الحكومة تودع اليوم وبري يعود الى كرسيه النيابي

ينطلق اعتباراً من اليوم اسبوع الاستحقاقات الداخلية اللبنانية، وفي حين تطبع سمة الوداع هذا اليوم، فانه حتماً يفتح الأفق على اسبوع حاسم ومصيري، يرسم معالم المرحلة المقبلة.

يدخل اليوم النواب المنتخبون في 6 ايار ولايتهم الفعلية مودعين مجلساً انتخب في العام 2009 ومدّد لنفسه ثلاث مرات، في هذا الوقت تستغل الحكومة ساعاتها الأخيرة قبل تحولها الى حكومة تصريف أعمال وتعقد الحكومة الجلسة الاخيرة لمجلس وزرائها التي تستكمل فيها اقرار عدد من البنود المؤجلة من الجلسة السابقة.

وعلى الرغم من ان رئيس الجمهورية ميشال عون، وبحسب ما نقل عنه زواره لصحيفة “النهار” متفائل بالمرحلة المقبلة التي يرفع لها عنوان محاربة الفساد، واطمئنانه الى ان ما يجري في المنطقة من تطورات لن يؤثر على الاستقرار الداخلي، ما دامت الحكومة ملتزمة سياسة النأي بالنفس والحياد عن الصراعات، وهو ما سيتكرر في البيان الوزاري للحكومة التي ستشكل قريباً، الاّ أن الصورة لا توحي بذلك.

بري نائباً ليومين

مجلس النواب الذي يبدأ منتصف هذه الليلة ولايته الفعلية، يخطف الأنظار في اليومين المقبلين، حيث من المقرر عقد جلسة لانتخاب رئيس ونائب رئيس له، إضافة الى اعضاء هيئة مكتب المجلس. وعلى الرغم من ان انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية سادسة بات شبه محسوم، الاّ أن الساحة اللبنانية تترقب النتائج التي ستخرج بها كتلتي “لبنان القوي” والجمهورية القوية” بعد الاجتماعات التي ستعقدها في الساعات المقبلة، ان لناحية حسمها دعم الرئيس بري أو لناحية تسمية مرشحيها لمنصب نائب رئيس المجلس، ما سيزيد حتماً من الكباش بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، نظراً أنه لكل منهما مرشحه لهذا المنصب.

ولفتت المصادر لصحيفة “الأخبار” الى ان الأجواء الإيجابية التي طبعت زيارة بري إلى قصر بعبدا ولقائه بالرئيس ميشال عون، والزيارة التي من المتفرض أن يقوم بها ممثلون عن تكتل لبنان القوي إلى بري اليوم، تضع احتمال لجوء بعض أعضاء تكتل لبنان القوي إلى خيار الورقة البيضاء خارج الحسابات، بعد أن كان البعض يردّد أن البعض في التيار يدفع باتجاه الردّ على ما حصل خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

وثّمة عاملان بحسب الأخبار أيضاً يجعلان من الصعوبة اتخاذ هذا الخيار، أوّلاً أنه لا وجود لمرشّح منافس لبرّي، وبالتالي فإن تصعيد الموقف ضده لا يخدم حتى في الشكل العلاقة الهادئة بين بري وعون، ثانياً تأييد بري لخيار رئيس الجمهورية باختيار النائب إيلي الفرزلي نائباً لرئيس مجلس النواب، الذي سيلي انتخابه انتخاب رئيس المجلس مباشرةً.

أمّا القوات اللبنانية، فهناك دفع قوي من أكثر من نائب ووزير في القوات، باتجاه انتخاب برّي، عطفاً على العلاقة الوديّة التي طبعت المرحلة الماضية بين الطرفين. من جهتها، قالت مصادر في عين التينة إن «ما حصل حتى الآن هو تزكية بالترشيح وممكن أن تقابل بتزكية بالتصويت».

وتشير مصادر نيابية لصحيفة “اللواء”، ان أصوات الرئيس برّي قد تلامس حدود الإجماع في حال صوتت لمصلحته كتلتا «لبنان القوي» (التيار الوطني الحر وحلفائه) و«الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) اللتان يبلغ مجموع نوابهما 44 نائبا، يضاف إليهم نواب حزب الكتائب وحزب سبعة (3 نواب)، اما إذا امتنعت هذه الكتل عن التصويت أو صوتت بورقة بيضاء، فإن برّي سيفوز بأكثرية 80 أو 81 نائباً، تتوزع على الشكل الآتي:

كتلتا الثنائي الشيعي (31 نائباً).

تيّار «المستقبل» (21 نائباً).

اللقاء الديموقراطي (9 نواب).

«المردة» (3 نواب).

كتلة الرئيس نجيب ميقاتي (4 نواب).

السنّة المستقلون (6 نواب).

القومي (نائبان).

كتلة كسروان المستقلة (فريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني) نائبان.

