الطائفة العلوية تطوي صفحة من تاريخها بوفاة علي عيد

النائب السابق علي يوسف عيد

طوت الطائفة العلوية في لبنان صفحة من تاريخها بوفاة زعيمها النائب السابق علي يوسف عيد عن عمر يناهز 75 عاما، أمضاه في العمل السياسي والعسكري والمطلبي من أجل تثبيت حضور طائفته وتحصيل حقوقها ضمن مؤسسات الدولة اللبنانية.

وقد نقل جثمان عيد من “مستشفى الشهيد باسل الاسد” في مدينة طرطوس السورية حيث كان يعالج، إلى دارته في قرية حكر الضاهري الحدودية عند الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير، حيث كان في استقباله اركان “الحزب العربي الديمقراطي” ورؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات عدد من قرى وبلدات سهل عكار وعائلة عيد. وسجل اطلاق نار كثيف ومفرقعات، بالتزامن مع وصول الجثمان.

وكان عيد فارق الحياة بعد صراع طويل مع المرض في مستشفى الأسد في مدينة طرطوس السورية، وهو كان غادر لبنان في آذار من العام 2014 إلى سوريا حيث استقر هناك، بعد صدور مذكرة توقيف غيابية بحقه من قبل قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا بتهمة تهريب المطلوب أحمد مرعي المتهم بتفجيري مسجديّ التقوى والسلام في طرابلس يوم الجمعة في 23 آب 2013، وذلك بسبب رفضه أكثر من مرة المثول أمام القضاء للاستماع إلى إفادته، وقد عقد في حينه مؤتمرا صحافيا في منزله في حكر الضاهري في عكار رفض فيه هذه المذكرة معتبرا أنها سياسية وكيدية، ثم إنتقل بعد ذلك للاقامة في سوريا.

وفور شيوع خبر الوفاة عم الحزن منطقة جبل محسن في طرابلس والقرى العلوية في عكار، في حين إتخذ الجيش اللبناني تدابير أمنية مشددة، وإنتشر بشكل أفقي بين جبل محسن والقبة والتبانة والمنكوبين وفي بعض أحياء طرابلس تحسبا من حصول ردات فعل، لا سيما في التبانة التي عاشت نحو 35 عاما من العداوة مع الحزب العربي الديمقراطي بزعامة عيد والموالي بشكل كامل للنظام السوري، تخللها العشرات من جولات العنف في الحرب الأهلية، إضافة الى عشرين جولة عنف منذ العام 2008 حتى نيسان من العام 2014 حيث تم تنفيذ الخطة الأمنية التي أزالت المحاور وفتحت الأحياء على بعضها البعض، ومن ثم تم توقيف أغلبية قادة المحاور في كل المناطق الساخنة، ما أدى الى مغادرة نجل عيد مسؤول العلاقات السياسية في الحزب رفعت عيد جبل محسن الى سوريا بعد صدور حكم غيابي عليه من المحكمة العسكرية، كما شهدت منطقة الحيصة في عكار في آذار الفائت إطلاق نار على بدر عيد(شقيق علي عيد) في كمين مسلح ما أدى الى وفاته.

ولد علي عيد في التبانة بطرابلس في العام 1940، وتلقى علومه في مدرسة الأميركان، وبعد تخرجه إنتقل الى الولايات المتحدة الأميركية حيث درس الكيمياء، وإلتحق بعد ذلك بالجامعة الأميركية في بيروت حيث نال إجازة في العلوم السياسية.

بدأ علي عيد العمل السياسي في بداية السبعينيات من القرن الماضي حيث أسس حركة الشباب العلوي، وكانت أول حركة تنادي بحقوق الطائفة العلوية التي كانت محرومة من المؤسسات الدينية، ومن الوظائف الرسمية في سلك الدولة، حيث قام عيد وعدد من فاعليات الطائفة آنذاك بزيارة الامام المغيب موسى الصدر وطرح أمامه الظلم اللاحق بالعلويين، فأوصى الصدر باحتساب العلويين من حصة الشيعة في الوظائف الرسمية وبإنشاء المجلس الاسلامي العلوي والمحكمة الجعفرية الناظرة في قضايا الطائفة العلوية، لكن هذه التوصية لم تجد سبيلها الى التنفيذ لدى الدولة اللبنانية.

