يعتقد عدد من الساسة الإيرانين أن المملكة العربية السعودية أحسنت استغلال حالة التوتر بينها وبين إيران على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وأنها أوقعت طهران في الفخ.
وخلال ساعات مضت على إعدام النمر كانت مواقع إيرانية على الإنترنت قد عمتها الدعوات للتظاهر أمام السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد شرق البلاد، أما الشرطة التي غلبت على أمرها بأعداد الجموع الغفيرة أمامها فلم يكن بيدها سوى النظر خلفهم ومشاهدة مبنى السفارة يحترق على أيدي متظاهرين غاضبين أضرموا فيه النار بقنابل مشتعلة وتسلقوا أسواره ليخربوه. بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الاثنين 4 يناير/كانون الثاني 2015.
فجأة اضطر قادة إيران للوقوف لحظة للتفكير ما إذا كانوا قد وقعوا ضحية استدراج السعوديين لهم بعدما وجدوا أنفسهم منخرطين في أزمة جديدة في الوقت الذي كانت آمالهم منعقدة على الخروج من نفق العقوبات الدولية عليهم وتقبل المجتمع الدولي لهم لاعباً دولياً.
لعل إيران عولت على استشاطة الغضب العالمي إزاء أحكام الإعدام السعودية، غير أنه بدلاً من ذلك وجدت نفسها من جديد داخل إطارٍ صنعه لها أعداؤها يصورها بصورة المستفزة المثيرة للقلاقل في المنطقة وخارجها.
يقول فاضل ميبودي، رجل دين من مدينة قم الإيرانية المقدسة وأهم معاقل المذهب الشيعي في العالم: “لقد كانوا على علم أننا لن نقدر على تحويل أنظارنا للجانب الآخر من المسألة. إقدامهم بالفعل وتجاسرهم على قتله؟ لقد أخذتنا المفاجأة جميعنا على حين غرة.”
قطع العلاقات رسمياً
وبعد اعتداء السفارة، قطعت السعودية رسمياً كل صلاتها الدبلوماسية بإيران كما تبعتها كل من البحرين والسودان يوم الاثنين الماضي. أما الإمارات-إحدى أهم شركاء إيران في التجارة الإقليمية- فآثرت تقليص حجم العلاقات.
وبهذه الخطوة احتد التباين الشاسع بين القطبين السني والشيعي واشتد لاتخاذه شكلاً رسمياً بعدما أجج حروباً طاحنة بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط ليتصيد كل طرف الآخر ويراوغه فيها، كما زادت هذه الخطوة الرسمية الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية للاختيار ما بين حلفائها السعوديين وبين الإيرانيين تماماً في الوقت الذي كانت هذه الدول تحاول الاقتراب من إيران أملاً في فك حرب سوريا.
في ديسمبر/كانون الأول 2015، جلس وزيرا الخارجية السعودي والإيراني وجهاً لوجه أثناء لقاء رفيع المستوى في نيويورك للتباحث في الشأن السوري، حيث يزمع أن تبدأ محادثات بين الأطراف السورية المتناحرة بإشراف الوسيط الأممي، ستيفان دي مستورا، في 25 يناير/كانون الثاني 2016 بجنيف.
كان هناك شيء من الغموض في هوية من سيمثل الحكومة السورية والمجموعات المعارضة المتعددة التي تقاتلها، والآن مع القطيعة الدبلوماسية الحاصلة زاد الغموض وتضاعف.
تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، هاتفياً الاثنين الماضي مع وزيري خارجية السعودية وإيران، شاجباً إعدام الشيخ النمر والاعتداء على السفارة في طهران.
ووصف الأمين العام الذي طالما حث البلدين على التعاون لحل صراعات المنطقة، وصف قطع علاقات البلدين بأنه “مقلق للغاية”.
إيران اتخذت تدابير ضرورية
أرسلت إيران برسالة إلى الأمين العام تقول فيها أنها اتخذت “تدابير ضرورية منها زيادة عدد قوات الأمن” لحماية البعثة الدبلوماسية السعودية، وأضافت أن 40 من المتظاهرين ألقي القبض عليهم.
من جهته سعى المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، لطمأنة المخاوف حول ما إذا كان التوتر الجديد سينعكس سلباً على محادثات السلام الهشة في الشأنين السوري واليمني، فقال: “من جهتنا لن يكون هناك تأثير لأننا سنستمر في العمل بلا كلل لدعم مساعي السلام.”
وكان بعض المسؤولين الإيرانيين يأملون في أن يكون شهر يناير/كانون الثاني شهر احتفال بتنامي أهمية إيران.
فبعد سنوات من المفاوضات العصية، اتـُّـفِق على رفع العقوبات عن برنامج إيران النووي، وقال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في خطاب له للشعب في ديسمبر/كانون الأول 2015: “سيهنأ شعبنا العظيم بالسلام وانفتاح اقتصاد البلاد على العالم” حال تنفيذ الاتفاق النووي.
وأضاف روحاني في خطابه أن بعض الدول “الرجعية” في المنطقة حاولت عرقلة الاتفاق النووي –ملمحاً إلى إسرائيل والسعودية -“إلا أنها فشلت.”
