ما لا تستطيعه أوروبا وما لا تريده ايران

طهران تواجه غطرسة القوة الأميركية بأعلى مستوى من الطاووسية الايرانية ومخاطبة واشنطن من فوق. ولا شيء خارج المألوف في المبارزة الكلامية على المسرح، وسط أحاديث في الكواليس عن مبارزة يسعى لها أكثر من طرف دولي.

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يهدّد، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، بعصا قوية تقود الى تغيير النظام وهو يعرف ان استخدامها مستحيل مكتفيا بعصا العقوبات الاقتصادية.

والحرس الثوري يهدّد المسؤولين الأميركيين، ان هاجموا ايران عسكريا، بمصير مثل مصير صدام حسين، مع ان القوة العسكرية الأميركية، لا الايرانية، هي التي أسقطت النظام ورسمت مصير الرئيس العراقي.

وفي موازاة الرد على أميركا ومطالب بومبيو ال ١٢ من ايران، يربط المرشد الأعلى علي خامنئي البقاء في الاتفاق النووي بسبعة شروط على الاتحاد الأوروبي. هو يطالب أوروبا التي لا يثق بها وبامكان تحدّيها لأميركا بما لا تستطيع فعله. وهي تطلب منه ما أعاد التأكيد على انه لا يريد فعله.

مختصر المطلوب من أوروبا ان تتولى مصارفها تأمين التجارة مع ايران، وقواتها حماية مبيعات النفط وان تتعهد ألاّ تسعى الى مفاوضات في شأن الصواريخ الباليستية والنشاطات في الشرق الأوسط. وأقل ما تطلبه أوروبا لضمان الحفاظ على الاتفاق النووي هو تحديد البرنامج الصاروخي وتغيير السلوك الايراني في المنطقة.

والمعادلة دقيقة جدا. ايران في موقع اقليمي قوي، وان كانت تبالغ فيه وتكرّر المفاخرة علنا بنفوذها الممتد من العراق الى سوريا ولبنان وأبعد. لكن وضعها الاقتصادي صعب، وموقفها بالنسبة الى الاتفاق النووي ليس قويا.

إذ هي تستقوي على أوروبا التي تعرف انها في موقع ضعيف. والورقة المهمة التي تهدّد بها هي الخروج من الاتفاق النووي والعودة الى تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية.

لكن السؤال الذي يصعب الهرب منه هو: ماذا تستفيد طهران إذا مزّقت الاتفاق النووي وربحت تخصيب اليورانيوم وخسرت أوروبا بعد أميركا، وربما روسيا والصين؟ هل يتحمّل اقتصادها توقف الاستثمارات الخارجية واعادة نظام العقوبات في مجلس الأمن أو أقله تجديد العقوبات الأوروبية وتغليظ العقوبات الأميركية؟ وماذا لو خرجت القوى الدولية من هواجس الامتلاك الايراني للسلاح النووي.

وقيل لطهران : اصنعي قنبلة وتحمّلي العواقب ؟ أين يمكن استخدام سلاح نووي في المنطقة من دون ان يصل الغبار الذري الى ايران ؟ واذا كان امتلاك السلاح النووي ضمانا لحماية النظام ومنعا لأية دولة من مهاجمة ايران، فان النظام قوي.

لا أحد يستطيع إسقاطه بالقوة. ولا أحد يجهل ان محاربة ايران على أرضها مهمة انتحارية محكومة بالهزيمة. اللعبة، تكرارا، تتحرك على خطين.

رفيق خوري

التعليقات مغلقة.