لم تكتفِ الحرب الأهلية بترك آثارها على جدران أبنية وشوارع بيروت، بل رسمت حدوداً بين المناطق والأحياء ما زلنا نشعر بها أحياناً عند تنقّلنا بين منطقة وأخرى.
نميّز هوية المنطقة الطائفية أو السياسية من خلال الشعارات واليافطة الحزبية المعلّقة في شوارعها، ونتخيل بوضوح صوراً من الحرب: السلاح، الحواجز، خطوط التماس، القتل على الهوية. ومع قصص أهلنا وأقربائنا غدت صورة الحرب راسخة في عقولنا.
رواسب الحرب ما تزال تؤثّر في حياتنا، وحتى في هدايانا. بعض الناس يهدون من يحبونهم رخصاً أمنية: رخصة سلاح، رخصة «فيميه» أو حتّى بطاقة أمنية. صارت هذه «الهدايا» تقدّم عوضاً عن فستان أو وردة أو كتاب.
أهدي رخصة سلاح
صارت رخص السلاح نوعاً من الهدايا والمكافآت التي تقدمها بعض الأحزاب لعناصرها عند قيامهم ببعض المهام الخاصة أو عند تميّزهم في أمرٍ ما.
يحمل أحمد رخصة سلاح منذ عامين بعد أن أهداه إياها مسؤوله في الحزب الذي ينتمي إليه. يقول: «أهداني مسؤولي الرخصة بعد أن أنجزت بنجاح مهمة كلّفني بها».
يضيف: «على الرغم من أنّني لم أطلبها ولم أطمح بالحصول عليها، لكنّني كنتُ فرحاً عند تسلمها. هي تعطيك شعوراً بالنفوذ والقوة».
يؤكّد أحمد أنّه لم يستعمل سلاحه المرخّص يوماً، لكن «حمل السلاح يعطي شعوراً بالأمان، خاصةً في ظل الأوضاع الأمنية المتقلبة طوال الوقت»، حسب قوله.
«الفيميه» للوجاهة
يُصرّ بعض الأشخاص على حيازة رخصة «فيميه» للسيارة، على الرغم من أنّ أصحاب هذه السيارات يكونون عرضة أكثر من غيرهم للإيقاف على حواجز القوى الأمنية.
بالنسبة للينا لا توجد مشكلة في اقتناء رخصة «فيميه». تعتبر الشابة، التي أهداها زوجها الرخصة عند شرائها سيارةً جديدة، أنّ «الفيميه» يجعل السيارة أكثر فخامة من حيث الشكل.
تقول: «يعطي الزجاج المفيم انطباعاً بأنّ مالك السيارة من أصحاب النفوذ، نظراً لأن هذا النوع من الرخص يحتاج للواسطة أو إلى معرفةٍ بأمنيين».
رخص بالجملة
يملك جو بطاقة حماية موكب ورخصة «فيميه»، إضافة إلى رخصة حمل سلاح شخصي.
يملك الشاب كل هذه الرخص، من دون أن يكون منتسباً لإحدى القوى الأمنية، ومن دون أن يكون مرافقاً لإحدى الشخصيات السياسية أو النافذة.
يقول الشاب إنّه لم يدفع شيئاً للحصول على هذه الرخص، كما لم «يشغّل» الواسطة. أحد أصدقائه قام بتقديم كلّ هذه الرخص له كخدمة.
لكن من الواضح أنّه حتى مع حصوله على كلّ هذا، فإنّ جو لم يشعر بالاكتفاء بعد، يقول: «في بلد مثل لبنان عليك الحصول على هذه الرخص لحماية نفسك. ولو كان باستطاعتي أن أحصل على المزيد من الرخص الأمنية لما امتنعت عن ذلك».
بطاقات أمنية لمدنيين!
يستخدم إيلي بطاقة «حماية موكب» من أجل المرور على حواجز الجيش لكنّ سيارته «مفيّمة» دون ترخيص، وبطاقة حماية الموكب ليست كافية للمرور على حواجز الدرك، ممّا يضطره للاتصال بأحد الأمنيين أو النافذين في الدولة لتسهيل مروره».
اللافت في الأمر أن إيلي كان يملك رخصة «فيميه» لسيارته بعد أن طلبها من أحد الأمنيين من أقربائه كخدمة له، لكنّه لم يتمكن من تجديدها لاحقاً.
يعرب إيلي عن حاجته لرخصة «الفيميه»، يقول: «أعمل في ساعات الليل وأضطر إلى قيادة السيارة في وقت متأخر، لذا فإن تفييم زجاج السيارة يخفّف من حدّة الضوء القادم من الخارج والذي قد يؤدي إلى تعرّضي لحادث سير».
هكذا يبرّر إيلي محاولته الدائمة لتجديد الرخصة التي كان حائزاً عليها!
ماذا عن القانون؟
يضع القانون شروطاً عدّة لحيازة رخصة السلاح منها:
أن يكون طالب رخصة السلاح لبنانياً، بلغ الحادية والعشرين من عمره، سليماً من الأمراض العقلية، من دون أحكام قضائية تمنعه من حمل السلاح، وغير محكوم بجريمة تمسّ أمن الدولة، والأهم أنّه يحمل سلاحاً حربياً بفعل مبرّرات وحجج كافية ومنطقية.
أما بالنسبة لرخصة «الفيميه» فهي تعطى للشخصيات الأمنية والسياسية التي قد تكون معرضة للاغتيال، كما تعطى لمرافقيهم. أما بالنسبة للمدنيين فلا يمكنهم التقدم بالطلب للحصول على هذه الرخصة إلّا إن كانوا يعانون من أمراض جلدية أو من أمراضٍ في العين.
فيما لا يمكن للمدنيين الحصول على بطاقة حماية الموكب. خاصةً أنّ البطاقة يُكتب عليها بوضوح اسم حاملها وصفته، واسم الشخصية السياسية التي يعمل مرافقاً لها.
حال هذا القانون، كحال الكثير من القوانين الأخرى في لبنان. توضع في الكتب، من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق، إلّا فيما ندر.
التعليقات مغلقة.