ليس غريباً أن تطلق المحكمة العسكرية سراح العميل أديب العلم في العام 2016 قبل انتهاء محكوميته وهي 15 عاماً. وهي التي كانت قد اطلقت سراح مئات العملاء من جيش لحد قبل إتمام محكوميتهم، لتتحول العمالة في لبنان من خيانة للوطن إلى وجهة نظر. وبرغم قانون العقوبات المخفف، نرى أن هناك أكثر من 7000 عميلٍ، نصفهم غادر تل أبيب والنصف الآخر بقي في الأراضي المحتلة في أوضاع يرثى لها، وعلى رأسهم العميل أنطوان لحد الذي عاش عميلاً ودفن عميلاً.
لم يلقَ خروج العميل العلم من السجن، أية ردة فعل معلنة في أوساط بلدته الحدودية رميش، كما حصل إبّان اعتقاله، حيث صدم الجميع بخبر عمالته لجهة عدم توقّعهم جدّية تورطه آنذاك. وبرغم أنه كان قد سجّل في كل اعترافاته حقيقة تجسسه لمصلحة العدو الإسرائيلي ودخول إسرائيل، إلا أنّ البعض بقي مصراً على نظافة كفّه، وعلى أنّ اعترافاته جاءت إما تحت التهديد أثناء التحقيق معه أو أنّه قد تمّ تلفيق هذه التهمة له، علماً أنّه لم يكن منافساً لأي جهة قد تقدم على استهدافه بشكل شخصي.
علاقة العلم بأقربائه لم تُخدش بعد اعتقاله ولم يقاطعوه ابداً بحسب شقيقه سمعان، الرجل الثمانيني الذي باع قطعة أرض لدفع كفالة خروجه، بحسب ما يشير في حديث إلى “مختار”. ووفقاً لسمعان فإنّ ما تمّ تداوله عن شقيقه كان تضخيماً مقصوداً. لاسيما أن “اعترافاته أكدت أنّه لم يقم بأي عمل ضدّ الدولة اللبنانية أو أي مواطن لبناني”.
ولم يكن الرجل الثمانيني بوارد تغيير دفّة الحديث عن براءة أخيه فبقي مصراً على أنهم اتهموه باتصاله بالعدو، ليناقض نفسه مضيفاً “وإذا كان حجم اتصاله بالعدو قد ألزم سجنه فقد نال جزائه وخرج”، خاتماً بثقة “يخضع اليوم شقيقي أديب لبعض الفحوصات الطبية وفور انتهائه سيأتي إلى البلدة من دون أن يأبه لإنتقادات أحد، لأنه مقتنع بعدم ارتكابه لأي جرم”.
ومنذ تسلّم العلم لوظيفته في الأمن العام انتقل إلى بيروت حيث تزوج ولم ينجب. ولم يكن بالنسبة لأهل بلدته “الشخص المألوف”. إذ اعتاد زيارة رميش بعد التحرير وخلال المناسبات فقط. وبرغم زياراته القصيرة والمقتضبة إلى رميش، لم يبخل يوماً بخدمة أبناء بلدته من خلال مركزه الوظيفي. الأمر الذي شكّل للبعض رابطاً خفياً منعهم من تصديق التهم الموجهة إليه حتى بعد اعترافاته الدامغة. ولسوء حظ العلم، فقد تمّ توقيفه قبل تدشينه لمنزله الجديد في البلدة.
“البعض ينظر إليه كعميل والبعض يتردد”، يبادرنا رئيس بلدية رميش، رشيد الحاج في حديث إلى “مختار”، الذي يعتقد أنّ العلم قد دفع ثمن غلطته، فلم يعد لشخصه الإحترام ذاته. ومن جهته، يستنكر رئيس بلدية القوزح، يوسف بو الياس في حديث إلى “مختار”، وجود عميل مسيحي ماروني في رميش
قائلاً “نحن برئيين منه، لأنه شوّه صورتنا كبيئة مقاومة”، خاتماً “لا يمتلك اليوم رصيداً شعبياً كما في السابق”. أما نائب رئيس بلدية رميش، ميشال شوفاني، فيؤكد في حديثه إلى “مختار” رفضهم كأهالي لفكرة العمالة، في إشارة منه إلى أنّ “خروج العلم من السجن أمر يتعلق بالقضاء وحده ولا يستطيعون منعه”، خاتماً لم يعنينا إطلاق سراحه أبداً بقدر ما ازعجنا تناول وسائل الإعلام لشخصه، مما أساء لصورة رميش، “بلدة الصمود”.
عدم إنجاب زوجة العميل أديب العلم، إلى جانب وضعه المادي الجيد يبعدان التهمة عنه بحسب عسكري في بلدة رميش رفض الإفصاح عن إسمه، قائلاً “إذا صحّ تعامل العلم مع العدو فهو يستحق جزائه”. وبدورها تنفي مريم الحاج تصديقها للتهمة الموجهة للعلم، مؤكدة بتناقض “مثله كثر في العمالة وسنستقبله بكل إحترام”، مشاطراً إياها الرأي، كميل الحاج والذي أكدّ عدم تغيّر نظرته للعلم برغم أنّه لا يعرف أبناء ضيعته”.
التردد الخجول عند البعض بشأن العميل أديب العلم أظهر نقيضه الأسير المحرر ديغول أبو طاس في حديثه إلى “مختار” الذي اكتوى بنار العدو الإسرائيلي منذ اعتقاله كأول أسير في العام 1976، حيث يجزم بعمالة العلم مع سبق الإصرار والترصد، على أنه عميل مكتمل المواصفات. وهو غير متهم فحسب بل مدان بعكس ما يرى البعض، تبعاً للوثائق والاعترافات الدامغة التي تؤكد أنه عميل غير مبتدئ، أسهم بدمار وطنه في مرحلة من المراحل. ويرى أبو طاس عدم اعتراف البعض من المقربين بعمالته، لشعورهم الضمني بالخجل والصدمة.
وبرأي أبو طاس أن هناك شريحتان، الأولى ترفض الإتهام على قاعدة القرابة او العلاقة الإجتماعية. والأخرى التي كانت قد طبّعت مع العدو الإسرائيلي على مدى 24 عاماً من العمالة داخل وخارج الأراضي المحتلة. أما عن خروج العميل بكفالة قبل انقضاء محكوميته يؤكد أبو طاس أن هذا الامر لا يمحي عار عمالته سواء كان داخل السجن أو خارجه، ولا ينفي عنه صفة الخيانة متوحشة لأنه عميل وسيبقى عميل.
سوزان الفقيه
التعليقات مغلقة.