرين متزامنين، إستهدف الأول مقر المارينز في بيروت وأدى إلى مقتل 241 أميركياً وبعد ستّ دقائق إنفجار آخر في مقر المظليين الفرنسيين مما أدى إلى مقتل 58 فرنسياً، والثالثة عملية خطف وقتل مسؤول الإستخبارات المركزية الأميركية في لبنان وليام باكلي، ولاحقاً أتهم مغنية بتفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور عبر صديق طفولته أحمد قصير، وهي “التهمة” الوحيدة التي إعترف فيها “حزب الله” حتى الآن.

الرواية الأميركية:

يقول روبيرت بير أحد مبعوثي الإستخبارات الأميركية إلى بيروت للتحقيق في الحوادث الأمنية التي إستهدف الجيش الأميركي، أن “تفجير السفارة الأميركية كانت حادثة في غاية الغموض، إذ لم تتبن أي جهة مسؤولية العملية، وكانت الشاحنة المستخدمة مسروقة ولم نستطع تحديد هوية الإنتحاري، كما أن الإحترافية في التنفيذ تمثلت بأن الإنفجار لم يترك أي بصمات وأثر على الجدران”.

ويعتبر بير في كتابه الذي تحدث خلاله عن تحقيقاته في تفجيرات لبنان أن “مفاجأته الأولى تمثلت بمعرفه أن عمر المتهم بكل هذه العمليات هو 21 سنة، والمفاجأة الثانية أن الأخير إستطاع سحب كل الأوراق الثبوتية المتعلقة به من أرشيف الدولة اللبنانية”.

يضيف في إحدى مقابلاته: “كان مغنية يختفي تماماً في الضاحية، حيث لم يكن أحد يستطيع الذهاب إلى تلك المنطقة، حتى أن غازي كنعان، رجل سوريا في لبنان كات يخاف الدخول إليها… كان مغنية يقود دراجة نارية، ويدعي أنه خيّاط أو لحام، حتى أنه لم يكن معروفاً داخل “حزب الله”..

ويرى بير أن “الأميركيين لم يكونو مؤهلين لمطاردته في المقابل كان مغنية قادرا على مطاردة عملاء الإستخبارات الأميركية.. فلو أعطاني أي إهتمام لكان إستطاع الوصول إليّ بسهولة وإستطاع قتلي، لكنه إعتقد أن الأمر لا يستحق العناء”.

يظُن بير أنه من أراد قتل مغنية طيلة السنوات الخمس والعشرين التي سبقت إغتياله لم يستطيعوا الإقتراب منه إلا مرّة واحدة، لحظة إغتياله في دمشق.

لاحقاً أتهم مغنية بالعديد من العمليات التي إستهدفت مصالح إسرائيلية في العالم، أهمها في الأرجنتين، كذلك إتهم بخطف العديد من الطائرات منها الـTWA، وبتفجيرات في فرنسا.

الأمن البسيط:

الرجل الذي عرفه كريم بقرادوني بوصفه رجل إستقبال في إحتفالات “حزب الله” والذي عرفه سليمان فرنجية بصفته الحاج جهاد، كان أقرب مما يعتقد الكثيرون من مسرح الأحداث، يقول بعض من عايش مرحلة سطوع نجم مغنية، أنه إستطلع مقر المارينز بنفسه، وأنه “شفطّ” مع منفذ العملية قرب القاعدة الأميركية بالسيارة المستخدمة قبل عودتهم إلى ضاحية، كذلك ذهب مغنية إلى غزّة في رمضان الذي سبق إغتياله.

كذلك، ووفق معلومات “لبنان 24″ فإن مغنية شارك شخصياً في عملية المداهمة التي ألقي القبض خلالها على العميل أحمد نصرالله الذي تحدث عنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عام 2010.

كما أنه كان يدير بعض العمليات النوعية من مكان قريب مثل عملية عرمتى، وكان حاضراً متدخلاً في عمل الإعلام الحربي، ومن القصص التي عرفت أنه أنه وبعد تدمير موقع عرمتا عام 2000 أطلق الإعلام الحربي “فلاشاً” يقول: “اليوم عرمتى وغداً موقع آخر”، فطلب مغنية تعديل الفلاش ليكون “اليوم عرمتى وغداً كل المواقع”..

يقول بعض الأمنيين، أن مغنية إعتمد نظرية الأمن البسيط في حماية نفسه والتخفي، لكن خطأه قد يكون أنه أصبح حاضراً في الساحة اللبنانية من خلال لقائه بعض السياسيين والصحافيين بشكل دائم.

دعم الإنتفاضة الفلسطينية

بعكس ما هو معروف فقد أرسل مغنية أكثر من باخرة تحمل أسلحة إلى السلطة الفلسطينية في غزة. فالباخرة سانتوريني التي أوقفها الجيش الإسرائيلي في أيّار 2001 كانت في مهمتها الرابعة، وفي أيار 2002 أوقف الجيش الإسرائيلي الباخرة “كارين أي” قبالة شواطئ غزة.

عام 2002، نسّق مغنية مع حركة “الجهاد الاسلامي”، وبعد إبلاغ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، دخل عنصران من “الجهاد” إلى مستوطنة شلومي انطلاقاً من الاراضي اللبنانية واستهدفا دورية اسرائيلية وقتلا 7 جنود اسرائيليين من بينهم ضابطان وجرحا عدداً آخر ثم قتلا، واسر جثمانهما الى حين سلما في عملية التبادل بين “حزب الله” ودولة الاحتلال عام 2008…

ملاحظة: جزء من هذه المعلومات ورد في عدد من الوثائقيات والكتب، وعلى الموقع الرسمي لعماد مغنية، في حين أن بعض المعلومات هي معلومات تُنشر للمرة الأولى.

التعليقات مغلقة.