لمناسبة مرور عام على توليه منصبه كسفير في لبنان، أشار السفير البريطاني هوغو شورتر في “مدونة”، إلى أنّ انتظار القرار بشأن انتخاب رئيس للجمهورية من جانب الآخرين، هو تنصّل من المسؤولية، لافتاً إلى أنّ “الدستور اللبناني يوفر آلية لحلّ مثل هذه المشكلة: التصويت في البرلمان لانتخاب رئيس”. وجاء في مدونته التالي:
“مضى عام على تسلّمي منصبي كسفير بريطانيا في لبنان، وحان الوقت لأقرّ أنّه رغم كلّ التجارب الرائعة التي تخللت هذا العام الأوّل في هذا البلد الجميل والمضياف، إلّا أنّه لم يخلُ من خيبة أمل كبيرة، وهي عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إنّه أمر جوهري لأنّ بقاء لبنان من دون رئيس لأكثر من سنتين يضعف البلاد ونموذج التعايش الذي يمثله في المنطقة. وهذا يعني أنّ لبنان أصبح أكثر عرضة للصدمات الداخلية والخارجية، وأصبح نموه الإقتصادي وخلق فرص العمل في تراجع، وباتت مؤسسات الدولة مهدّدة.
في إطار جولاتي الديبلوماسية على رؤساء الأحزاب والنواب والوزراء والقادة الروحيين لمناقشة المأزق السياسي، أسمع دائماً ودوماً اللازمة نفسها: لبنان لا يمكنه انتخاب رئيس ما لم تتفق الجهات الخارجية. يقال لي إنّه لطالما كانت الحال على هذا الشكل، فانتخاب رئيس رهن إما بحصول تقارب بين القوى الإقليمية المتنازعة أو تسوية سياسية للحرب السورية، أو ضوء أخضر من إحدى القوى الخارجية أو تلك.
أمّا برأيي أنا، فعلى اللبنانيين أن يقرروا بأنّ اتفاق الأطراف الخارجية لا يمكن، ويجب ألّا يكون ضرورياً لإيجاد حلّ للازمة الرئاسية. لماذا؟
أولاً، لأنّه رغم كلّ الجهود الحثيثة التي تبذلها بريطانيا وغيرها من الأطراف المسؤولة لإيجاد حلّ للأزمات الإقليمية، إلّا أنّ التسوية قد تستغرق سنوات. فهل بإمكان لبنان الإنتظار بعد؟ على كلّ مسؤول لبناني الّا يدخر جهداً لتفادي تحدي قدرة لبنان على الصمود التي يشتهر فيها هذا البلد بانتظار تبلور حلول للمشاكل الاقليمية المستعصية.
ثانياً، لأنّه مهما اهتمت القوى الخارجية لأمر لبنان لا بد وان تضع مصالحها الوطنية الخاصة أولاً، فهذه قاعدة ثابتة في العلاقات الدولية. لقد أظهرت بريطانيا مراراً وتكراراً مدى التزامها باستقرار لبنان وأمنه وازدهاره لكن في نهاية المطاف سيسائل برلماننا ووزراءنا حول مدى دفاع الحكومة البريطانية عن المصالح البريطانية الوطنية. ان البريطانيين ليسوا متصلّبين بشكل استثنائي في هذا المجال لا بل على العكس نحن نعتمد منظورا واسعا وايجابيا لما يخدم مصالحنا الوطنية. لكن ما اقصد هو انه عندما يترك للقوى الاجنبية القرار حول المسائل اللبنانية الداخلية فان اللبنانيين يسمحون لمصالح الآخرين بأن تتغلب على مصالحهم الخاصة داخل لبنان.
ثالثاً، لأنّ انتظار القرار من جانب الآخرين هو تنصّل من المسؤولية. لكن عندما ينتخب اللبنانيون نوابهم ومجالسهم البلدية –كما بدا جلياً من نتائج انتخابات ايار البلدية- فهم يتوقعون من هؤلاء المنتخبين أن يمثلوا مصالحهم أي مصالح الشعب وليس مصالح اشخاص آخرين يعيشون على بعد مئات لا بل آلاف الاميال ولا مصالح السياسيين الخاصة .
أخيراً، إنّ النظام معطّل برمّته. فقد مضى 28 شهراً على انتهاء ولاية الرئيس سليمان والكثير من السياسيين اللبنانيين كانوا يعملون بكد للتوصل الى اتفاق على خلف. لكن آن الأوان للإعتراف ان محاولات حشد توافق بين المصالح الخارجية المتنوعة والمتناقضة لصالح مرشح واحد، قد باءت بالفشل. ان الدستور اللبناني يوفر آلية لحلّ مثل هذه المشكلة: التصويت في البرلمان لانتخاب رئيس.
عندما أعبّر عن آرائي هذه أمام أصدقائي اللبنانيين يذكرونني بكلّ لطف بأنني ما زلت جديداً نسبياً في لبنان. لكن يقولون لي إنّ التدخل الخارجي في الشؤون السياسية اللبنانية هو واقع لا مفرّ منه بسبب المال والأسلحة والدين. والملفت أن هذا الموضوع لا يثير جدلاً عاماً هنا: أهو قدر محتوم؟ أو شعور بأنه ما دام كل طرف يحمي ظهره بحليف أجنبي فهذا يعني انه منتصر؟ اذا كانت هذه هي الحال فأنا لا اوافق. كل من يهتم لمستقبل النموذج اللبناني للتعايش وكل من يهتم لأمر الوظائف والفرص الاقتصادية في هذا البلد وكل من يهتم لأمر الدولة القوية التي تضمن الأمن وحكم القانون هو خاسر كما يظهر المأزق الرئاسي الحالي.
إنّ مشاكل المال والسلاح والتأثيرات الدينية الخارجية ستستغرق وقتا طويلا قبل ان تحل. لكن مسألة الرئاسة يمكن ان تحل الآن وعلى ايدي اللبنانيين. لأكثر من عامين، السياسيون اللبنانيون هم انفسهم من قرر انتظار الاملاءات الخارجية وعلى البرلمانيين اللبنانيين انفسهم تقع مسؤولية انتخاب رئيس. ألم تنص مقدمة الدستور اللبناني على ان “لبنان وطن سيد حر مستقل”؟
لذلك أقول: حان الوقت لينتخب لبنان رئيساً بشكل مستقل. حان الوقت ليصوّت البرلمان. حان الوقت لاستقلال 2”.
التعليقات مغلقة.