لم يحظ اعتقال حاج رستم بالاهتمام المطلوب في الصحافة الإيرانية، فالجمهورية مشغولة الآن بترشح حوالي 21 ألف مواطن للانتخابات التشريعية المقبلة. لكن شبكات التواصل الاجتماعي قامت بالواجب، فكتب مثقفون ومهتمون على فيسبوك وتويتر عن سيرة حاج رستم، إضافة إلى شعراء تعرضوا للإعتقال سابقا على يد الحرس الثوري بسبب قصائد كتبوها عن “الثورة الخضراء”.
حاج رستم هو أحد أهم الشعراء الشباب في إيران، مؤسس المركز الشبابي للقصيدة، الذي أغلقته حكومة محمود أحمدي نجاد، كان أستاذ محاضرا في الشعر وفلسفة الفن، منع من التدريس بأمر من السلطات الإيرانية بسبب مواقفه السياسية، لكنه عوض أن يستسلم، حول منزله في مدينة كرج المحاذية للعاصمة طهران، إلى قاعة تدريس يؤمها طلاب الشعر والأدب والفن. وهذا أسلوب اعتمده أساتذة الجامعات الإيرانية الذين تعرضوا للتضييق والرقابة بعد انتصار الثورة، تارة بسبب آرائهم السياسية وتارة أخرى بحجة أن المواد التي يدرسونها تتعارض مع قيم الثورة والدين. في رواية “أن تقرأ لوليتا في طهران” للكاتبة الإيرانية آذر نفيسي إشارة إلى ما سلف.
عين الحرس الثوري لا تسهى عن هكذا تجمعات، لذلك فإن الصالونات الثقافية التي تشكل ملتقى للشعراء الشباب، لنشر قصائدهم الجديدة الممنوعة من النشر، شفاهيا، إضافة إلى تخصيص جلسات لاستذكار شعراء حداثيين رواد مثل فروغ فرخزاد، مهدي إخوان ثالث، نيما يوشيج وأحمد شاملو، وقدماء مثل حافظ وسعدي الشيرازي، عمر الخيام وجلال الدين الرومي، فقد سبق اعتقال حاج رستم اعتقال الشاعر الشاب مهدي موسوي أحد رواد هذه الجلسات، وحكم عليه بالسجن والجلد بسبب قصائده الغزلية “الإباحية” المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
في السنوات العشرة الأخيرة خصوصا السنتين الأخيرتين من عهد محمود أحمدي نجاد صدرت قوانين رقابة صارمة على المؤلفات الأدبية في الشعر والرواية وقع ضحيتها عدد لا بأس به من الشعراء والروائيين، فاستعاض هؤلاء عن الكتب الورقية بالمدونات الخاصة على الشبكة العنكبوتية، إلا أنهم لم يسلموا أيضا من الملاحقة والاعتقال، فاعتقل يغما كلرويي لإقامته صالونا أدبيا، وحين أصدرت مؤسسة “الرقابة الاستراتيجية” القريبة من الحرس الثوري قرارا باعتقال الشاعرين فاطمة اختصاري ومهدي موسوي، ذكرت أن سبب اعتقالهما هو ترددهما على الصالونات الأدبية، من بينها صالون يغما كلرويي الأدبي، وتؤكد هذه السلوكيات الفرضية القائلة إن الحرس الثوري يتعامل مع الصالونات الأدبية بوصفها عملا أمنيا ضد الدولة.
يقول أحد الشعراء الشباب الذين نالوا نصيبهم من السجن والتعزير إنه كلما انتشرت القصيدة وازدادت شعبيتها، كلما كانت أسباب الاعتقال أوجب، خصوصا إذا انتشرت خارج البلاد، عندها تكون موجبات الاعتقال أدسم، كون القصيدة عندهم، يزداد جرمها ب”عالميتها”. من هنا كانت الجناية الكبرى التي اقترفها مهدي موسوي وفاطمة اختصاري ويغما كلرويي قيام الموسيقي المنفي شاهين نجفي بتلحين عدد من قصائدهم وأدائها.
ومع توسع انتشار القصائد المقروءة بأصوات كاتبيها الشعراء على مواقع التواصل الاجتماعي، توسعت حملات الاعتقال، فاعتقل الحرس الثوري شعراء أمثال هيلا صديقي ومحمد عالي بيام بتهمة تحقير المقدسات والتحريض على الجمهورية الإسلامية، كذلك حكم على موسيقيين قاموا بتلحين قصائد شبابية غير مرضى عنها “قوميا” او “أمنيا” أمثال مهدي رجبيان ويوسف عمادي بالسجن خمس سنوات مع الجلد وتغريمهما مبلفا ماليا مليونيا.
ليس جديدا على الأنظمة الديكتاتورية خصوصا الدينية منها، قمع النتاج الأدبي على أنواعه، فالتاريخ الإنساني حافل بقصص الشعراء الذين قتلهم شعرهم، إضافة إلى أن القصيدة الملتزمة بالقضايا الوطنية والإنسانية تشكل أحد محفزات الوعي الاجتماعي إذا لم تكن أحد انعكاساته، لذلك يخاف الحاكم من الشاعر على طريقة “الأغنية والسلطان” لمحمود درويش. وإذا كان الشاعر الفلسطيني أشرف فياض الذي حكمت عليه السلطات السعودية بالاعدام، قد حظي بدعم عالمي غير محدود، فإن الشعراء الإيرانيين المغمورين يدفعون فاتورة الانفتاح الشكلي لنظامهم على المجتمع الدولي بصمت.
التعليقات مغلقة.