إنتصر باسيل وهُزِمَ التيّار

الآن. راحت السكرة وجاءت الفكرة. باتَ بوسعنا تقييم الاضرار الناتجة عن “تهجين لوائح العهد”. الأرجح أن هناك صدمة تنتظر في نهاية الرواق للانقضاض على أهل البيت، رغمَ مسارعة أصحاب الشأن لاستدراك الأمور وكمشها والمسارعة في الخروج على الاعلام لوأد الانتقاد في مهده.

لم يستسغ مراقبون أن تكون خطوة الوزير جبران باسيل في تسريع عقد مؤتمره الصحافي الخاص بإعلان نتيجة التيّار الوطنّي الحرّ الانتخابيّة، تأتي بهدف إعلان النتيجة فقط، بل لقطع الطريق على الذين سيخرجون بعد ساعة يتحدثون عن السقطات التي مُنِيَ بها التيّار ولوائحه.

حاول باسيل جاهداً استحضار المواضيع التي قد “يُهجَم” بها عليه بنية تفريغها من مضامينها. فعملَ على تفكيك ألغامها والتقليل من شأنها أو إشاحة النظر عنها، لكن ورغم ذلك، لم يحرف النظر عن التخبّط الذي سادَ ماكينة التيّار المركزيّة في ميرنا الشالوحي يوم الاقتراع، ولا التكتيك الذي اتُبع في توزيع الاصوات مفضلاً اصحاب النعمة او الطارئين على الصحن على حساب المناضلين، واظهر خلالاً واضحاً في ترتيب الاولويات.

يُشيع من كان حاضراً هناك، أن ماكينة التيّار عانت عقماً نهار الانتخاب، بحيث لم تجد طريقها نحو تفسير الارقام، وغاب عنها حسن ادارة تجيير الاصوات، وضاعت حول تحديد ما يمكن ايصاله إلى الاعلام، ما حدا بمن يتولّى عملها لحجب هذه المظاهر عن الصحافيين الذين تواجدوا داخل الماكينة، وصولاً لإخراجهم لاحقاً من دائرة عملها كي لا يتسنى لهم معاينة ما يحصل وتسريبه.

أكثر من ذلك، يهمس أحد نواب التيّار الفائزين، أنه عانى الامرّين كي يصل إلى ارقام اللائحة التي يخوض المعركة عليها دون جدوى، وبعد ساعات من المحاولات المضنية سلّم بالأمر وذهب يستنجد بماكينات أحزاب أخرى، من الحلفاء والخصوم في آن، مستعيناً بمسؤولين مقرّبين منه بنوا علاقات مع أرباب تلك الماكينات، حتى يحصل على الارقام ليعرف كيف سيحرّك أصواته!

التبرير المقدّم أن الماكينة “تعطلت إلكترونياً”، لكن تحليل النائب الفائز يذهب أبعد من ذلك، يصل نحو “تعطّل بنيوي” شاب عملها بشكل واضح وانعكس على طريقة الادارة التي انتقلت من الماكينة إلى مسؤولي المناطق الذين ذهبوا نحو تحريك المندوبين الجوالين كل بحسب التعليمة.

العشوائيّة في عمل الماكينة عام 2018 لا تشبه الإطار الذي نظم عملها خلال دورة 2009. هنا، يُلاحظ مدى تأثير غياب دور مسؤول المنطقة الخامسة في حزب الله الشيخ حسين زعيتر، الذي أدّى دوراً وظيفياً وقتذاك من حيث تدريب أفرادها ودعمهم.

وإذا ما تمَّ التسليم، حتى من قبل مسؤولي التيّار أنفسهم، أن ماكينتهم قد أتى عملها على كل ما جرى مراكمته خلال مرحلة الحملات الانتخابيّة وكاد أن يأتي على يوم الاقتراع، فان التسليم لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام عند الاسلوب الذي انتهج في ترشيد الاصوات التفضيليّة، فاتضح أن للرابية مرشّحين بسمن وآخرين بزيت، مرشحين مفضلين ومرشحين “يدبروا راسن”، فكانت سمة النهار الطويل الطعن الواضح بالرفاق!

