60 عاماً على نشوء حزب الدعوة : أسس لإطلاق حزب الله و المقاومة في لبنان

يحتفل “حزب الدعوة الإسلامية” هذه الأيام بمرور 60 عاماً على تأسيسه، وأقيمت في الفترة الأخيرة لقاءات نقاشية عدة حول تجربته الفكرية والسياسية في لبنان والعراق وعدد من الدول العربية والاسلامية، تناولت اهم الإنجازات التي تحققت والإشكالات التي يواجهها الحزب، ولا سيما في العراق بعد وصوله الى الحكم.

وفي إطار هذه المناقشات الضرورية لا بد من استعادة بعض نشاطات الحزب، ولا سيما على الصعيد اللبناني، من أجل فتح نقاش صريح وكامل حول هذه التجربة الإسلامية والتي تماثل غيرها من التجارب الإسلامية الحزبية كحركة “الاخوان المسلمون” و”حزب التحرير الإسلامي” و”حزب العدالة والتنمية” في تركيا وتجربة الجمهورية الإسلامية في إيران و”حزب الله” في لبنان.

تأسس “حزب الدعوة” في العراق على يد المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر في العام 1965، وشارك في التأسيس عدد من العلماء من لبنان والعراق ومن ايران وباكستان، وانتشر الحزب في عدد كبير من الدول العربية والإسلامية وصولاً الى اوروبا واميركا، وان كان العراق ولبنان والبحرين وسوريا وايران من اكثر الدول التي برز فيها الحزب طيلة السنوات الـ60 الماضية.

على الصعيد اللبناني، لا بد من الإشارة إلى أبرز المحطات اللبنانية في تجربة الحزب والتي مهّدت لنشوء “حزب الله” والمقاومة الإسلامية.

فقد شهدت السبعينيات من القرن العشرين حركة علمائية نشطة في الاوساط الشيعية اللبنانية، من خلال عدد من العلماء الذين قدموا من النجف الأشرف (العراق) او من ايران الى لبنان.

أعطى هؤلاء العلماء الدروس الثقافية في المساجد والحسينيات، وكان من أبرز هؤلاء الامام السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ علي كوراني، كما قدم من ايران السيد محمد الغروي والسيد عيسى الطباطبائي والشيخ محمد رضا الصادقي والشيخ الاختري. وقد بدأ هؤلاء بتأسيس الجمعيات والهيئات الإسلامية ونشر الثقافة الإسلامية، ما أدى الى انتشار الوعي الديني في صفوف الشباب المسلم الشيعي بعد أن كان معظم هؤلاء قد انضم الى الأحزاب اليسارية والقومية والوطنية، اضافة الى بعض الاحزاب اللبنانية كـ “الكتائب” و “حزب الوطنيين الاحرار”.

وكان لتأسيس حركة “أمل” والمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى دور هام في دعم النشاط الديني الاسلامي، كما ادى “حزب الدعوة” دوراً في نشر الوعي الاسلامي وقد انتقل دوره الى لبنان عبر عدد كبير من العلماء ومن خلال بعض الهيئات الاسلامية واللجان الاسلامية المناطقية. كما نشطت ايضاً “حركة الشباب المسلم” التي قادها في العراق الشيخ عز الدين الجزائري الذي جاء الى لبنان لاحقاً إثر تغيير قيادتها وكان من اركانها الشهيد محمد صالح الحسيني الذي عمل لفترة وجيزة تحت الاسم نفسه وتعاون لاحقاً مع عدد من الشباب اللبنانيين ثم عمل تحت اسم “التنظيم الشعبي اللبناني” بالتعاون مع السيد هاني فحص ما أصبح اسمه لاحقاً “لجان العمل الإسلامي”.

توزّع الشباب المسلم في لبنان بين أطر عدة للعمل. بعض هؤلاء عمل داخل حركة “أمل” نظراً لدورها السياسي والشعبي والعسكري، اضافة لاهتمامها بالجانب الديني، ومجموعات أخرى كانت مرتبطة بـ “حزب الدعوة” الاسلامية وتنشط باسم “الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين” و”اللجان الاسلامية” والتجمّعات العلمائية، اضافة الى بعض المجموعات التي كانت على علاقة مع شخصيات ايرانية أو مع المنظمات الفلسطينية وكانت تنشط في بعض المناطق اللبنانية كـ “لجان العمل الإسلامي” ومكتبة الشهيد مطهري.

لكن الحدث الأبرز الذي ساهم في نشر الوعي الاسلامي كان انتصار الثورة الاسلامية في ايران في العام 1979 بقيادة الامام الخميني. وبعد نجاح الثورة عمد هؤلاء الى إنشاء “اللجان المساندة للثورة الاسلامية في ايران” وبدأوا يتواصلون مع قيادة الثورة ويبحثون عن أفضل الأطر لتنظيم اوضاعهم وإيجاد إطار إسلامي موحّد، وقد تعاونت اللجان مع “لجان العمل الإسلامي” و”مكتبة الشهيد مطهري”.

ويمكن القول إن “حزب الدعوة” كان المحرك الاساس للعمل الاسلامي في لبنان في مرحلة الستينيات والسبعينيات.. وصولاً الى بداية الثمانينيات في مرحلة انتصار الثورة الإسلامية في ايران ومن ثم تأسيس “حزب الله” والمقاومة الاسلامية.

معظم علماء لبنان الفاعلين او الذين شاركوا في النشاط داخل “أمل” ومن ثم في تأسيس “حزب الله” او الذين فضلوا العمل بشكل مستقل، كانوا من اركان وقيادات “حزب الدعوة”.

وبعد انتصار الثورة في إيران حصل خلاف فكري داخل الحزب، ففي حين قررت بعض القيادات الالتزام بقيادة الإمام الخميني والالتحاق بالثورة الإسلامية على اساس الايمان بولاية الفقيه، فضّلت قيادات أخرى الحفاظ على استقلالية الحزب مع العمل والتعاون والتنسيق مع القيادة الايرانية.

وفي لبنان، قررت قيادة الحزب الالتزام بولاية الفقية وقيادة الإمام الخميني، وعندما تم إنشاء “حزب الله” بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تمّ حل فرع “حزب الدعوة” في لبنان، وتحولت معظم قيادات الحزب للعمل في اطار “حزب الله”، وبعضها انضم الى مؤسسات الجمهورية الاسلامية الايرانية بشكل كامل.

وأما “حزب الدعوة” في العراق، فقد استمر في النضال السياسي والجهادي والإعلامي من إجل إسقاط حكم “حزب البعث”. وان كان الحزب لم يشارك في التحضيرات للحرب على العراق وإسقاط حكم صدام حسين، فإنه انضمّ الى كل الهيئات السياسية والتشريعية والبرلمانية التي تشكلت بعد الاحتلال الاميركي للعراق ووصل عدد كبير من قيادة الحزب الى المواقع الأولى في الحكم.

لكن الحزب لم يحقق أهدافاً عديدة له كإقامة الدولة العراقية النموذجية، وغرق الكثير من قياداته في الفساد، وشهد الحزب صراعات داخلية قاسية.

بعد 60 عاماً على إنشاء “حزب الدعوة”، فإن هذه التجربة الاسلامية الحزبية تستحق التقييم الشامل وما حققته من أهداف، وبحث اسباب الفشل في إقامة تجربة إسلامية سليمة في العراق، وان كانت تجربة الحزب في لبنان ساهمت في إطلاق المقاومة الإسلامية وانشاء “حزب الله” وكان لها الفضل الاول في نجاح التجربة الإسلامية الحركية اللبنانية.

التعليقات مغلقة.