سامي الجميل : لا لـ عون ولا لـ فرنجية

الشيخ سامي الجميل

 

في ظلّ الترشيحات الرئاسية المفاجئة من باريس الى معراب والتحالفات المستجدّة بين أخصام الأمس القريب، يختار الشيخ سامي الجميل ما يشبه سياسية النأي بالنفس عن مجريات الأمور التي لم يقتنع بصحتها ولا ببعدها الاستراتيجي، والتي يرى فيها “تكتيكات” آنية قد لا يجد فيها لنفسه أو لحزبه مكاناً مريحا أو حيثية تقنعه بجدواها.

فبدلاً من الانضمام الى الاصطفافات الجديدة في السياسة، يتمسّك رئيس الحزب “الكتائب” بقناعاته ومبادئ حزبه العريضة، ملتزماً الخط السياسي الذي لطالما دافعت عنه الكتائب وقدّمت دم شهدائها من أجل تحقيقه كما يقول رئيسها، وهو خط ترسمه بعض النقاط التي لا يمكن المساومة عليها، من احترام للدستور ولتطبيقه، والإصرار على المبادئ الاستراتيجية التي ترفض السلاح الغير شرعي، أي الخارج عن نطاق الدولة، الى ضرورة الحياد عن الصراعات الإقليمية التي لا شأن للبنان فيها، دون أن يلغي ذلك حقّ لبنان في الدفاع عن نفسه وأراضيه وسيادته.

وانطلاقاً من هذه المسلّمات، يقول الجميل في حديث مع مجموعة صحافيين دعاهم الى بيت الكتائب لإزالة أي لغط أو التباس حول ثبات حزب الكتائب على مواقفها والعنواين السياسية الكبرى التي تؤمن بها، أن لا هو ولا حزبه مقتنع بالمرشحين الرئاسيين من فريق 8 آذار، أي الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. إذ لم يقدم أيّ منهما أجوبة واضحة ومرضية حتى الساعة حول هذه المسائل الأساسية التي لا يمكن التهاون بها والتي يؤدي تجاهلها وتجاوزها الى خلق مناخ خطير في البلاد، وهذا ما لن يسكت عنه حزب الكتائب.

وبالرغم من أنّ مبادئ 8 آذار الاستراتيجية لا تتلاءم البتة مع قناعات الكتائب، الا أنّه، أي حزب الكتائب، أراد فسح المجال أمام كلّ من فرنجية وعون للردّ على مخاوف زعيم الصيفي علّ أحدهما يزيل هذه الهواجس فيكون ذلك معبراً لتبني الكتائب ترشيحه.

لكنّ ذلك لم يحصل حتى الساعة، فلا ملاحظات فرنجية من خلال اطلالته التلفزيونية الأخيرة كانت مقنعة، ولا الأجوبة التي حصل عليها الجميل من خلال تواصله مع رئيس التيار العوني جبران باسيل كانت مرضية. وفي ما يتعلّق بأجوبته عون تحديدا، يركز الجميل على ان احدى النقاط العشر التي ذكرت في ورقة اعلان معراب حول عدم السماح للمسلحين من العبور من والى الأراضي اللبنانية على الحدود مع سوريا بقيت غير واضحة، خصوصاً بعد ان أصرّ عون في جوابه على هذه النقطة أن سلاح حزب الله قد شرّعه الطائف، مما يعني أنّ هذا البند بحسب مرشّح الرابية لا ينطبق على الحزب، وهذا بالطبع مرفوض من الكتائب.

ويلوم الجميل فريق 14 آذار “لاستسلامه للابتزاز السياسي” الذي يتعرّض له من قبل المحور الآخر، وللتّخلّي عن مبادئه بترشيحه أو تقبّله مرشحٓي 8 آذار مع العلم أنهما ملتزمان بخط واستراتيجية سياسية معاكسة لما تؤمن به مكونات 14 آذار وغير مستعدّان لتغييرها أو تطويرها كما يبدو حتى الساعة. وأما مبادئ وطروحات 14 آذار، فهي لا تزال قائمة بالرغم من “تفجّر” كل التحالفات في الفريق الواحد واندلاع أزمات ثقة كبيرة بين الحلفاء التقليديين.

وانطلاقاً من كل هذه المعطيات، يرى الجميّل أنه لا يمكن حلّ الأزمة الرئاسية الا عبر انتخاب رئيس توافقي يكون وسطياً ويعيد تموضع لبنان في الساحة الإقليمية والدولية بعيدا عن الانجرار في اتجاه واحد لا يمكن للبنان تحمّل تبعته في ظلّ الصراع الإقليمي المذهبي بين السنة والشيعة، مما يحتّم البحث عن عنصر توازن بين الطائفتين في الداخل اللبناني. لذلك، “فإن الكتائب لن تدعم أي مرشّح حامل مشروع٨آذار، ونحن من هذا المنطلق غير مقتنعين انّ أي مرشّح من ضمن المطروحين علينا اليوم قادر ان ينال أصواتنا”.

ويصرّ الجميل على مبدأ التوازن بين خطّي 8 و14، لافتاً الى ان رئيس مجلس النواب هو من فريق 8 آذار ورئيس الحكومة المقبلة في العهد الجديد لا بدّ أن يكون مقرّبا من 14 آذار، لذلك وجب انتقاء رئيس وسطي يؤمن التوازن بين الفريقين.

ويؤكد الجميل انه من الخطأ الاعتقاد ان لا يمكن لرئيس توافقي أن يكون قوياً، اذ متى تمّ التوافق عليه سوف يحظى بدعم الأحزاب والناس التي تمثلها هذه الأحزاب فيستمدّ قوتها منها. “أما ان يتمّ اختيار رئيس قوي بالمفهوم الحالي لهذا الوصف حتى لو أخذ بالبلاد الى مشروع انتحار جماعي، فهذا ما لن نقبله”.

وإذ يصرّ الجميل على انّ حزب الكتائب كان ولا يزال منفتحاً على جميع الأفرقاء بما فيها حزب الله، يوُكد انّ الحوار مع هذا الأخير متواصل منذ ثلاث سنوات، “وحتى اليوم لا نرى استعداداً من جهة حزب الله للانتقال الى نوع جديد من الكلا”.

وقد حان الوقت لحزب الله، كما يقول الجميل، لأن يُلبنِن قراراته، وهو مما لا شكّ فيه مكوّن أساسي في هذا البلد ولا يمكن للبنان أن يقوم من دون اي طائفة من طوائفه، ولكن يجب الاعتراف بأنّ إدارة البلاد اليوم إدارة خاطئة وعلينا تصحيحها ونحن مستعدون على هذا الأساس للانفتاح والتحدث مع الجميع.

ويرى الجميل في بعض الكلام الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله المتعلّق بعدم حضور نواب الحزب جلسة الانتخاب في 8 شباط الجاري ما دام لم يتمّ الاتفاق على عون رئيساً، شذوذاً عن قواعد اللعبة الديمقراطية التي تحتّم على الجميع تقبّل الخسارة كما الربح، وبالتالي عدم الالتزام بنصوص وروحية الدستور.

ويتساءل الجميّل في هذا الإطار حول مدى التزام عون بالدستور وبورقة اعلان معراب التي شدّدت على هذا الالتزام، قائلا ان جلسة 8 آذار هي أوّل امتحان للمرشحين ولعون تحديدا لان يظهر نيته الحقيقية في تطبيق الدستور، فيتوجّه الى المجلس النيابي لإتمام واجباته الدستورية مهما كانت النتائج!

التعليقات مغلقة.