بعد سنواتٍ من الظل في أقاصي البقاع الشمالي، ما عاد “رجل الليل” العصيّ على الدولة ودرع “حزب الله” كما يُسوق لنفسه فاراً متوارياً، بل بات وجهاً اعلامياً “بريئاً” يعتلي المنابر ليعطي الصورة التي يريدها عن نفسه وما يقوم به. والمقابل؟ علاقة “خضراء” لن يُعكر احد صفوها؟ أم مجموعة صفقات ستمرر، ولو كانت على حساب مهنيتهم؟ مهنية، اخلاق؟ أيُّ شعار رديء هذا، أما الاجوبة فتبقى معلقة بانتظار فك لغز هذه الاطلالات..
ابن عشيرة زعيتر، احدى اكبر العشائر اللبنانية التي لا يجوز التعميم والاستفاضة طبعاً في الأحاديث التي يتناقلها البعض عنها، لا يُلام اليوم اذا تلطى خلف صورة المظلوم والمغلوب على أمره قضائياً لعله يستحصل على العفو ويُحقق مبتغاه. كما لا يُلام بعض الاعلاميين احرقت فلاشات الاضواء موهبتهم ان كانوا يتمتعون بها في الاصل، فباتوا يلهثون وراء “السكوب” ويعدون باستضافتهم لمن يجمع في عنانه بين المقاومة وأكثر من 70 مذكرة توقيف رهاناً رابحاً ومستفزاً يضمن نسب مشاهدة عالية وقدرة على احتلال صدارة الـ “رايتنغ”، بقدر ما يلام من يلجمهما سوياً!
وليس مستغرباً ان يفتح هواء خاص على مصراعيه لساعات فقط للتسويق والتلميع لـ”نوح زعيتر” أو “روبين هود” البقاع، كبير المطلوبين في عالم ترويج المخدرات والاتجار بها مقابل حفنة من الدولارات كما يرجح المراقبون. فالرخص التلفزيوني لدى البعض امر واقع اعتدنا عليه وقد لا يستحق التعليق على الرغم من التهديد والوعيد بـ”التشقيف” على مرأى ومسمع الجميع باستثناء وزير الاعلام، فأين قيوده على مثل هذه الاطلالات وتحديداً على شاشة تلفزيون لبنان. كيف لدولة قدم رجالها ذاتهم قرابيناً على مذبح الوطن لسوق كل تجار ومروجي المخدرات الى القضاء ان تسمح لنوح وأمثاله بالظهور على شاشتها؟ مطلوب للدولة على شاشة الدولة؟ يطلق العنان لافكاره عبر منبرها و”يُجاهر بمقاومته وحبه لـ”سيدها” وبتجارته للحشيشة وتعاطيه رافضاً تسليم نفسه للقوى الامنية ويتحداها علناً؟ ونعمَ الدولة! شهداء لاجل من؟ لزعران امتهنوا تجارة الموت على عين “المسائيل” ورضاهم!
وفي الوقت الذي ينفي نوح وجود اي تهم بحقه، يؤكد مصدر واسع الإطلاع، ان الاحكام ومذكرات التوقيف وبلاغات البحث والتحري الصادرة في حق زعيتر تستحقّ التوقف عندها مطولاً فضلاً عن مئات الاعترافات التي ادلاها مروجو المخدرات والتي تدينه بشكل مباشر وفاضح.
ويتطرق المصدر الى البعض منها كتجارة المخدرات، تعاطيها وتهريبها، سرقة السيارات، تجارة السلاح، ترويج عملات مزورة، خطف وحجز مقابل فدية مالية، مقاومة القوى الامنية والتعدي على رجالها مراراً وتكراراً وغيرها من التهم التي تتطلب صفحات طويلة لسردها على حد قوله.
ويسترجع فصول كمين تعرض له الاخير منذ حوالي السنة والنصف. يقول:” آنذاك، اصابته نيران مخابرات الجيش بيده ما استدعى ادخاله على الفور الى مستشفى الريان في بعلبك ليرقد فيها الا ان مجموعة مدججة بالسلاح المتوسط من آل زعيتر تمكنت من اخراجه بالرغم من الحراسة المشددة عليه من قبل الجيش واكثر من جهة امنية.