اما أصوات نائب رئيس المجلس والمرجح ان يعود إلى هذا المركز النائب ايلي الفرزلي، على اعتبار ان المعركة ستنحصر بينه وبين مرشّح حزب «القوات اللبنانية» النائب أنيس نصار، فلن تتجاوز بدورها الأصوات التي سينالها الرئيس برّي، وان كانت ستبقى أقل بعدد ضئيل، طالما ان تكتل «لبنان القوي» سيرشحه (29 نائبا) في مقابل حجب أصوات كتلة «القوات» (15 نائباً) الذين سيصوتون لمصلحة المرشح نصار.

وفي هذه الحالة، ستتوزع أصوات الكتلة المسيحية بين المرشحين الفرزلي ونصار، فيما بات ثابتاً ان كتلة «المستقبل» (21 نائبا) ستصوت لمصلحة مرشّح «القوات» بحسب ما أعلن الرئيس الحريري في افطار السفارة السعودية، حيث أكّد انه لن يصوت للفرزلي، علماً ان الموقف النهائي لـ«المستقبل» سيعلن بعد أوّل اجتماع للكتلة غداً الثلاثاء في «بيت الوسط».

وترجح مصادر نيابية، لـ”اللواء” ان تترك كتلة «اللقاء الديموقراطي» الحرية لنوابها في التصويت لصالح الفرزلي أو غيره أو بورقة بيضاء، خلال الاجتماع الذي سيعقد اليوم في كليمنصو، على الرغم من إعلان النائب وليد جنبلاط بعد زيارته للرئيس برّي مساء أمس في عين التينة، من انه سيوحي بانتخاب الفرزلي، نائبا للرئيس، لأن البعض قد لا يريد انتخابه، في إشارة إلى عضو «لائحة المصالحة» التي فازت في الانتخابات النيابية جورج عدوان والذي هو ايضا عضو كتلة نواب «القوات اللبنانية»، وربما غيره ايضا من النواب المسيحيين والدروز أيضاً.

وفي هذا الإطار، أكد النائب السابق لرئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي لصحيفة “الحياة” أن موضوع نيابة رئاسة المجلس ليس مطروحاً بالنسبة إليه قبل تبنّي ترشيحه رسمياً من «تكتل لبنان القوي» الذي سيعقد اجتماعه غداً الثلثاء لاتخاذ القرار في هذا الشأن، مشيراً إلى أنه «ملتزم التفاهم العريض الذي يقوده رئيس الجمهورية ميشال عون منذ انتخابه».

وعن عدم دعم الرئيس سعد الحريري لترشيحه لنيابة رئاسة المجلس، قال الفرزلي: «هذا حقّه الديموقراطي ولا يمكنني أن أضع نفسي مكانه لفهم تحالفاته وخريطة علاقاته ولكني على الصعيد الشخصي أعرف أهمية الدور الذي يمكن أن ألعبه على المستوى الوطني الكبير».

الحكومة المقبلة والشهية المفرطة

وما إن يُسدل الستار على الاستحقاق النيابي، حتى يفتح ملفّ الاستحقاق الحكومي بدءاً بالتكليف ثمّ التأليف، واذ أشارت المعلومات الى ان الاسبوع الحالي لن يشهد أي استشارات نيابية، رجحت بعض المصادر لـ”اللواء” ان تبدأ هذه الاستشارات الملزمة اعتبارً من الاسبوع المقبل، رافضة ربطه بأي سفر للرئيس الحريري إلى الخارج، وإنما بسبب مصادفة الجمعة عيد المقاومة والتحرير، تليه عطلة نهاية الأسبوع.

وانطلاقاً من أن الانتخابات النيابية أفرزت قاعدة “الكل ربح” فان الشهية المفرطة للتوزير فتوحة على مصراعيها، وفي هذا الاطار أبلغت مصادر متابعة للاتصالات الحكومية “النهار” ان حزب الله لن ينال أي حقيبة سيادية إلا على حساب الرئيس بري لان الحقائب اربع وهي موزعة على الطوائف. وقد حجز شريكه حصة الطائفة الشيعية. كما ان الحزب لا يرغب في حقيبتي الخارجية أو الدفاع لان عملهما يتركز على التعامل مع دول عربية وغربية لا يرتبط الحزب بعلاقة جيدة معها.

وقالت المصادر المتابعة ان التفاوض العالي السقف لن يكون في وجه الرئيس الحريري بقدر ما سيكون اعادة بلورة أو تظهيراً للاتفاق مع العهد و”التيار الوطني الحر” في ظل المتغيرات الكبيرة التي حصلت منذ توقيع ورقة التفاهم في العام 2007، والسياسات التي انتهجها رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل في السنتين الاخيرتين.

وشدّد الوزير وائل أبو فاعور لصحيفة “الحياة” على ان الوزراء الدروز هم من حصة جنبلاط، وله وحده حق تسميتهم، لافتاً إلى اننا «نمثل 7 مقاعد من أصل ثمانية درزية، والثامن مقعد شاغر لم يستحق في الانتخابات، وتركه جنبلاط لأن صدره رحب.

