المشهد الايراني بعد الانتخابات : المرشد الفائز الأكبر

 

يكاد المشهد في ايران، غداة الانتخابات، يكون معتادا للعارفين بدينامية الفيسفساء السياسية لولا ان “الثعلب” هاشمي رفسنجاني هو الفائز الأول عن مقاعد طهران في انتخابات مجلس خبراء القيادة، المؤسسة الدستورية الاهم في تركيبة النظام.

ومع انه لا يزال من المبكر احتساب موازين النفوذ والقوة داخل هذا المجلس المسؤول عن اختيار المرشد الاعلى كون عدد مقاعده 88، فإن الاختراق الذي حققه رفنسجاني مضافا اليه التقدم المحسوم للـ”إصلاحيين” المحسوبين على الرئيس حسن روحاني كفيل برسم معالم المشهد السياسي الايراني، لا معالم السياسة الايرانية، في المرحلة المقبلة، للاعتبارت التالية:

-إن فرز الشارع السياسي الايراني الى “اصلاحيين” و”محافظين” هو في الأصل تسمية غربية برزت مع وصول الرئيس الاسبق محمد خاتمي الى الحكم. ولئن كانت اللعبة السياسية الايرانية تتألف بالفعل من مكونات متشددة و اخرى أكثر براغماتية، فإن الانطباع الذي يتشكل لدى المراقب من الخارج (خاصة لمن لا يعرف طبيعة الفرد الايراني) قد يوحي بأن المعركة تتم بين جهتين متناقضتين؛ وهذا امر خاطئ، كون مساحة المناورات السياسية المحلية داخل ايران اكثر اتساعا من المتداول في الاعلام الأجنبي غير انها جميعا تحصل تحت سقف ما يحدده المرشد الأعلى للبلاد. والجميع ملتزم بهذا السقف حتى في أشد الظروف؛ بعيد الاحداث التي شهدتها ايران عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، حين وضع المرشد حدا لما حصل انذاك وفرض سطوته على كل من معسكر رفسنجاني ومعسكر الرئيس السابق احمدي نجاد آنذاك.

-هناك اوجه تشابه بين ما افرزته الانتخابات الحالية وبين الانطباع الذي أعقب انتخاب الرئيس الحالي حسن روحاني. يومها هلل الاعلام الغربي لوصول رجل الدين “المعتدل” الى السلطة واعتبروه خرقا في جدار التشدد الذي تمثله سلطة ولاية الفقيه ومؤسسة الحرس الثوري، لكن الاجواء في طهران يومها كانت مختلفة تماما، الى درجة ان الاوساط المحيطة بالمرشد تحدثت عن سروره الشخصي لفوز الدكتور روحاني كون “الولي الفقيه” يعتبر ان من متطلبات المرحلة اقليميا ودوليا وجود شخصية تمتلك كاريزما وبراغماتية مع حفاظها على الأصالة كالشيخ روحاني. وقد أثبتت المرحلة الماضية من حكم الرئيس الايراني أنه ينفذ بأفضل ما يمكن مصلحة النظام والدولة؛ والاتفاق النووي أبرز مثال.

  • من المعروف عن الشيخ رفسنجاني قدرته العالية على المناورة السياسية. وهو بالتأكيد لن يلجأ الى الصدام المباشر مع معارضيه لتحقيق أهدافه ورؤيته، كما ان المزاج الشعبي الفخور بالاتفاق النووي والمنتظر للانفراجات الاقتصادية الكبرى قد أعطى القيادة الايرانية اوراق اعتماد اضافية بعدما نجحت سياستها في فك الحصار عن ايران بعد كل هذه السنوات. وبالتالي فإن أي حراك لرفسنجاني في المرحلة المقبلة سيتلمس بقوة حدود الهوامش المسموح اللعب ضمنها.

-التدقيق في قائمة التحديات والأولويات الايرانية محليا واقليميا ودوليا يؤشر الى ان “التغيير الدراماتيكي” الذي يأمله البعض من هذه الانتخابات لن يحصل، فالسياسة الخارجية للبلاد هي بيد المرشد بالكامل، والسياسات الدفاعية ينفذها الحرس الثوري بإمرة المرشد أيضا، والقطاع الاقتصادي يخضع لتحالف التجار ورجال الدين تحت عناوين كبرى بات المرشد أكثر تركيزا عليها خلال السنوات الأخيرة في ظل حديثه الدائم عن “الجهاد الاقتصادي” وتوجيهه هذا القطاع نحو الاستقلالية الكاملة عن الموارد الطبيعية.

في الخلاصة، إن العملية الانتخابية الاخيرة لا تعدو كونها واحدة من أشكال الحراك السياسي المعتاد في ايران، وهي لن تؤدي الى تغيير في موقع ايران ومواقفها ومصالحها الاستراتيجية.

التعليقات مغلقة.