فشلت جميع اللجان النيابية، التي تشكّلت بعد العام 2012، بوضع قانون انتخابي جديد. فبعد تنقله بين لجنة التواصل النيابية العام 2012، واللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل، وصولاً إلى تشكيل لجنة التواصل المكلّفة هذه المرة بحث النظام والدوائر الانتخابية فقط أواخر العام المنصرم، حطّ قانون الانتخابات الموعود رحاله في اللجان النيابيّة المشتركة.
أربع لجان في أقل من أربع سنوات والنتيجة واحدة: عدم التوافق على القانون الموعود. فهل ستتمكّن القوى السياسية من التوصّل إلى حلول مشتركة في هذا الشأن، أم ستضطر إلى دخولها “من الزواريب”، إذ لم تتمكّن بعد من “الدخول من الأبواب”، على ما قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي في جلسة الحوار الأخيرة؟
“أرنب” برّي
لم يكن في جعبة الرئيس برّي أرنب يسحبه أمام المجتمعين عندما فشلوا في التوافق على قانون انتخابي بعد انعقاد عشرات الاجتماعات للجنة التي تشكّلت في كانون الثاني المنصرم. لذا، عاد بري ورمى الشهر الفائت على طاولة اللجان النيابية المشتركة اقتراحات قوانين الانتخاب الـ17 التي كانت قد تقدّمت بها الأطراف السياسية منذ العام 2012 وما قبله.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ العقدة الأساسية التي لم تتمكّن لجنة التواصل الأخيرة من فكّها وحالت دون التوافق، هي القانون المختلط، أي الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري لاختيار نواب الأمة. لكن هذا الأخير عاد ورسا على طاولة اللجان النيابية المشتركة كخيار وحيد. فبعد ثلاثة اجتماعات عُقدت في أيار تم استبعاد جميع الاقتراحات الـ17 باستثناء المختلط، عقدة العقد.
القوانين المطروحة
أسقطت اللجان النيابية المشتركة القانون القائم على النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي الذي تقدم به النائب عاصم قانصو، والذي يتبناه “حزب الله”. فهذا الطرح لا يرضي معظم الأطراف السياسية، إضافة إلى أن القائلين به يطرحونه من باب المزايدة لا غير. أما قانون الأكثري القائم على أنّ لبنان خمسون دائرة والذي تقدّم به النائبان سامي الجميل وجورج عدوان، فلم يعد ينادي به إلا ابن بكفيا وحيداً بعدما تبدلت طروحات “حزب القوات اللبنانية”.
مع الإشارة إلى أنّ “حزب الكتائب” ما زال مصراً على قانون الدائرة الفردية، مع رفع عدد النواب إلى 130 (إضافة نائب درزي وآخر للسريان)، كما جاء في اقتراح الجميّل العام 2013. فـ”القوات” عادت وتقدمت مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المستقبل” بقانون مختلط قائم على أساس توزيع 68 مقعداً وفقاً للنظام الأكثري في 26 قضاءً و60 مقعداً وفقا للنظام النسبي موزعة على ست محافظات.
وكما هو معلوم أن كتلة “المستقبل” تقدمت العام 2013 بقانون أكثري قسمت فيه لبنان إلى 37 دائرة انتخابية مع إنشاء مجلس للشيوخ بحسب اتفاق الطائف، بينما طرح “الاشتراكي” النظام المختلط 82 مقعداً أكثرياً و46 نسبياً على أساس 13 دائرة.
ثمّ عاد “المستقبل” وطرح نظاماً مختلطاً، 90 مقعداً أكثرياً على أساس 37 دائرة و38 نسبياً على أساس المحافظات الست، إلى أن توافقت الأطراف الثلاثة على النظام المختلط الحالي.
