الرئيس برّي : ولزوم ما لا يلزم

رئيس مجلس النواب نبيه بري

إنتهت الجلسة رقم 34 بفشل جديد يُضاف إلى مسيرة طويلة غير مُثمرة من الجلسات النيابية الهادفة نظريًّا إلى إنتخاب رئيس، مع تسجيل رقم قياسي في عدد النوّاب المُشاركين في الجلسة والذي بلغ 36 نائبًا فقط لا غير! فمن يملك مُفتاح حلّ مُعضلة الفراغ الرئاسي التي طال أمدها كثيرًا؟

الآراء مُتعدّدة ومُتناقضة، وهذه أبرزها:

النظريّة الأولى تقول إنّ حلّ مسألة الإنتخابات الرئاسيّة هو بيد “حزب الله” الذي يتخذ من دعم رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون ذريعة للتعطيل، في إنتظار “ضوء أخضر” من إيران مُرتبط بالتطوّرات الإقليميّة، وإلا لكان مضى قُدمًا بالمُبادرة الأخيرة القاضية بانتخاب رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجيّة رئيسًا، أو لكان عمل بجهد على إقناع العماد عون بالإنسحاب وبترشيح من يرتئيه مُناسبًا مكانه. ويجزم أصحاب هذه النظريّة أنّ لا إنتخاب لرئيس جديد في لبنان، ما لم يُوافق عليه “حزب الله” أوّلاً وأخيرًا.

النظريّة الثانية تقول إنّ العماد عون يملك مفتاح الربط والحلّ في مسألة الرئاسة، كون كتلته هي التي عطّلت النصاب القانوني للجلسات، بدعم من كتلة حليفه “حزب الله” الذي إستدرج إلى هذا الموقف وفاء لتقديمات “الجنرال” المُتعدّدة في الكثير من المراحل السابقة. وبالتالي، يكفي أن يُوافق العماد عون على أيّ مُبادرة مطروحة، ومنها المُبادرة التي نُسبت إلى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حتى يتمّ إنتخاب رئيس فورًا، أو يكفي أن يجتمع برئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع للتوافق على رئيس وسطي، حتى تُحلّ مُعضلة الشغور.

النظريّة الثالثة تقول إنّه بعد التطوّرات الأخيرة في الملفّ الرئاسي، صارت الكُرة في ملعب رئيس “القوّات” الذي يكفي أن يُعلن إنسحابه من المعركة الإنتخابيّة ووقوفه خلف العماد عون في طموحه الرئاسي، حتى يُصبح قصر بعبدا نابضًا بالحياة من جديد وحتى يعود “الجنرال” إليه بصفة رئيس جمهورية وليس رئيس حكومة إنتقاليّة هذه المرّة.

النظريّة الرابعة تقول إنّ “تيّار المُستقبل” الذي كاد أن ينجح في تمرير تسوية إيصال النائب فرنجيّة إلى الرئاسة، سيضمن نجاح حلّ مسألة الشغور الرئاسي بمُجرّد أن يتبنّى ترشيح العماد عون للرئاسة، بحيث يفتح عندها تلقائيًّا الباب واسعًا أمام الحلول الشاملة، بدءًا ببوابة قصر بعبدا، مُرورًا ببوابة قصر الحكومة، وُصولاً إلى بوّابة مجلس النوّاب. فالجميع يعلم أنّه من الصعب جدًّا الوقوف بوجه أيّ توافق بين “تكتّل التغيير والإصلاح” من جهة “و”تيّار المُستقبل” من جهة أخرى، لما يُمثّلانه من ثقل ومن إمتدادات سياسيّة.

بري

في التقييم العام، يُمكن القول إنّ كل هذه النظريّات صالحة للنقاش، وهي قد تكون صحيحة جزئيًّا، لكنّ الأمور ليست بهذه البساطة إطلاقًا، وتتجاوز بكثير مسألة لعبة الأصوات الداخليّة، ومسألة تأمين النصاب القانوني لجلسة الإنتخاب، وكذلك مسألة الأحجام الحزبيّة والسياسيّة المُؤيّدة للرئيس، إلى ما هناك من تفاصيل صغيرة تدور كلّها في خانة التعطيل الداخليّ الذي يتحوّل إلى محدود التأثير أمام العقد الأخرى.

فقد أثبتت الوقائع الميدانيّة على مدى عام ونصف العام أنّ القضيّة غير محصورة بإسم الرئيس، بل تتجاوزه إلى السلّة الشاملة التي ستُواكب إنتخابه، والتي لا بُدّ أن تشمل رئاسة الحكومة وشكلها وأحجام القوى السياسيّة المُختلفة فيها، وطبيعة قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبلة وتقسيماته، والخطوط العريضة لسياسة الحُكم ككل بعد إتمام الإستحقاق الرئاسي. وأثبتت الوقائع الميدانيّة أيضًا أنّ الدورين الإيراني والسعودي حاسمان في الملف الرئاسي اللبناني، لجهة القُدرة على تسهيل الأمور أو عرقلتها عبر القوى المحليّة المُؤيّدة لكلّ منهما.

في الختام على من يُراهن على أن تُحلّ مسألة الشغور الرئاسي بمُجرّد حُصول تحوّل في الإسم المطروح للرئاسة أو في عدد الأصوات التي من المُحتمل أن ينالها هذا المُرشّح أو ذاك، أن يُقلع عن رهانه، لأنّ لا حلّ لمُعضلة الرئاسة إلا بتسوية كبيرة تنقل الوضع الداخلي من حال الشلل إلى حال دوران عجلة الدولة من جديد على مُختلف الصُعد، ولا حلّ لمُعضلة الرئاسة إلا بتسوية كبيرة تشعر معها أغلبيّة القوى السياسيّة الداخليّة بأنّها مُنتصرة أو مهزومة، لا فرق، حيث المُهم أنّ يكون الشعور مُتوازنًا.

وبمجرّد توفّر هذه المُعطيات، ستتم الدعوة لجلسة عاجلة للمجلس تنتهي بشكل إيجابي بسرعة قياسيّة. لكن حتى تاريخه، لا شيء يُوحي بقرب حلّ مُعضلة الرئاسة، وبالتالي إنّ قيام رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بتحديد موعد الجلسة التالية في الثامن من شباط المُقبل، أي بعد أربعة أسابيع وليس ثلاثة كما درجت العادة في الأشهر الأخيرة (باستثناء الجلسة السابقة التي قُرّب موعدها بسبب عطلة الأعياد)، يدخل في خانة رفع العتب أو حتى لزوم ما لا يلزم، لا غير!

ناجي س. البستاني

التعليقات مغلقة.