شكّل إعدام الشيخ نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية، انعطافًا في مسار الصراع الحاصل بين الجمهورية الإسلامية في ايران والمملكة العربية السعودية.
فإقدام النظام السعودي على اعدام الشيخ النمر ليس حالة قانونية خاصة به، او إجراء داخلي بين السلطة والمعارضين لها في المنطقة الشرقية، بل إنّ إعدام النمر يتخطى الحالة السعودية الداخلية ليطال المنطقة بأسرها، اي ان تأثير ما قامت به السعودية بدا واضحًا اقليميًا ودوليًا، وانعكاس ذلك الفعل سيكون داخليًا في السعودية على المدى القريب، وخارجيًا يتوزع بين اليمن وسوريا كونهما تشكلان ميدانًا للمواجهة غير المباشرة بين ايران والسعودية، بالإضافة الى التأثير على مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية، المتجهة نحو التصعيد والتأزيم بمبادرة سعودية لذلك.
التوجه السعودي الجديد غير منطقي اذا ما واجه النظام السعودي واقعه السياسي والعسكري، فالسعودية المتخبطة بفشلها العسكري والسياسي في اليمن، وبهزائم مجموعاتها المسلحة في سوريا امام الجيش السوري والمقاومة، وما يرافق ذلك من فشلها في توحيد صفوف “المعارضة السورية” تحت رأيٍ وراية موحدة في مواجهة التحالف السياسي والعسكري المستقر بين سوريا، ايران وروسيا. هذا بالإضافة الى عجزٍ اقتصادي في الموازنة السعودية الأخيرة، وصل الى حد 85 مليار دولار وهو مرجّح للإرتفاع خلال السنوات المقبلة.
كل هذه الأزمات التي تعاني منها السعودية لم تمنعها من التفكير لو للحظة بشكلٍ عاقل، حفاظًا على وجودها السياسي والعسكري والإقتصادي بالدرجة الأولى، بعدم إدخال نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران، الخارجة من عقوبات دولية ومتجهة نحو الإنفتاح التام نحو العالم، مع تسارع الوفود الدولية لزيارتها، وعقد الإتفاقات معها على كافة الصعد. فإذًا، السعودية اختارت المواجهة وهي بكامل فشلها، مع دولة لم تُهزم وهي بكامل الحصار الدولي عليها، فكيف الآن بعد رفع العقوبات عنها، ودخولها في مصاف الدول النووية؟
من جهةٍ اخرى، فإنّ المحاولات السعودية المتكررة للحشد المذهبي ضد ايران، تصطدم بالمصالح الخاصة للدول التي تطلب منها السعودية الوقوف الى جانبها، في معركتها ضد ما تحاول تصويره “ايران الشيعية” الصاعدة، فلم تستطع السعودية الضغط على مصر في هذا الإتجاه، كما انها عجزت عن ادخال تركيا ضمن خطتها الجديدة، اي المواجهة المباشرة مع ايران، وتظهر الإدانة التركية لقيام السعودية بإعدام النمر أنّ تركيا لن تتهور بإعلان العداوة مع إيران، بغض النظر عن السياسة التركية التي لا تختلف عن السياسة السعودية، إلّا انها لم تأخذ نفسها نحو الهاوية حتى الآن.
أما بالنسبة للدول الخليجية، لم تجد السعودية إلّا بالبحرين ملاذًا لجنونها القادم، وهذا ما كان متوقعًا، بسبب التقارب الشديد بين النظامين في القمع والظلم، والدور الكبير الذي لعبته السعودية في حفظ النظام البحريني من الإنهيار، بعد دخول “درع الجزيرة” لقمع التظاهرات والإحتجاجات التي قام بها الشعب البحريني ضد النظام الحاكم هناك، ما يعني أنّ بقاء النظام البحريني هو من بقاء النظام السعودي، اما الإمارات فمصالحها الإقتصادية وانفتاحها التجاري على ايران اهم بكثير من التوجهات السعودية.
لم تجد السعودية في حشدها ضد ايران إلّا الدول المغلوب على امرها، والتي لا علاقة لها بكل اوجه الصراع، إلّا انها دول “سنية”، ما يعني انها تلزَم للإستثمار الطائفي السعودي، لكن في كل الاحوال، واذا كانت السعودية تريد توجيه ضربة لإيران بالطلب من الدول التابعة لها قطع العلاقات معها، فما الضربة التي وجهتها السعودية بقيام جيبوتي بقطع العلاقات مع ايران، واي ضرر اقتصادي لحق بإيران عند قيام السودان بقطع العلاقات؟ بل على العكس تمامًا، فإنّ هذه الدول المتواضعة سياسيًا، عسكريًا واقتصاديًا هي التي خسرت، وأدخلت نفسها في مواجهة لا طائل منها.
في غضون ذلك، كان امام النظام السعودي عدة خيارات، تتمحور جميعها بين التصعيد مع ايران، او محاولة الخروج بأقل الخسائر الممكنة في الميدان اليمني والسوري، عبر التفاوض مع الأخيرة. بناءً عليه، فإنّ حاجة السعودية لإيران في هذه الفترة التي تمر بها المنطقة اكبر من الحاجة الإيرانية للسعودية، لأنّ الأمور متجهة نحو فشل الإستراتيجية السعودية في دعم المجموعات الإرهابية في سوريا، وما يرافق ذلك، من خسائر سعودية جسيمة في اليمن، ما يجعل الذهاب السعودي باتجاه التصعيد مغامرة غير محسوبة، ستزيد من خسائرها، التي ممكن ان تصل الى حد انهيار النظام الحاكم هناك، امام مشاكله الداخلية بين العائلة الحاكمة، والمشاكل الخارجية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.
وفي هذا السياق، وبعد قراءة للواقع الذي يمر به النظام السعودي، فإنه من غير الممكن تصور اي انتصار سعودي في المواجهة مع ايران، واذا كانت السعودية تحاول استفزاز ايران لمواجهةٍ عسكرية، فهذا الموضوع ليس خطة من مكنون فكر محمد بن سلمان غير القادر على حسم معركة في تعز، بل للإدارة الأميركية دور واضح في دفع السعودية بإتجاه الدخول في هكذا مغامرة. فمن ناحية، لم يعد امام الإدارة الاميركية اي تعويل على السعودية في حفظ مصالحها في المنطقة، التي اصبحت مهددة اكثر من اي وقت مضى، اي لا حاجة بعد لحماية النظام السعودي، مع انتفاء الحاجة من وجوده. ومن ناحيةٍ اخرى، فإنّ إيران الخارجة من العقوبات الدولية، محمّلة بالإنفراجات الإقتصادية والسياسية، بالإضافة الى الأموال الإيرانية التي تفوق 100 مليار دولار والتي تم رفع الحظر عنها، كل هذا جعل الإدارة الأميركية تفكّر بأي وسيلة تجعل ايران تستنزف قدراتها في الحروب، وتغطية الصراعات العسكرية. وعليه، فإنّ التريث الإيراني في مواجهة التصعيد السعودي، يُظهٍر ان ايران استوعبت ما تحاول الإدارة الأميركية إدخالها به، على عكس النظام السعودي الذي دخل في اللعبة الأميركية، من دون أي خطوط حمراء تحفظ ما بقي منه، ليكون الورقة التي لا مشكلة لدى اميركا في خسارتها، امام استنزاف القدرات الإيرانية.
التعليقات مغلقة.