بعد غياب طويل عن لبنان، حضر الرئيس سعد الحريري في الذكرى الـ11 لإغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي أقيمت في البيال بحضور سياسي وشعبي، ودعا في كلمته الى توحيد صفوف “14 آذار”، معدداً الأسباب التي دفعته الى ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية”.
واستهلّ الحريري كلمته بالقول: “في ذروة الحصار السياسي وحملات التشهير التي نظّمها عهد الوصاية ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري خرج رحمه الله، على اللبنانيين ليقول: ما بيصح إلا الصحيح ما في حدا أكبر من بلدو. العبارة تعرفونها جيداً، لأنها محفورة في ذاكرة الجميع تتردّد كلما أطلّ من يرفع صوته في وجه لبنان”.
“لكل الرؤوس الحامية”
وأضاف: “زمن الوصاية السورية، لم يستطع ان يفبرك أشخاصاً أكبر من لبنان. وزمن الاستقواء الإيراني، لن يستطيع ان يصنع قادةً أكبر من لبنان. وكل أشكال الإرهاب لن تتمكّن من وحدة لبنان. وكل عمليات الاغتيال لن تكسر أحلامنا بقيام لبنان. البعض لا يحبّ هذه العبارة، لأنّ من قالها هو الرئيس الشهيد. أمّا نحن فنجتمع في 14 شباط من كل عام، لنعلن على رؤوس الأشهاد: على نهجك مستمرّون يا أبا بهاء، ولو كره الكارهون. ما في حدا أكبر من بلدو، ولا أحد سيتمكّن من السّطو على الجمهورية اللبنانية، لا بترهيب السلاح، ولا بإرهاب التطرف، ولا بمخالفة الدستور. لا أحد سيتمكّن من السّطو على الجمهورية اللبنانية، لا بالأحكام العسكرية الزائفة، ولا بأي وسيلةٍ من وسائل التعطيل والفوضى لبنان لكل اللبنانيين، لا لفئة، ولا لطائفة، ولا لحزب، ولا لزعيم. هذا ما يجب أن يكون معلوماً لكل الرؤوس الحامية، التي تعلق مصير البلاد على مصالحها السياسية والمذهبية”. وأضاف: “عندما يجعلون من لبنان ساحةً لفلتان السلاح، والفرز الطائفي، ومخالفة القوانين، وحماية المجرمين والهاربين من العدالة سيهون عليهم تعطيل المؤسسات، وتبرير الشغور في رئاسة الجمهورية، وإسقاط اعلان بعبدا، سيهون عليهم الاستخفاف بدماء الشهداء، وتجنيد آلاف الشبان للتورّط في الحرب السورية، والتّباهي بتقمّص ادوار الدول العظمى”.
وتابع الحريري: “من غير المسموح في هذا الزمن، ممارسة التّرف السياسي، فيما البلاد تعيش فراغاً في موقع الرئاسة، من غير المسموح ممارسة التّرف السياسي فيما الحرائق تشتعل حولنا، وليس هناك في العالم من يطفئ النار، بل متسابقون على صب الزيت فوقها”.
رفع مستوى الاعتراض السياسي
ورأى أنّ “هناك من قرّر أن يقاتل في الأماكن الخاطئة وتحت شعاراتٍ خاطئة. وإذا كانت الدولة قاصرةً عن وضع حدٍ لهذا الخلل فإنّ هذا القصور يستدعي رفع مستوى الاعتراض السياسي على إقحام لبنان في الصراعات العسكرية ويستدعي هذا القصور مناشدة أهل العقل والحكمة والوطنية في الطائفة الشيعية، المبادرة لتفكيك أخطر الألغام التي تهدد سلامة العيش المشترك”. وقال: “إن لبنان يدفع يومياً من تقدّمه واستقراره، ضريبة الارتجال السياسي، والاستقواء العسكري، والتذاكي الدبلوماسي، والارتباك الاقتصادي والاجتماعي، يدفع الاندفاع غير المسؤول في تعريض مصالح لبنان للخطر عبر التحامل على الدول الشقيقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي التي لم تبادرنا يوماً بأي أذى”.
وسأل الحريري: “هل نحن أمام أحزابٍ تعمل لله، أم أمام أحزابٍ تعمل للفتنة؟”. وأعلن أننا “عرب على رأس السطح. ولن نسمح لأحد بجر لبنان الى خانة العداء للسعودية ولأشقائه العرب”. وأضاف: “لن يكون لبنان تحت أي ظرفٍ من الظروف ولايةً إيرانية. نحن عرب، وعرباً سنبقى”.
