الحشيش يغطي سهل البقاع ويجذب اهل الرقة

بينما تنشغل الدولة اللبنانية في محاربة “الجماعات المتطرفة” وحل قضايا اللاجئين السوريين، تزدهر زراعة وتصنيع الحشيش في وادي البقاع، إلى درجة صار الوادي معه مساحة مغطاة بنبتة القنب، حسب ما يروي مزارع حشيش لبناني.

ووفق تقرير نشرته الإذاعة العامة الأمريكية، فإن سوريين من محافظة الرقة يأتون منذ سنوات إلى وادي البقاع ليعملوا في حصاد الحشيش، وبعضهم ما زال يأتي رغم صعوبة العبور من المحافظة التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة”.

ويروي التقرير واقعة امرأة عرفت عن نفسها بأنها “أم محمد”، تم اللقاء بها في غرفة متواضعة تنفذ إليها رائحة القنب مختلطة بغبار الزيتون، حيث تعمل المرأة في غربلة القنب مع ابن أخيها البالغ 13 عاما، مرتدية لثاماً لايظهر من وجهها سوى عينيها.

ينسب التقرير إلى “أم محمد” قولها إنها تأتي منذ سنوات إلى البقاع للعمل موسميا، قبل أن تعود مجددا إلى سوريا، لكنها هذه المرة غير متيقنة من إمكانية الرجوع إلى منطقتها الخاضعة لسيطرة التنظيم، والواقعة منذ فترة تحت ضغط قصف من الجو تقوده الولايات المتحدة ، فضلا عن ضغط الوحدات الكردية، ما صعب السفر أكثر فأكثر، فضلا عن أن لبنان نفسه أغلق الحدود أمام العمال الموسميين.

وتقول “أم محمد” إنها قبل 3 أشهر تركت زوجها وابنها الأكبر في الرقة، متوجهة نحو لبنان، منوهة بان خروج المرأة من من مناطق التنظيم يبقى أسهل. ورغم أن التنظيم يحكم الرقة بصرامة، تمنع المرأة حتى من إظهار عينيها، فإن “أم محمد” لم تغادر لهذا السبب، بل بسبب الوضع المالي المتردي لأسرتها، حيث لم يعد محصول القطن من أرضهم يغطي نفقاتهم الضرورية.

ويشير التقرير إلى أن “أم محمد” تتقاضى دولارين في الساعة عن عملها في الحشيش، وهي تحاول توفير أكبر قدر من المال عبر السكن في خيمة، بينما ترسل ما تدخره إلى أسرتها عبر سائقي الشاحنات الذين يعبرون من وإلى الرقة.

زراعة وتصنيع الحشيش غير قانونيين في لبنان، ولكن رب العمل الذي تشتغل عنده “أم محمد” يقول إن سلطات بلاده غضت الطرف عن حقول واسعة من القنب، ترفد صناعة وتجارة تدر ملايين الدولارات.

يقول رب العمل الذي يعرف عن نفسه باسم “علي”: “الحكومة مشغولة جدا، مشغولة بأشياء أكبر من الحشيش، ولبنان لديه مشاكل أكبر”، في إشارة إلى محاربة “المسلحين المتطرفين” على الحدود مع سوريا، والاقتصاد المتعثر، وعبء 1.3 مليون لاجئ سوري في بلد مجمل سكانه 4 ملايين شخص، حسب تعبير التقرير.

“علي”، البالغ 25 عاما، يقول إن السنوات الماضية لم تكن تشهد زراعة الحشيش إلا في القرى اللبنانية النائية مثل بلدته، وكانت مزارع الحشيش دائما تواجه خطر حرقها وإتلافها على يد السلطات، لكن زراعة القنب عادت لتنشط مع بداية الأحداث في سوريا، بل إن هذه الزراعة “ازدهرت” على غرار ما كانت في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، التي انتهت مطلع تسعينات القرن الماضي.

يعلق “علي” على هذا الوضع وهو يرسم ابتسامة فوق وجهه: “هذا العام، كل وادي البقاع مملوء بالحشيش، كله وليس منطقة واحدة فقط”.

ويقول “علي” إن دخله في الأحوال الجيدة يصل إلى 10 آلاف دولار يوميا، عبر بيع الحشيش الذي ينتجه إلى عملاء من لبنان ومصر وأماكن أخرى. وفي ظروف انتعاش زراعة وصناعة الحشيش يبدو أن الأمور تسير بشكل جيد جدا بالنسبة لـ”علي”، الذي يفكر جدياً في جلب باقي أفراد أسرة “أم محمد” إلى لبنان، مقرا بأن الطريق من سوريا محفوف بالمخاطر بالنسبة للأسرة، ولكن إذا ما اصطحبهم مواطن لبناني بصفته كفيلا وراعيا لهم، فيستمكنون من عبور الحدود والمكوث في لبنان.

“أم محمد” تحاول البقاء على تواصل مع أسرتها عبر الجوال، وهي تتابع أخبار الرقة دائما، وتضع على هاتفها صورة قريب لها قتلته غارة روسية على الرقة مؤخرا.

تقول “أم محمد” إنها ترغب بخروج أسرتها من الرقة، مع اعترافها بصعوبة ترك ممتلكاتهم وأرضهم خلفهم، ولكنها بالمقابل ترى أن أسرتها يمكن لها كسب لقمة العيش في لبنان عبر العمل في زراعة الحشيش، كما إنهم سيكونون في مكان آمن.

ويشير “علي” إلى أن عدد اللاجئين السوريين وسكان قريته يتساوى تقريبا في الصيف، وذلك عندما يعود كثير من اللبنانيين إلى بلداتهم للاستمتاع بالطبيعة، أما في أشهر الشتاء فيبدو أن “عدد الرقاويين يفوق عدد سكان القرية”، مضيفا بلهجة يحاول إضفاء طابع الهزل عليها: “ربما سوف يقتلونا (السوريون)”.

بينما تقول “أم محمد” إن بين اللبنانيين من يعاملها بشكل جيد، وبينهم من يعاملها بخلاف ذلك، مضيفة: “يلقبونني بالداعشية، ينادوني بهذا الاسم علنا”، معتبرة أن هذا اللقب ليس مزاحا، بل يعكس حقيقة ما يفكرون به.

وتنوه الإذاعة الأمريكية في نهاية التقرير بأن الكوميديا السوداء هي السمة المميزة للعلاقات اللبنانية السورية في هذه الأيام، ناقلة عن “أم محمد” أنها ترد على من يسمونها “داعشية” بالقول: “داعش محترمة أكثر منك”، تقول ذلك بلهجة مازحة أيضا!.

التعليقات مغلقة.