ارتبكت الرواية الرسمية الأميركية مراراً لابلاغ و”تبرير” حادث اعتقال البحارة الأميركيين في المياه الاقليمية لايران، 12 كانون الثاني، ولم ترسو على سردية قابلة للتصديق للحظة.
والجدير بالذكر أن طواقم سلاح البحرية الأميركية تسيّر دوريات منتظمة بين الكويت والبحرين، خط سير الزورقين، ولديها معرفة وثيقة بحركة الملاحة وقوانينها الناظمة؛ فضلاً عن تطبيق نظام صارم بتجنب الاقتراب من المياه الاقليمية لايران.
الثابت الوحيد جاء في رواية “القيادة المركزية” للقوات الأميركية التي تشرف على القوات الأميركية في عموم الشرق الاوسط، 18 الشهر الجاري، بالقول “كافة الاسلحة والذخيرة ومعدات الاتصال على متن الزورقين لم تتعرض للأذى، باستثناء شريحتين الكترونيتين يبدو انهما انتزعتا من جهاز هاتف يعمل بالاقمار الاصطناعية.”
لم يشر أي من البحارة المطلق سراحهم بأي معلومات تفيد بارتكاب خطأ عملياتي أودى بهم بالقرب من قاعدة بحرية لفيلق حرس الثورة الايراني، أو إصدار نداء استغاثة، او ما شابه، بأجهزة الراديو المتطورة.
يؤكد الخبراء والأخصائيون بسلاح البحرية الأميركية أن هناك قواعد ثابتة متبعة قبل الإبحار، تبدأ بتفقد صلاحية الزوارق وما على متنها من معدات واسلحة، وتزويدها بكمية اضافية من الوقود تحسباً لأي طارئ، فضلاً عن تجهيز الزورق بمحركين ايضاً تحسباً للطوارئ. إبحار زورقين بمهمة “اعتيادية” يشير الى الاعداد المسبق لنجاح المهمة في حال تعطل احدهما.
من الجائز أن يتعرض جهاز اتصال أحد القوارب بالاقمار الإصطناعية الى عطل، ولو نادراً. أما تعطل نظامين مختلفين على متن زورقين يبحران معاً في ذات الفترة الزمنية فهو أمر يجب التوقف عنده.
يرجح الخبراء والتقنيون بأجهزة الإتصالات أن “فقدان الإتصال بالأجهزة المتطورة على متن القاربين يقود الى استنتاج احادي– تعرضهما لقرصنة الكترونية”. ويضيف أحدهم أن “ما نستطيع التوصل اليه من استنتاجات يدفعنا الى الاقرار بأن القدرات الهائلة المتطورة لدى القوات العسكرية الاميركية اثبتت وجود ثغرات استطاعت ايران استغلالها”.
دروس من قرصنة ايرانية
تعود الإشتباكات “الإلكترونية” بين إيران والقوات العسكرية الأميركية الى عام 2009 في حادث سيطرة إيران الكترونياً على احدث ما انتجته الترسانة الأميركية من طائرات من دون طيار، من طراز RQ-170 سنتينل، بعد مغادرتها قاعدة انطلاقها في قندهار بافغانستان حلقت في الاجواء الإيرانية وهبطت في احدى المواقع الايرانية باضرار خفيفة، 4 كانون الاول 2011.
آنذاك روجت الشركة المصنعة، لوكهيد مارتن، لأحدث منتجاتها بأنهاعصية على الاختراق وشبيهة بطائرات الشبح.
توغلت الطائرة من دون طيار لمسافة بلغت نحو 140 ميلاً داخل الأراضي والأجواء الإيرانية قبل التحكم بهبوطها هناك. استبعدت واشنطن يومها فرضية امتلاك ايران اجهزة الكترونية متطورة ونجاحها باسقاط الطائرة، وارجعت سقوطها لعطل فني ما.
سرعان ما فندت نشرة “ديلي تك” الالكترونية، 15 كانون الاول 2011، الادعاء الرسمي الاميركي وأوردت تفاصيل السيطرة الالكترونية للقوات الايرانية على أحدث انتاجات الصناعات الاميركية. وذكّرت المسؤولين الأميركيين، من سياسيين وعسكريين على السواء، بتصريحات ايران في شهر ايلول من ذات العام، بأنها استطاعت تطوير قدراتها “للتحكم والسيطرة” على اسلحة اميركية مسيّرة او معدات تجسسية.
وأردفت “ديلي تك” أن الإخصائيين الإيرانيين انشأوا “كميناً الكترونياً” للطائرة عبر التشويش على موجات الاتصالات التي تستخدمها الطائرة، ما فرض عليها التحليق الآلي وفق خط سير البرمجة المعدة، وأفقد الطائرة قدرتها على التحكم والاستجابة لاشارات المركز. وعليه، هبطت الطائرة وفق الخطة المعدة لكن “بدل الهبوط في افغانستان نزلت في الاراضي الايرانية”، وتسبب فارق الارتفاعات الجغرافية بين الموقعين، بنسبة بضعة امتار، بتعرض مقدمتها لاضرار خفيفة عند الهبوط “حجبتها القيادة الايرانية بتغطيتها عند عرضها امام كاميرات التلفزيون.”
يومها طالبت نشرة “آفييشنست،” المختصة بشؤون الطيران، المسؤولين الاميركيين بضرورة “اعادة النظر بتقنية الدرونز المستخدمة، وما يرافقها من معدات تشويش واتصالات بالأقمار الإصطناعية،” التي كلفت الخزينة الاميركية عدة مليارات من الدولارات، فضلاً عن “مراجعة جدية وتقييم حقيقي لقدرات ايران الالكترونية.”
وأضافت النشرة حديثاً إن الاستهانة بالقدرات العسكرية الايرانية هو ما ادى لحادث السيطرة على الزوارق الحربية الاميركية مؤخرا في مياه الخليج العربي. وما يقلق المؤسسة العسكرية، بعد التيقن من اختراق ايران لثغرات الكترونية في الاجهزة الاميركية، هو قدرتها على اختراق نظم الصواريخ الموجهة التي تعتمد ايضاً على نظم اتصالات بالاقمار الاصطناعية.
بالعودة للثغرات الإلكترونية في التقنية الاميركية، تأخذ المؤسسة العسكرية الأمر على قدر كبير من الجدية والاهتمام، ليس في البعد الايراني بحادث الزورقين فحسب، بل لسقوط أو تساقط عدد من طائرات الدرونز العام الماضي في المنطقة، لا سيما من طراز ريبر. “تحييد” سلاح طائرات من دون طيار يستدعي ادخال تعديلات حقيقية على العقيدة العسكرية الاميركية المتبعة حالياً في المنطقة لجهة الاعتماد على القوات البحرية السريعة والطائرات من دون طيار.
يتزايد القلق من “تصرفات” إيران حيال البحارة والمعدات الأميركية التي أضحت بحوزة إيران، والتي ستسخرها عاجلاً، في تطوير قدراتها الالكترونية والتشويش على الاتصالات بالأقمار الاصطناعية؛ ومن المرجح ايضاً أن تجد تلك المعدات والاسرار طريقها الى حلفاء ايران من “حزب الله” وسوريا وجماعاتها في العراق واليمن.
التعليقات مغلقة.