والآن، يتساءل بعض الإيرانيين عما إذا كانت السعودية قد حظيت مرة أخرى باليد العليا خلال الأزمة الدبلوماسية الجديدة.
وقال ميبودي، رجل الدين الإيراني في قم،: “قتلت السعودية السيد النمر خلال هذه المرحلة الزمنية الحساسة لتعميق الفجوة بين المسلمين من السنة والشيعة. ولسوء الحظ، لقد توقعوا رد فعلنا العنيف والآن يستغلونه ضدنا لمحاولة عزل إيران مرة أخرى”.
لم يكن الشيخ النمر مجرد زعيم للمعارضة بالمملكة السنية، بل كان رمزاً للنشاط الشيعي بالخارج.
وفي أعقاب إصدار السلطة القضائية حكماً بإعدامه عام 2014، حذرت إيران من “العواقب الوخيمة” في حالة تنفيذ حكم الإعدام بحقه.
العديد من نقاط التوتر
ومع ذلك، كان هناك العديد من نقاط التوتر بين إيران والمملكة خلال الأشهر الأخيرة، حيث كان الاتفاق النووي والحرب في سوريا واليمن يزيدان من حدة التوتر.
وفي داخل إيران، كان هناك غضب شديد أيضاً من تعاطي السعوديين خلال موسم الحج السنوي هذا العام. ومنعت إيران بصفة مؤقتة رحلات الحج إلى المدينة المقدسة قبيل الصيف في أعقاب الاتهامات بقيام مسؤولي الأمن السعودي بالتحرش الجنسي باثنين من المراهقين الإيرانيين.
وفي سبتمبر/ أيلول 2015، كان هناك مئات من الإيرانيين بين ضحايا تدافع الحجاج بالقرب من مكة.
وقد أدت المعارضة السعودية للاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة ضد إيران إلى تزايد حدة الغضب والتوتر. وسرعان ما أشار العديد من الإيرانيين إلى المصالح المشتركة للمملكة مع إسرائيل.
حامد رضا تراغي، المحلل السياسي ورجل السياسة المحافظ، قال: “كلا الدولتين تعترضان على الاتفاق النووي، وكلاهما تسعيان وراء إفشاله. وخلال المحادثات النووية، شهدنا جون كيري ينتقل بين إسرائيل والمملكة، على أمل تهدئة الدولتين. ونعلم بأمر الرحلات السرية التي قام بها المسؤولون السعوديون إلى إسرائيل. وكان الهدف الوحيد هو الحد من قدرات إيران، وهو الأمر الذي لا يستطيعون بالطبع تحقيقه”.
وذكر بعض الإيرانيين الذين قاموا بأعمال الشغب أمام السفارة السعودية أن لديهم أصدقاء يقاتلون الجماعات المسلحة التي تدعمها المملكة في سوريا.
وقال أبو الفضل، وهو أحد المحتجين، والذي رفض ذكر اسم عائلته خشية التعرض للعقاب: “أظهرنا غضبنا وألقينا على السفارة كل ما وجدناه أمامنا. وكان هناك رجال شرطة ولكنهم قليلون.”
كان هناك دعم كبير داخل إيران للاتفاق النووي الذي انتقده البعض باعتباره يمنح الكثير للمصالح الأجنبية.
والآن، حيث من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية خلال شهر فبراير/ شباط 2016، وإجراء انتخابات المجلس الديني الذي سوف يختار من الناحية النظرية المرشد الأعلى القادم، فمن المؤكد أن يستغل المتشددون هذه القضية والأزمة مع السعودية لضرب حلفاء الرئيس روحاني والآخرين الذي وافقوا على الاتفاق النووي.
من المستفيد من حرق السفارة؟
وتساءل عزيز شاه محمد، العضو السابق بمجلس الأمن القومي الإيراني: “أي جماعة هنا تستفيد سياسياً من اقتحام أي سفارة؟”.
وأشار إلى أن الإجابة تكمن لدى المتشددين – أي تحالف علماء الدين والقادة العسكريين.
وقال محمد: “هؤلاء الأشخاص يعارضون وجود مدربي كرة قدم أجانب لتدريب الفرق الرياضية”.
وجاء الاعتداء على السفارة ضمن أجندة معارضتهم للرئيس روحاني، والذي قال محمد أنه صُدم بأعمال الشغب.
وأضاف محمد: “بالنسبة لهم، قد يقود هذا إلى مكاسب انتخابية، وهو مثالٌ على أن إيران أفضل حالاً في عزلتها. لكنهم لا يرون الصورة الكاملة، فنحن بحاجةٍ إلى السلام والهدوء”.
يبدو قطع العلاقات أمراً بسيطاً؛ ومع ذلك، قد تكون العواقب وخيمة.
وتابع محمد: “إننا نتجه بسرعة نحو الأزمة. هذا أمر سيء للمنطقة بالكامل – في سوريا واليمن وإلى حدّ أقل في لبنان والعراق أيضاً. يؤدي قطع العلاقات إلى إشعال النار في منطقة ملتهبة بالفعل”.
التعليقات مغلقة.