أما “التيار الوطني الحر” فقد تبنّى قانون “اللقاء الأرثوذكسي”، إذ تقدم النائبان آلان عون ونعمة الله أبي نصر بقانون قائم على “انتخاب النواب المحدّدين لكل طائفة من قبل الناخبين التابعين لها على أساس النظام النسبي مع اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة ومراعاة.. اقتراع الناخبين لمرشحين من طائفتهم فقط”. على أن يحدد عدد المقاعد النيابية وتوزيعها على الطوائف والمناطق بحسب التوزيع الحالي على الأقضية الـ26.
وتقدم النائب علي بزي العام 2014، بقانون قائم على النظام المختلط 64 مقعداً بحسب النظام الأكثري موزعة على 25 دائرة (جمع دائرتي مرجعيون وحاصبيا) و64 مقعداً على أساس النسبي موزعة على المحافظات الست.
عقدة المختلط في الطَرحين
قد يبدو أنّ عقدة المختلط بين الفريقين تكمن في فارق المقاعد النيابية الأربعة في الطرحين، بيد أنّ المسألة تكمن في المعايير المتّبعة لتقسيم المقاعد بين النظامين النسبي والأكثري. ففي طرح برّي نجد أن المناصفة بين النظامين أتت لمصلحة توزيع المقاعد على أساس النسبي في الدوائر التي تكون فيها مقاعد الطائفة بحدود 5 مقاعد. في طرابلس مثلا حيث يوجد 5 مقاعد سنية في طرح بري 3 مقاعد نسبي و2 أكثري، فيما العكس موجود لدى “طرح الثلاثي” (الاشتراكي والقوات والمستقبل).
لكن عقدة العقد تكمن في مقعدَي صيدا السنيّين ومقعدَي بشرّي المارونيين، حيث توزعت بحسب طرح برّي كالآتي: مقعد على أساس نسبي وآخر الأكثري، بينما في طرح الثلاثي توزع المقعدان في بشرّي وصيدا على أساس الأكثري. في جبل لبنان قسم طرح الثلاثي المقاعد الشيعيّة الثلاثة على أساس مقعد شيعي أكثري و2 نسبي، بينما العكس هو ما تبناه طرح بري. أما في بعبدا فقد اعتمد الثلاثي إبقاء المقعد الدرزي على أساس النسبي بينما جعله طرح بري أكثرياً.
الهيئة المستقلة… طارت
لكن، إلى أن يتم التوافق بين المتحاورين، بات مصير أهم إصلاح انتخابي في خطر، ألا وهو إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية التي لم تلقَ توافقاً عليها. فالبعض يريد الإبقاء على الهيئة الحالية، وبالتالي ترك إدارة العملية الانتخابية في عهدة وزارة الداخلية، والبعض الآخر يريدها مستقلة. علما أن تشكيل هيئة مستقلة قادرة على إدارة العملية الانتخابية تحتاج إلى أكثر من ستة أشهر من التحضير.
وفي حسبة بسيطة للوقت الضائع بين الاتفاق على تقسيم الدوائر والنظام الانتخابي الحاصل، والتوافق على هيئة مستقلة أو تابعة للداخلية، يتبيّن أنّ الانتخابات المقبلة بعد نحو السنة لن تكون في عهدة هيئة مستقلة. ما يعني ضياع هذا الإصلاح الضروري في زواريب اللجان النيابية، الأمر الذي ينسحب تعطيلاً لجهة إمكانية الحد من الإنفاق الانتخابي المرتفع وإلاعلان الانتخابي غير المتكافئ الحاليين، ويُبقي الانتخابات تحت رحمة السلطة التنفيذية. فـ… وداعاً لحيادية السلطة عن ملف الانتخابات.
في المحصلة، هي لعبة أوزان بين الأفرقاء المتخاصمين، فكل طرف يريد نظاماً على قياسه، من دون ترك مجال للضبابية البنّاءة في وضع قوانين الانتخاب. يريدون نتيجة معروفة سلفاً قبل الشروع في الانتخابات. فهل ستنجح اللجان في تذليل العقبات؟ المسألة في غاية الصعوبة.
وليد حسين
التعليقات مغلقة.