إختار علي عيد السير الى جانب الرئيس الراحل حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وقد دفع ثمن ذلك في العام 1976 عندما إختلف الأسد مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، حيث إجتاح ما كان يسمى آنذاك الجيش العربي جبل محسن وأحرق منزل عيد، ما تسبب بهجرة علوية الى سورية، ما لبثت أن عادت الأمور الى طبيعتها مع دخول الجيش السوري الى لبنان حيث إستعاد عيد نفوذه.

كما أسس عيد في العام 1978 جبهة المواجهة الوطنية وكانت تضم شخصيات من طرابلس وعكار، ولم يكن يغلب عليها الطابع المذهبي، لكن مع إشتداد التوترات الأمنية أسس عيد فصيلا مسلحا مواليا لسوريا عرف بـ”الفرسان الحمر” حيث خاض معارك مع المقاومة الشعبية في التبانة بزعامة علي عكاوي ومن ثم شقيقه خليل عكاوي (أبو عربي) ثم أعلن تأسيس الحزب العربي الديمقراطي وأصبح “الفرسان الحمر” الذراع العسكري للحزب الذي خاض معارك ضارية مع حركة التوحيد الاسلامي منذ العام 1982 وحتى العام 1985 حيث إندلعت معركة طرابلس الكبرى التي أنهت سيطرة التوحيد وكان عيد أحد أبرز المشاركين فيها، من خلال حزبه، وصولا الى إغتيال أبو عربي، ووقوع مجزرة التبانة التي كان الحزب العربي الديمقراطي أحد الأطراف المتهمة بتنفيذها.

بعد سنوات من الهدوء التي فرضه دخول الجيش السوري الى طرابلس، وبعد إنتهاء الحرب وبدء تنفيذ إتفاق الطائف عيّن علي عيد نائبا عن الطائفة العلوية في طرابلس في العام 1991 الى جانب عبد الرحمن عبدالرحمن في عكار، وكان ذلك بمثابة أول دخول رسمي للطائفة العلوية الى الدولة اللبنانية.

ثم إنتخب عيد في العام 1992 ضمن اللائحة الأساسية التي تشكلت على أساس المحافظة، وفي دورتيّ 1996 و2000 خسر عيد مقعده فيهما لمصلحة النائب الراحل أحمد حبوس، حيث أرخت الخلافات بينه وبين أركان النظام في سوريا لا سيما عبدالحليم خدام واللواء الراحل غازي كنعان على حضوره السياسي، وفي العام 2005 لم يحالفه الحظ أيضا فخسر أمام النائب بدر ونوس الذي خاض الانتخابات على لائحة تيار المستقبل، بالرغم من حصول عيد على نسبه 97% من أصوات العلويين في طرابلس، وكذلك بالنسبة لنجله رفعت الذي حصل على النسبة نفسها في إنتخابات العام 2009 لكنه خسر أيضا امام النائب ونوس.

هذا الواقع، دفع بالرئيس سعد الحريري في العام 2010 خلال المصالحة التاريخية التي حصلت في منزل المفتي مالك الشعار، الى الاعتراف رسميا بزعامة علي عيد للطائفة العلوية عندما طلب منه التوقيع على بنود الصلح كممثل للطائفة العلوية بالرغم من وجود النائبين العلويين بدر ونوس وخضر حبيب في المصالحة.

في السنوات الأخيرة تراجع حضور عيد السياسي بسبب المرض، وسلم مقاليد الحزب الى نجله رفعت عيد، الى أن وافته المنية.

التعليقات مغلقة.