هل تخرج السعودية من لبنان ؟

قد يكون ما نقله الزميل جهاد الخازن عن أحد أركان الحكم في بلد خليجي من دون أن يسمي هذا البلد، ولكن من خلال سياق الحديث المنقول، والذي كتبه الخازن في صحيفة “الحياة” في عددها الصادر بتاريخ 19 كانون الثاني، يُفهم أن البلد المقصود هو المملكة العربية السعودية، وهو يرسم ولو بشكل غير رسمي معالم المرحلة المقبلة من الصراع الإقليمي، وبالأخص بين المملكة وإيران، وقد يكون من بين إنعكاسات هذا الصراع ما يمكن أن يتركه من آثار سلبية على الوضع اللبناني، من بوابة الاعتقاد السائد في الرياض بأن لبنان لم يعد سيد قراره، بعدما تحّول إلى “محمية إيرانية”، كما يرى ذلك المسؤول الخليجي، وهو الرجل الثاني في بلاده.

وهذا الكلام معطوفاً على ما كتبه النائب السابق ناصر قنديل في صحيفة “البناء” اليوم، وفيه أن خطوة سمير جعجع بترشيح العماد ميشال عون جاءت بإيحاء أميركي، مضاف إلى ما قاله وزير خارجية قطر الذي أشاد بخطوة جعجع ووصفها بـ “الخطوة الحكيمة” جاء متزامناً مع العلاقات الإيجابية لقطر مع إيران والخطوط التي كشفت عملية تبادل العسكريين المخطوفين مع “جبهة النصرة” أنها مفتوحة بين أمير قطر و”حزب الله”، على حدّ قول قنديل.

والكلام الذي سمعه الخازن من المسؤول الخليجي وكان سمعه منذ أسبوعين من وزير خارجية خليجي يعكس خطورة المرحلة المقبلة وما تخبئه الأيام من مفاجآت على صعيد العلاقات بين لبنان والمملكة السعودية، وفيه ما حرفيته، كما نقلها الخازن “لو كان الأمر بيدي لكنت أقطع العلاقات الديبلوماسية (مع لبنان) وأوقف التحويلات، وأي مساعدات من بلادنا، وأسحب الودائع.

وقال المسؤول الخليجي إن “لبنان لا يمكن أن يلعب على الحَبلَيْن، أو أن يحصل على الأفضل من الطرفَيْن، إما نحن وإما ايران”.

وأضاف، ودائماً وفق “الحياة” “أن أهل الحكم في لبنان يجب أن يقرروا هل هم في بلد مستقل أو مستعمرة ايرانية… يعني لبنان تحرر من الاستعمار الفرنسي وانتقل الى استعمار ايراني”.

المسؤول أضاف إن “المسؤولين اللبنانيين “يضحكون علينا” في الخليج، وإذا كان لبنان قادراً على معالجة المشاكل القائمة معنا فأهلاً وسهلاً، ولكن لن نقبل الضحك علينا الى ما لا نهاية.

أضاف قائلاً “إن العراق، وهو مستعمرة ايرانية وفق قوله، صوَّت مع المملكة العربية السعودية ضد ايران في الجامعة العربية، إلا أن لبنان امتنع وتحفَّظ، و”اليوم لم نعد نأمَن أن يذهب مواطنونا الى لبنان، لا نأمَن أن تحط طائرة لنا في مطار رفيق الحريري الدولي لأن “حزب الله” يسيطر على المطار”.

المسؤول قال إنه “إذا كان “حزب الله” يسيطر على لبنان ويدير سياسته نتعامل معه، وإذا كانت ايران تعتبر لبنان مستعمرة ايرانية فعليها أن تصرف عليه، نحن نرفض أن نساعد لبنان لتستفيد ايران. اليوم السنّة في لبنان والموارنة والأرثوذكس والدروز ليس لهم رأي في إدارة سياسة بلادهم.

“في مثل هذه الحال، يضيف المسؤول الخليجي، على لبنان أن ينسى علاقاته مع المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وسنرى ماذا تستطيع ايران أن تقدم له بدلاً منا”.

ويضيف الخازن إن المسؤول الخليجي كان غاضباً ولم يعطني فرصة التعليق إلا ضمن أضيق نطاق. قال له إن رئيس الوزراء تمام سلام صديق شخصي وثقتي فيه كاملة، وهو قال، أي المسؤول الخليجي، إن رئيس الوزراء لا يفعل شيئاً لوقف الهجمة الإيرانية على سيادة بلده.

قلت له إنه يحاول جهده، وهو ردَّ بأن على ايران أن تغير موقفها أو تتحمل مواجهة مع الدول العربية في لبنان، لا يمكن أن تربحها.

وفي مقالته في “البناء” قال قنديل إن الكلام القطري يأتي بعد صمت طال لأكثر من سنة عن أيّ خطاب متمايز عن السعودية، وقبول رضائي بالإنضواء تحت عباءتها تفادياً لغضب حكامها، في ظلّ غياب التغطية الأميركية التي تحتاجها قطر للعبة التمايز، والتي توافرت مع بداية ما سُمّي بـ”الربيع العربي” ومشروع العثمانية الجديدة وعنوانه المتمثل بالإخوان المسلمين، واختفت بعد الإخفاق الذي مُنيَ به المشروع وانتهت بترحيل مهين للأمير الأب ورئيس حكومته ووزير خارجيته، لتبدو اليوم في إطلالتها الأولى من بوابة الردّ الأميركي على العناد السعودي تجاه صناعة التسويات.

وأضاف قنديل أن كلام الوزير القطري يؤشر إلى عودة الدور القائم على الوساطات الذي تتطلع إليه قطر، وملاقاتها لحاجة جعجع لسند مالي بديل عن السعودية، لسلوك خيار يضعه في قلب التسويات، ويفتح الباب على مسار طويل من التفاوض تتطلع الدوحة لتكون عاصمته، يكون مدخل جعجع لحجز مقعد متقدّم فيه هو ترشيحه لعون دون أن يكون الترشيح خاتمة الخيارات الرئاسية لجعجع.

وقد يكون الاستنتاج الطبيعي لما ورد على لسان المسؤول الخليجي وما اورده قنديل، وهو المقرب من النظام السوري و”حزب الله”، أن لبنان سيشهد جولة جديدة من التجاذبات، وربما قد يكون لها تداعيات جسيمة على وضعيته الداخلية، مما يؤشر إلى إحتمالات صعبة لن يكون أولها سحب السعودية يدها من الملف اللبناني، تمهيداً لآنسحابها من ساحته وتركه في مهبّ الريح.

التعليقات مغلقة.