ويقول مصدر سياسي بارز لـ”الجمهورية” أن من بين العقد أمام التأليف مسألة التمثيل المسيحي والتنافس الكامن بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» التي ضاعفت حصتها البرلمانية. ويشير إلى معطيات بأن «التيار» يميل إلى الاستئثار بغالبية الحصة المسيحية على حساب «القوات» في ظل معلومات عن أن هناك نية لدى بعض «التيار» لإحراج «القوات» من أجل «إخراجها»، وهو ما دفع الرئيس بري إلى التركيز على ضرورة قيام حكومة وفاق وطني، فضلاً عن أن بعض السفراء الأجانب بلغه هذا التوجه فنصح في اللقاءات مع المسؤولين والقادة السياسيين بضرورة قيام حكومة «جامعة».

ووفق معلومات “الجمهورية” فإنّ السقفَ الذي ينطلق منه باسيل في مفاوضات التأليف والذي فاتح به رئيس الحكومة، حسب تسريبات قريبين من باسيل، هو «حقيبتان سياديّتان إحداهما لـ «التيار» كحزب، وهي وزارة الداخلية، والأُخرى لرئيس الجمهورية. أما الحقيبة الخدماتية التي سيتمسّك بها باسيل فهي حقيبة «الأشغال»، الأمر الذي سيقطع الطريق أمام «القوات» للمطالبة بحقيبة سيادية وبحقيبة «الأشغال» مجدداً.

إلى ذلك، تحدّثت المعلومات عن وجود توجّهٍ داخل «التيار الوطني الحر» لإنشاء «جبهة وطنية» موسّعة داعمة للعهد تتخطّى مقر مكتب «التكتل» في سن الفيل الذي اتّخذ قراراً بأن لا يضمّ فقط نوّابه ووزراءَه الحاليين، بحيث انّ «الجبهة» ستضمّ وزراء ونوابَ «تكتّل التغيير والإصلاح» السابقين والطاقم الوزاري والنيابي الحالي وشخصيات حليفة ترشّحَت على لوائح «التيار» في الدوائر ولم يُكتب لها الفوز وشخصيات حليفة للعهد.

وقالت مصادر نيابية لـ «الحياة»، إن استعجال كل الفرقاء وكذلك السفراء الأجانب، تأليف الحكومة من دون تأخير يعود إلى شعور بأن عراقيل ومطالب توزير كثيرة تنبئ بعرقلة التأليف. إلا أنها تشير إلى أن الثنائي الشيعي هو أكثر الفرقاء استعجالاً للتأليف لسببين: الأول هو تكريس شراكة «حزب الله» في السلطة التنفيذية، بعد العقوبات الأميركية والخليجية. والثاني تثبيت ما اعتبره الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله انتصارا بنتيجة الانتخابات.

وشدّدت المصادر لـ”اللواء” على ضرورة ان يشكل موضوع الاستراتيجية الدفاعية اولوية لدى الحكومة المقبلة في ظل الوضع المتأزم اقليميا، خصوصا ان الجميع يدرك اهمية التوافق الداخلي واستمرار لبنان بإتباعه سياسة النأي بالنفس، وتحييد نفسه عن النيران المحيطة به في المنطقة، خصوصا انه دفع ولا يزال يدفع عبر سنوات ثمن ازمات المنطقة، واخرها نتائج الحرب في سوريا، وما نتج عنها من مشكلة النازحين التي كبدت لبنان خسائر مالية واقتصادية جمة ولا يزال يرزح تحتها، رغم المؤتمرات والمساعدات والوعود الدولية لدعمه.

“رأب الصدع” الحريري الجنبلاطي لم ينجح

على صعيد آخر، كشَفت مصادر «بيت الوسط» والحزب التقدمي الاشتراكي لـ «الجمهورية» أنّ اللقاء الذي كان منتظراً امس بين الحريري وجنبلاط لم يحصل كما كان متوقّعاً، لأنّ الإتصالات التي اجريَت لترتيب هذا اللقاء، بحسب المصادر، لم تؤدِّ إلى النهاية المرجوّة حتى ساعة متقدّمة من ليل امس.

توازياً، قالت مصادر أخرى عليمة لـ«الجمهورية» إنّ الاتصالات لن تتوقف عند هذه المحطة، وهي قائمة ومستمرة على رغم الخطوة التي ابعدت اللقاء، أو كانت سبباً في تأخيره والتي سجّلها أمس جنبلاط عندما اعلنَ انّه سيتمنّى على «اللقاء الديموقراطي» إنتخابَ الفرزلي رغم المواقف الرافضة التي عبّر عنها الحريري علناً وقبله نوّابُ الحزب التقدمي وقادته الذين ما زالوا يضعون الفرزلي على «لائحة أصدقاء النظام السوري» في لبنان.

التعليقات مغلقة.