في عام 1979م أعتبرت أتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل (سيناء) هي منطقة عازلة وضيقت على مصر في نشر قواتها العسكرية فيها إلى حد كبير، حيث قسمت سيناء إلى ثلاث اقسام 1- منطقة (أ) 2- منطقة (ب) 3- منطقة (ج)
تقلص دور الجيش المصري بالأسلحة الخفيفة فى المنطقتين (أ) و (ب) وأنحظر تماماً في المنطقة (ج) على الشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة (إسرائيل) وقطاع غزة ، واقتصر على تواجد الشرطة المدنية فيها بالأسلحة الخفيفة وقوات حفظ السلام UN التى تراقب شروط اتفاقية السلام.
فبدأ الفكر الجهادي ينمو وينتشر بقوة فى مصر بعد هذه الأتفاقية التي يراها الجهاديون خيانة للأمة وتسليم للمشروع الأمبراطورية الأسرائيلي فى المنطقة وتخلى عن القضية الفلسطينية ، فكان هذا من أهم دوافع الجهاديين والبذرة الأولى إلى إنشاء تنظيم جهادي قوي لمواجهة الكيان الصهيوني بالسلاح بعد أن سالمته الدولة المصرية في كامب ديفيد .
تشكيل أولى التنظيمات على أرض سيناء
بدأت التنظيمات الجهادية ترص صفوفها على أرض سيناء في مطلع الألف الميلادية الثانية وتشكلت جماعة ”التوحيد والجهاد ” وكان أميرها ومؤسسها الدكتور” خالد مساعد “على خطى ” ابو مصعب الزرقاوى ” مؤسس جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين ، المبايع للشيخ القائد” اسامة بن لادن ” زعيم تنظيم قاعدة الجهاد ، فكانوا جميعاً عندهم ما يسمى بالوحدة الفكرية الجهادية وهذا ما عليه جميع الجماعات والتنظيمات الجهادية في العالم ، فكان بين الجهاديون في سيناء وتنظيم القاعدة ارتباط روحى وفكري ذكرت مصادر أمنية مصرية أن الدكتور “خالد مساعد” أستطاع أن يجمع الكثير من شباب القبائل الذي لديهم هذا الفكر الجهادي وتجنيدهم داخل سيناء من خلال القوافل الطبية التى كان يقيمها بصفته طبيب أسنان ، وفي تلك الفترة من أواخر التسعينيات كان الصدام المسلح فى محافظات الدلتا والصعيد على أشده بين الجماعات الأسلامية والسلطات المصرية انتقل بعض ضباط جهاز أمن الدولة إلى سيناء منتهجين نفس السياسية الأمنية هناك وتم محاربة هذا الفكر الجهادي وأعتقال الكثير من أبناء سيناء ومن ضمنهم أعتقل الدكتور “خالد مساعد” مؤسس التنظيم ، وألتقى فى محبسه ببعض قادات الفكر الجهاديين فعاد أقوى مما دخل وبدأ بتنفيذ الضربات والعمليات الأرهابية بعد خروجه.
بدأت أول عمليات تنظيم ” التوحيد والجهاد ” في محافظة جنوب سيناء بمدينة طابا التى تبعد عن ميناء إيلات الإسرائيلي بنحو 7 كيلو مترات ، في قرابة الساعة 09:45 مساء الخميس في السادس من أكتوبر/ تشرين الاول 2004 أستهدفت سيارة مفخخة فندق هيلتون طابا ، موقعة أكثر من 34 قتيلا معظمهم إسرائيليين ،وأعلن التنظيم عن مسؤوليته عن العملية ثأراً للشيخ “أحمد ياسين” زعيم المقاومة الفلسطينية الذي أغتالته إسرائيل فى اذار الماضي ، و شكلت هذه العملية نقطة فاصلة فى تاريخ سيناء حيث أعتقل على إثرها الألاف من أبناء سيناء وتعذيبهم داخل السجون بتهمة الأنضمام إلى هذا التنظيم الأرهابي.