الاتهام يوجّه صراحةً نحو رأس القيادة، إذ تضج أوساط التيّار بمعلومات حول ايعازات اتت لتفضيل هذا المرشّح أو ذاك، على حساب مرشّحين من أصحاب النضالات، أمّا الذي يعيب هذه التصرفات أكثر وليس من سبيل لشرحه، هو الاتصالات التي كانت ترد على مدى النهار “من فوق” إلى مفاتيح انتخابيّة في المتن وجبيل وكسروان وجزّين وغيرها، تطلب منهم الايعاز لناخبيهم تفضيل مرشّحين برتقاليين محدّدين بالاسم، بدعوى أن زملائهم أمّنوا الحاصل وبقيَ تأمينه للباقين، ليتبين زيف هذا الادعاء، بدليل الارقام التي أظهرت تقارباً في النسب.

ويجري تناقل على نحوٍ ضيق، أسماء المرشّحين الذين كان يجري تحضيرهم ليكونوا “خراف التضحية”، أبرزهم النائب إبراهيم كنعان الذي سعى الوزير جبران باسيل لمنعه من تحقيق أرجحيّة على غيره من المرشحين، فأوعز إلى من هو أهل لها، إشاعة الاخبار حول تأمين كنعان لأصواته، وضرورة تفضيل الياس أبو صعب وإدي معلوف اللذان يقبعان في ذيل الترتيب، وهو ما أسهمَ برفع حواصلهما وتدنّي حواصل كنعان القابض على أصوات تفضيليّة لا تعود صلاحيّة الإمساك بها للتيّار، مما عاد بالفائدة على مرشّح الكتائب سامي الجميل الذي نام ليلته على “ريش نعام” متصدّراً الترتيب العام.

هذه الحالة تذكّر بحالتين مشابهتين حصلتا عامي 2005 و2009، حيث كان التيّار يعمّم بوجوب تشطيب المرشّح القومي غسّان الأشقر واستبداله ببيار الجميل (2005) وسامي الجميل (2009)، فكان أن تحوّل الأشقر إلى “خروف العيد” وذُبِحَ مرّتين على أنقاض التمنّيات السياسيّة. هذه المرة أتى الدور على كنعان وللمصادفة، نجى من تقمّص حالة الأشقر بالقوّة الذاتيّة.

الأمر ذاته عانى منه وريث مقعد الرئيس ميشال عون، شامل روكز، الذي كاد أن يصبح في مصاف الراسبين بفعل حجب توزيع الاصوات عنه وتجيير التحصيل البرتقالي لصالح روجيه عازار بوصفه مرشّحاً حزبياً، ولول إنقاذ “العميد” في الربع ساعة الاخير بأرقام مردوده على القِطع الشعبيّة، لكان سقوطه مدوياً واهتزت له أساسات بعبدا. تسأل أوساط التيار عن عدم تفضيل روكز، وهو “مسمّى من الكبير” (بالإشارة إلى الرئيس عون) مقابل تفضيل مرشّحين محدّدين سلفاً، قسم منهم هوى عن اللائحة، والآخر قاتل ضدنا في بلدية 2016!

أكثر ما يفجع بعض المسؤولين في التيّار، هو مشاهدتهم للوائح تتحوّل إلى أحصنة تجرّ عربات المرشّحين المتموّلين، الذين بدأوا يجاهرون بعد تأمين مقاعدهم النيابيّة، بعدم فضل لوائح العهد عليهم. فالفائز عن المقعد الكاثوليكي في زحلة، ميشال ضاهر، صارح الجميع عبر MTV، أن “ليس هناك فضلٌ لأحد بوصوله، بل أنه نجح بجهوده الخاصة”! ينطبق هذا الكلام على ثلّة المرشّحين من حديثي النعمة.

أكثر من ذلك، يقارب أحد المراقبين الموضوع من منظاره. لوائح التيّار كانت بالنسبة إلى بعض المرشحين المتوّلين جسرَ العبور الافضل لحصد المقعد، بينما نظر إليهم عند التيّار على أنهم “ابقاراً عِجاف (سمينة) ترعى طيلة النهار ثم تأتي في الليل لتسلّم نفسها إلى أولياء الامر”. ونتيجةً لذلك، يتوقّع أن يبدأ فض الفائزين من تكتّل “لبنان القوي” نائباً نائب في تكرار لسيناريو 2009 يوم نام التكتّل على 27 عضواً واستيقظ عند حلول 2018 على 19!

وحده النائب زياد أسود كان استثناءاً ونجى من مجزرة الصوت التفضيلي، موقّعاً على حصريّة كسر إرادة جبران باسيل القاضية بتفضيل زميله أمل أبو زيد على حسابه.

عبدالله قمح

التعليقات مغلقة.