وشدّد على أنّه “من الأفضل أن يهدأ الصّراخ، وأن يلتزم الجميع حدود المسؤولية في الكلام، وأن تستريح بعض القيادات عن استخدام المنابر لإثارة الغرائز المذهبية والتفرغ لمعالجة مشكلاتنا، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بروح التعاون على إنقاذ لبنان”.
لن نخشى وصول أي شريكٍ
ورأى أنّ “في قاموسنا، إنّ رئاسة الجمهورية اللبنانية، أولى بالاهتمام وبذل الجهد من رئاسة الجمهورية السورية أو العراقية أو اليمنية ومصلحة الوطن في فك الحصار عن الرئاسة والحكومة ومجلس النواب، لا في المشاركة بمحاصرة مضايا وحلب والمدن السورية”. وقال: “نحن كانت لدينا جرأة المبادرة وتحريك المياه السياسية الراكدة من منطلق يتجاوز المصالح الخاصة لتيار المستقبل الى مصلحة لبنان بإنهاء الشغور الرئاسي”. وأضاف: “مصير رئاسة الجمهورية في يد اللبنانيين. الرئاسة تصنع في لبنان وعلى أيدي اللبنانيين ونحن من جانبنا، نملك الشجاعة لاتخاذ الموقف، والإعلان بأننا لن نخشى وصول أي شريكٍ في الوطن الى رأس السلطة، طالما يلتزم اتفاق الطائف حدود الدستور والقانون، وحماية العيش المشترك، وتقديم المصلحة الوطنية وسلامة لبنان على سلامة المشاريع الإقليمية”.
لهذه الأسباب رشحت فرنجية
وعن ملف الرئاسة، أعاد الحريري التذكير باجتماع الأقطاب الأربعة في بكركي، وقال: “بدأنا بمحاولة إنهاء الفراغ بالدكتور سمير جعجع، مرشّحنا ومرشح 14 آذار. نزلنا إلى الجلسة وكل جلسة، 35 مرة، من دون نتيجة، وبقي الفراغ. في هذه الأثناء، طرحت داخل 14 آذار، فكرة أنه إذا لاقى الرئيس أمين الجميل قبولا من قوى 8 آذار يسحب الدكتور سمير جعجع ترشيحه لمصلحته. هذا الأمر لم يحصل وبقي الفراغ”. وتابع: “قبل ذلك، كنا قد فتحنا حوارا مع العماد ميشال عون، وكانت نتيجته تشكيل حكومة جديدة لكننا لم نتوصّل لنتيجة بملف رئاسة الجمهورية، ولم نرشح العماد عون، بعكس ما يقول البعض اليوم، ولا حتّى وعدناه بتأييد ترشيحه، وبقي الفراغ”. وأضاف الحريري: ” من الأربعة، لم يبق إلا الوزير سليمان فرنجية. ونعم، بعد سنة ونصف من الفراغ، وبعدما رفض كل الأطراف، حلفاء وخصوم، تبنّي مرشح توافقي من خارج الأربعة الذين تعاهدوا فيما بينهم في بكركي، بعدما رفض كل الأطراف، حلفاء وخصوم، تبنّي مرشح توافقي من خارج الأربعة فتحنا حوارا مع الوزير فرنجية. هل رأيتم متى، بعدما أقفل كل مجال. التقيت الوزير فرنجية في باريس، وتوصّلنا معه لتفاهم. هذا التفاهم سمعتموه منه كما هو في مقابلته التلفزيونية، كل ما قيل عندي في البيت كما هو، قاله الوزير فرنجية على التلفزيون”. وأضاف:” الهدف هو إنهاء الفراغ ووضع حدّ للتدهور والعمل على تحسين وضع لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والمعيشي وحماية النظام والسلم الأهلي”.