وبرغم القبضة الأمنية القوية على سيناء إلا أنه قام التنظيم بهجمات إرهابية متزامنة في 23يوليو/ تموز 2005 وكانت هذه المرة بمدينة شرم الشيخ وقع فى الصباح الباكر ثلاث إنفجارات متتالية هزت المدينة ، وأعلنت السلطات المصرية أن من قاموا بالتفجير هم مسلحين من البدو من ذات المجموعة التى قامت بتفجير طابا ، وقتل الدكتور ” خالد مساعد ” أمير التنظيم في نفس العام في مواجهة مع الأمن المصري.
تلقى التنظيم الإرهابي ضربات موجعة من السلطات المصرية ومات قائد ومؤسس التنظيم ولكن لم يمت التنظيم بقتل قاداته وظل متماسكاً، ثم ظهرليفاجئ الدولة المصرية بسلسلة عمليات ارهابية جديدة في 24 ابريل / نيسان 2006 بثلاث انفجارات في مدينة دهب كسابقتها ، أودت بحياة العشرات وإصابة مئات من المصريين ومن جنسيات أخرى ، أشتدت الضربات والملاحقات الأمنية لأفراد وقادة التنظيم ثم لجأوا بعض أفراد التوحيد والجهاد ممن نجو من القتل أوالأعتقال إلى الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة وألتحقوا بالجماعات السلفية الجهادية هناك وأشتركوا معهم فى التدريب والتأييد في العمليات العسكرية ضد إسرائيل .
الهروب إلى قطاع غزة
وفى شهر يناير/ كانون الثاني2006 فازت حركة المقاومة الفلسطينية حماس في الأنتخابات التشريعية حيث تمكنت من تشكيل الحكومة ، فكان الصعود السياسي الذي أفتتح فصلا من العلاقات بين القطاع وشبه جزيرة سيناء يمثل خطراً سياسياً مع النظام المصري أناذاك ، فحول النظام المصري فوز حركة حماس إلى خطراً أمنياً يهدد مصر و سيناء تحديداً ، وصرح لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية محافظ شمال سيناء أن الخطر على أمن سيناء ليس قادم من الحدود مع الأراضي المتحلة إسرائيل بل قادم من 14 كيلو متر حدودنا مع قطاع غزة .
أنطلاقاً من هذا التوجه لم تخفي الدولة المصرية انحياذها في فرض الحصار على قطاع غزة مع الجانب الأسرائيلي ، قاد الحصار إلى أزدهار التجارة بين غزة وشبه جزيرة سيناء عبر الأنفاق التى كانت تدار تحت سمع وبصر الدولة المصرية والأجهزة الأمنية المصرية ، مع رغبة سياسية لتكون هذه الأنفاق بديلاً عن المعبر وتكون بشكل غير رسمي لتكون ورقة بيد النظام المصري للضغط بها والتفاوض مع حركة حماس .
في عام 2009 أعلنت جماعة جند أنصار الله السلفية الجهادية في غزة بقيادة الشيخ “عبداللطيف موسى” عن إمارة إسلامية في أكناف بيت المقدس من مسجد بن تيمية ، وحسمت حماس الأمر عسكرياً ضد هذه الجماعة التى تريد زعزعة الأمن داخل القطاع على حد وصفهم ، قامت حكومة حماس بقصف المسجد وقتل الشيخ “عبد اللطيف موسى” ومن حوله ، مما دفع الجماعات الجهادية الذين لجأوا للقطاع عقب مقتل الدكتور” خالد مساعد ” إلى العودة مرة أخرى إلى سيناء ، وعاد معهم الكثير من الجهاديين الذين لديهم نفس الأفكارمن الجماعات السلفية الجهادية بغزة .
تأسيس جماعة أنصار بيت المقدس
عادوا بقايا تنظيم التوحيد والجهاد تلاميذ “خالد مساعد” إلى سيناء وهم من أسسوا جماعة ” أنصار بيت المقدس” وبدأت أول عملياتهم بضرب خط تصديرالغاز للأردن وإسرائيل في صيف 2010 ، سرعان ما تغير الوضع المصري عقب ثورة الخامس والعشرون من يناير 2011 والسقوط المبكر “لمبارك” والأنهيار الغامض لجهازه الأمني في عموم مصر وسيناء خاصة ترك فراغاً امنياً كبيراً ، وتمسك الشعب بسلمية الثورة في جميع محافظات مصر ولكن في محافظة شمال سيناء كان نوعاً أخر تحديداً في مدينتى رفح والشيخ زويد فدمرت أقسام الشرطة وكانت الثورة مسلحة بمساعدة الجماعات الجهادية ، بسبب الثأر الذي ربي بين الشرطة والأهالي منذ عام 2004 وماحدث من حمالات أعتقال وتعذيب ، فرأت جماعة “ أنصار بيت المقدس ” هذا ملازا أمنا لها ليس في صحراء سيناء وعزلتها فقط لكن في مدنها الكبيرة أيضاً وحتى وصل بهم الأمر على أن يجوبوا شوارع سيناء نهاراً في قوافل إستعراضية ويعبروا نقاط التفتيش التابعة للجيش المصري دون أن يتعرض لهم أحد ، وهذا يعنى أن هذه الجماعة قد أشتد عودها على مرأى ومسمع من المجلس العسكري الحاكم للبلاد أناذاك.