للعودة الى الطابع الامني لالقاء القبض على مطلوب بهذه الخطورة، تتزاحم الأسئلة التي تجد تبايناً في أجوبتها بين مصدر وآخر، فيما تأتي ردود الاعلامي الامني رياض طوق عليها “حازمة”. فلا يخفي بأن الحل الجذري لامارة نوح البقاعية يتطلب امرين فاما عملية خاطفة وسريعة لمكتب مكافحة المخدرات في قوى الامن الداخلي أو تدخل القطاعات المقاتلة المجهزة لوجستيا وقتالياً كالشرطة القضائية، شعبة المعلومات ومخابرات الجيش اللبناني.
ويؤكد ان تنفيذ خطوة امنية محكمة يلقى خلالها القبض على نوح ومئات المطلوبين تحتاج لحجم عناصر وعديد قوة تملكها القطاعات المقاتلة والتي تتمكن من التحرك بالياتها علنياً، بعكس القوى الامنية التي يدخل عناصرها بسيارات مدنية مموهة لاجراء عملية خاطفة في مناطق تعج بالمطلوبين الذين دائماً على اهبة الاستعداد باسلحتهم لمواجهتهم بفضل اجهزة المراقبة والمخبرين الذي يرصدون كافة التحركات العسكرية بدءا من زحلة وصولا الى البقاع.
ويعزو سبب فشل بعض العمليات الخاطفة لحجم القوة العسكرية التي تداهم والتي هي أقل من القدر المطلوب ولا تتجاوز غالباً عدد الاصابع، مستذكراً المداهمة الاخيرة في منطقة الحمودية – بريتال وكيف امطرت سيارات القوى الامنية بوابل من الرصاص من رشاشات حربية واسلحة متوسطة مثل “الاينرغا” من كافة المباني والبيوت المجاورة ما اسفر عن استشهاد الرقيب الاول في مكتب مكافحة المخدرات المركزي، ادمون سمعان.
من هنا، وبناء على ما يحصل، ينظر طوق لقضية نوح من منظورين، الاول ان المطلوب تحول الى رئيس عصابة مدججة بالأسلحة المتوسطة تكون بالعادة بحوزة الجيوش النظامية وتضاهي بقوتها الاحزاب عسكرياً، ويحيطه مئات الفارين من وجه العدالة. أما المنظور الثاني فيتمثل بطريق البقاع والجرود التي تشكل تهديدا امنيا للقوى الامنية وتعرض حياة العناصر للخطر نظراً للتحصينات الموجودة والبيئة الحاضنة والمساندة للمجرمين فقانون العشائر هو السائد في منطقة البقاع. ويضيف:”بالطبع، لا يمكن ان ننسى دور الحدود المهملة والمفتوحة مع الجارة سوريا “ملجأ” المسلحين والمطلوبين المهمين”.
ويسأل طوق “من هو الضابط الذي مهما اشتد بأسه ومهما بلغت شجاعته ذروتها الذي سيتحمل النتائج في حال قرر في يوم من الايام توقيف نوح وجرى هناك تبادل لاطلاق النار أسفر عن سقوط شهداء في صفوف عسكره وحتى قتلى في صفوف مرافقي نوح؟”
واذ يلفت الى انه شخصياً قد رأى “العديد من الضباط الذين يتحملون النتائج بمفردهم، ولكن عندما تكون الدولة بأجمعها مصممة على تغطية وتأمين الحماية لهذا المسؤول الامني فبالطبع لن يتوانى عن القيام بهذه العملية”.
اذاً، وبعيداً عن هذه المهزلة التلفزيونية، يسعى مكتب مكافحة المخدرات في قوى الامن الداخلي جاهداً لاكمال مسيرة شهدائه على الرغم من النقص الفاضح في العديد والعتاد، مثبتاً انه عندما يحزم أمره لا يعصى عليه أي عاص، فهل سيتمكن من ضرب ضربته ليقبع نوح وأمثاله وراء القضبان طويلاً؟
وفي الختام، قد يكون الأمس للمطلوبين والفارين من وجه العدالة ولكن حتماً غداً سيكون عليهم وعليكم السلام.
ستيفاني جرجس
التعليقات مغلقة.