حزب الله : كيف سترمم صورتك المهتزة لبنانياً و عربياً ؟

ليست عملية “حزب الله” الأخيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا، إعادة لصوغ الأولويات التي إنطلقت المقاومة على أساسها، أي التحرير، فهي وفق بيان الحزب جاءت رداً على إغتيال سمير القنطار .

وقد تليها عمليات أخرى، لكنها لا تغير من واقع الحال ومن المشهد الذي يقدمه “حزب الله” على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ضمن قواعد اشتباك مضبوطة، وشبه هدنة تضبط أي تصعيد عسكري، أو توتر على الحدود، طالما أن تركيز الحزب و”المقاومة الإسلامية “وأولوياتهما واهتماماتهما في ي مكان آخر.

لن تغيّر العملية العسكرية شيئاً في واقع أن الحزب متورط حتى العظم في الحرب السورية، فهو نقل المقاومة من قوة على الحدود الجنوبية مع الاحتلال الإسرائيلي، مهمتها التحرير، الى الحدود الشمالية والى طرف في الصراع السوري، وإن كان عنوانه مقاتلة التكفيريين.

وهذا القتال والتورط، منذ بدايته قبل ثلاث سنوات يجري تحت عناوين مختلفة، لكنه بالتأكيد لا يحظى بإجماع لبناني، إذ يعتبر انخراطاً في الصراع ضد جزء كبير من الشعب السوري، لا بل أن الحزب غامر بكل عناصر قوته والإجماع الذي حظي به عربياً في يوم من الأيام، عندما كان قوة تحرير، قبل أن يتحول قوة فائضة بالسلاح لبنانياً، وليتحول عربياً قوة وظيفتها التدخل في غير الأماكن التي قد م ألوف الشهداء من أجلها في تحرير الجزء المحتل من الجنوب اللبناني وتوجت عام 2000 بخروج الإحتلال من أرض الجنوب.

يستمر “حزب الله” ويتورط اكثر في الداخل السوري، حتى أنه يشارك في حصار قرى سورية فيها مدنيين يعانون الجوع، وينخرط شبابه بقوة التزاماً بقرار حاسم سياسي وشرعي، محلي واقليمي، بالمشاركة في القتال في سوريا، ويستمر في الخروج عن “النأي اللبناني” بما يمكن وصفه انشقاقاً سياسيا وتحوّل الى شرخ اجتماعي داخلي كبير، أثر على تماسك البنية اللبنانية، وكأن “حزب الله “وهو ينخرط في الحرب السورية طرفاً الى جانب النظام، يخوض أيضاً معركته الداخلية اللبنانية أيضاً.

هذا المسلك يتنافى مع ضرورات الوحدة اللبنانية في مهمة الدفاع عن لبنان، وصون سيادته، واستكمال تحرير ما تبقى من أرضه، اذا اعتبرنا أن مسوغات الحزب التي يوردها دفاعاً عن استمرار مهمته القتالية، لا تتشكل حول المهمات الوطنية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وبالتالي فإن استنهاض تضامن وطني امام مواجهة عدوان اسرائيلي محتمل، تراجع أو بات غير ممكن بعدما ترنح لدى فئات لبنانية واسعة، ولدى قوى لبنانية وعربية كانت تعتبر القتال ضد الاحتلال مهمة وطنية ينبغي دعمها.

لم يترك “حزب الله” شأناً لبنانياً داخلياً إلا وجيّره لضرورات معركته السورية والإقليمية، الى إنخراطه في إطلاق مواقف ضد دول عربية وخليجية لمصلحة إقليمية غير لبنانية، وهو وإن كان يبرر مواقفه ويسوّغها لأهداف تنسجم مع سياسته والتوجهات الإيرانية، إلا أن عودته الضيقة المحصورة بالقوة الشيعية وإنخراطه في الصراع الشيعي السني، بالرغم من رفضه الإتهامات الموجهة اليه بذلك، رفع بذلك كل ذلك التضامن والإجماع الذي تكتل يوماً حوله في معركته ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي كانت حتى لحظة التحرير في عام 2000، تحظى بشبه اجماع لبناني، فلم تخرج أصوات تقول بإنهاء المقاومة، بالرغم من الانقسام الذي شهده البلد في مراحل مختلفة.

يقدم “حزب الله” شبابه اليوم في غير المكان الذي جادل طويلاً في موضوع سلاحه، مدافعاً عن استمرار استقلاله عن معطيات القرار الوطني العام، فذلك يطرح بالنسبة الى كثير من اللبنانيين علامات استفهام كبيرة عن اقحام البلد في أخطار تتمثل في انعكاسات ارتدادية على الداخل اللبناني، الى تغذية الخلافات السياسية القائمة ومفاقمتها بعوامل توتر اضافية، ويكاد عدد مقاتلي الحزب الذي سقطوا في الحرب السورية يوازي عدد الشهداء الذين سقطوا ضد الاحتلال الاسرائيلي على مدى سنوات المقاومة، ما يطرح علامات استفهام كثيرة عن قدرة الحزب على الإستمرار في هذه السياسة وفي التورط الذي يدفع لبنان بموجبه ثمناً كبيراً وكارثياً.

قاتل “حزب الله” في الجنوب متسلحاً بخصائص ساحته أو منزله اذا جاز التعبير، لكنه اليوم يفقد هذه الخاصية، وان كان كثيرون يؤيدونه في معركته ضد التكفيريين، فالداخل اللبناني اليوم لم يعد كله ساحة للحزب، بعدما فقد جزءاً من “الغطاء المنزلي” الذي تمتع به واستند اليه لسنوات طويلة.

والبعد العربي يتهمه اليوم بالتدخل في شؤونه حزبياً وسياسياً ومذهبياً، ولم يعد يشكل له غطاءً في الحالات الحرجة، فإلى متى يستطيع الحزب تحمل كلفة بالحجم الذي يقدمه، وهل الراعي الاقليمي قادر على تغطية هذه الخسائر، وان كان التوجه العام في الطائفة يدعم تدخله؟ وإلى متى يستمر سقوط الشباب، وهل من أمل في العودة الى الحاضنة اللبنانية؟ والى أن تظهر التسويات في الحرب السورية، سنسأل، كيف سيرمم “حزب الله صورته المهتزة لبنانياً وعربياً؟

التعليقات مغلقة.