في يونيو 2011 هاجم أكثر من 150 شخص من جماعة “انصار بيت المقدس” قسم ثان العريش بالأسلحة المتوسطة والثقيلة لمدة 9 ساعات وسقط قتلى من الجيش والشرطة ، مما دفع المجلس العسكري أن يعزز قوات الجيش المصري هناك بالمعدات الثقيلة في المنطقة (ج) لأول مرة منذ توقيع اتفاقية السلام بأتفاق مسبق من الجانب الأسرائيلي وأعلن عن عملية عسكرية سماها “ نسر” وكان هدفها ملاحقة من هاجموا أقسام الشرطة وفرض السيطرة.
قامت جماعة ” أنصاربيت المقدس “ بأكبرعملية ضد إسرائيل منذ نشأتها فى أغسطس 2011 على الحدود المصرية الإسرائيلية حيث تسلل بعض أفرادها إلى إيلات وأستهدفوا حافلة تنقل الجنود الأسرائليين وقتل 8 جنود إسرائليين و27 جريح وهذه العملية كان لها أثر كبير على تهديد أمن إسرائيل ، أعلن انصار بيت المقدس عن هذه العملية التى سماها ” غزوة أم الرشاش الكبرى” بتسجيل مرئي للعملية على موقع تابع له على شبكة التواصل الأجتماعي ، وتكررت العمليات فى عام 2012 بأستهداف إيلات بصواريخ غراد أطلقوها من سيناء
وفي الثالث من يوليو 2013 تم عزل “محمد مرسي” عن حكم البلاد ، وأشتعل الوضع في سيناء حيث عقدت الجماعات الإسلامية مؤتمراً شعبياً يلعنون فيه عن مجلس حرب ، وبدأ يتهمون الجيش المصري بالعمالة لإسرائيل وتخوينه ، وبدأ الأمر يتصاعد شيئاً فشيئاً من الناحية السياسية والأمنية حتى أمرت السلطات المصرية بفض أعتصام رابعة العدوية بالقوة ، ومن هنا بدأ التطور الدرامتيكي لجماعة أنصار بيت المقدس بتكفير عموم الجيش المصري والشرطة المصرية ووجب قتالهم .
وأتخذت الدولة المصرية أولى قرارتها بشأن حربها على الأرهاب في سيناء بتطهير الشريط الحدودي وهدم جميع الأنفاق بين مصر وغزة التي تشكل خطراً على الأمن المصري والذي يتسلل من خلاله قوى الأرهاب والتطرف إلى شبه جزيرة سيناء ، وجعل منطقة عازلة على الشريط الحدودي بين مصر وفلسطين ، ليتحول المشهد إلى اخطر مرحلة تمر بها مصر وسيناء خصوصاً .
وهذا الفيديو يروى لنا ما حدث بعد ذلك وكيف تحولت جماعة أنصار بيت المقدس إلى ولاية تابعة لتنظيمالدولة الإسلامية ( داعش ) و أصبحت ولاية سيناء واصلت هذه الجماعة هجماتها ضد الدولة المصرية من محاولة أغتيال لوزير الداخلية السابق محمد ابراهيم إلى الهجوم على كمائن تابعة للجيش المصري وتفجير بعض مديريات الأمن ! وكيف بايع تنظيم أنصار بيت المقدس زعيم داعش “ أبوبكر البغدادي” وما العلاقة بينهما ؟ وكيف أستمدت قوتها لمواجهة الجيش المصري والصمود أمامه !
التعليقات مغلقة.