وسأل الحريري: ” أين الغلط؟ ولماذا أنتم متفاجئون؟ أصلاً ما هو دوري؟ وما هو إرث رفيق الحريري سوى المحافظة على النظام والسلم وتحسين حياة الناس؟ خطوة خلطت الأوراق؟ نعم. خطوة أرغمت الجميع على إعادة وضع انهاء الفراغ الرئاسي، الذي كان الجميع قد نسيه”. وعن لقاء معراب، قال: “نحن فخورون بهذه النتيجة. خطوة أدّت بحلفائنا القوات اللبنانية لأن يتوصلوا بعد 28 سنة، لمصالحة تاريخية مع التيار الوطني الحر؟ نحن كنّا أوّل الداعين وأكثر المرحبين بهذه المصالحة. وليتها حصلت قبل زمن بعيد، كم كانت وفّرت على المسيحيين وعلى لبنان! خطوة أدّت بالدكتور جعجع أن يقرر الانسحاب من السباق ويعلن الجنرال عون مرشح القوات اللبنانية لرئاسة الجمهورية؟ هذا من حقه وحق الجنرال عون في نظامنا الديمقراطي ودستورنا”.
وتابع: “تفضّلوا إلى مجلس النواب وانتخبوا رئيساً، إلا إذا كان مرشحكم الحقيقي هو الفراغ. نحن كما كل مرّة، من 21 شهرا، من 35 جلسة، سنكون أوّل الحاضرين، ومن ينتخب رئيساً، سنكون أول المهنئين، وأنا سأكون أول من يقول له مبروك فخامة الرئيس، وأوّل من يقول: مبروك للبنان! بهذه البساطة. أمّا أن يحمّلونا مسؤولية الفراغ، بعد 21 شهر تعطيل جلسات انتخاب، ويقولون إمّا المستقبل يعلن أن الجنرال عون مرشّحه أو أن الفراغ سيستمرّ، وليست هناك عجلة؟ “إيه هيدي ما بتركب عا قوس قزح” ولا تنطلي على أحد”.
وسأل الحريري: “تقاطعون كل جلسة، وتمنعون النصاب، ولا تقبلون إلا أن تعرفوا النتيجة سلفا، وتريدون تحميلنا نحن المسؤولية؟”. وقال: “بالمناسبة، لا نقبل من أحد أن يقول لنا أنه من حقّنا الدستوري أن نقاطع الجلسات، ليبرر هو مقاطعته غير الدستورية للجلسات لأن الحق الدستوري ليس ملكي ولا ملكه ولا ملك أحد. الحق الدستوري، ملك الدستور، وملك البلد، وملك المواطنين. هذه رئاسة الجمهورية! ليس حقّي ولا حقّك الدستوري، مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وفرض الفراغ على رأس البلاد والعباد”.
ما نفع الوفاء؟
وتابع: “واجبي وواجبك الدستوري، أن ننزل إلى المجلس وننتخب رئيساً ونتخلص من الفراغ! أما أن “يغطّو السموات بالقبوات”، ويعطونا دروس بالوفاء للحلفاء؟ نعم، الوفاء للحلفاء جميل، لكن ما نفع الوفاء إذا كان على حساب مصلحة لبنان. وإذا كان هدفه استمرار الفراغ؟”. وقال الحريري: ” الوفاء الأصلي هو الوفاء للبنان، لأن الوفاء للبنان هو أساس الوفاء للحلفاء، ولكل اللبنانيين! وإذا كانوا يريدون تعييرنا بأننا لا نلعب أي دور إقليمي، فنعم، نحن لا نلعب أي دور إقليمي. ونحن فخورون أنه ليس لدينا أي دور إقليمي”.
“تخنتوها”
وأكّد أن “ليس لدينا أي دور بالدم السوري، وليس لدينا أي دور بالدم العراقي وليس لدينا أي دور بالدم اليمني”. وقال: “غيرنا يريد أن يلعب أدوارا عسكرية، ويغرق بدماء شعوب عربية، يريد أن يرسل شباباً لبنانيين إلى الموت خارج الحدود، هذه مشكلته وليس عيبنا، هذه جريمته، وليست تهمتنا! أو ستقولون لنا أن هذا أيضا حق دستوري؟ تخنتوها”.
وقال:” أعيد وأكرر: نحن عند التزامنا، وعندما نعطي التزاماً، نسير فيه حتى النهاية. نحن صادقون، نريد رئيسا للجمهورية، ونريد أن نتخلص من الفراغ ودفعنا الثمن داخلياً وخارجياً. على الجميع أن يعلم أن للتضحية خطوط حمراء نعرف تماماً كيف نرسمها ومتى نرسمها وندافع عنها في مواجهة المتطاولين على كرامة الدولة وسلامتها”.
وفي الختام، دعا الرئيس الحريري جميع قادة قوى 14 آذار للصعود إلى المنصة لالتقاط صورة جماعية بالمناسبة تعبيراً عن وحدة 14 آذار.
التعليقات مغلقة.